الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا لم يتم التدخل في سوريا؟

لماذا لم يتم التدخل في سوريا؟

27.10.2013
د. عبدالله جمعة الحاج



الاتحاد
السبت 26/10/2013
بعد أن تم استخدام الأسلحة الكيميائية في ضرب المدنيين في سوريا، وبعد أن استقر رأي المجتمع الدولي على أن النظام الحاكم هو الذي قام بذلك، تعالت الأصوات في الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأميركية على لسان رئيسها، بأن فعلة النظام لن تمر دون عقاب، وبأنه سيتم توجيه ضربات عسكرية محدودة إليه. لكن تلك التهديدات لم تنفذ بعد أن تدخلت روسيا بكل ثقلها وأثنت الولايات المتحدة عن توجيه الضربات، وأقنعت النظام السوري بتسليم الأسلحة النووية والتخلي عنها وتفكيكها.
ورغم ذلك، فإن عدم التدخل في سوريا لم يحدث، لأن الدبلوماسية الروسية كانت ناجحة في منعه، ولكن لأن الدول القادرة على تنفيذه ليست لديها الرغبة الحقيقية في التدخل لأسباب موضوعية تخصها هي ذاتها وتخص عدداً من حلفائها، سواء في أوروبا أو في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي.
إلى هذه اللحظة يبدو بأن الصراع وصل إلى الحرب الأهلية الشاملة التي لا يوجد ضمن معطياتها القدرة العسكرية لدى الأطراف المتصارعة لتوجيه ضربات إلى الخصوم للقضاء عليهم. ومن قراءة الوضع يبدو بأن النظام لديه القوة الأمكن، ويقوم بالفعل ورد الفعل العسكري الذي يحرج به الأطراف الأخرى، لكن المقاومة تنتشر أيضاً على كامل التراب السوري، وتتلقى فصائلها الدعم المالي والعسكري والتكتيكي واللوجيستي من الخارج، والنتيجة هي لا غالب ولا مغلوب، لكن هذا الوضع قد يتغير في مصلحة الثوار لو أن الدعم الخارجي زاد بكثافة.
والواقع أن خطط التدخل العسكري وضعت منذ بداية عام 2012، وقامت العديد من الأطراف الرسمية والمستقلة بالمناداة بالمزيد من الجهود الدولية لمساعدة الثوار لكن فيما يبدو أنه لا توجد شهية لدى الغرب أو القدرة لدى الدول المحيطة بسوريا لتنفيذ هذا النوع من الخطط. ورغم التصريحات القوية التي ألقت في أعقاب استخدام الأسلحة الكيميائية إلا أنه بالرجوع مثلاً إلى ما قاله الرئيس الأميركي في 17 مارس 2012 فإن قيام الولايات المتحدة باتخاذ إجراء عسكري أحادي ضد النظام السوري يعتبر «غلطة» وهو أمر غير وارد.
وبالنظر إلى التوجهات الأخيرة نحو إيران، فإن الرئيس الأميركي لا يريد لبلاده أن تنغمس في أوضاع شائكة حول سوريا بطريقة تؤدي إلى قيامها بتدخل عسكري غير سوية نتائجه. لذلك فإن ما أعاق التدخل في سوريا أسباب كثيرة معقدة، فسوريا ذاتها لها طبيعتها الخاصة سياسياً وإقليمياً وجغرافياً، وحتى اجتماعياً، النتائج التي يمكن أن تتمخض ربما تكون غير محسوبة ومضرة بمصالح المتدخلين، وتوجد تعقيدات دبلوماسية أطرافها العديد من القوى التي تتضارب مصالحها. وفي الغرب والمنطقة العربية توجد دول وشعوب لا تريد لهذا التدخل أن يحدث وربما تقف ضده بعنف، بمعنى أنه لا يوجد إجماع دولي حول العملية من أساسها، والمعارضة السورية التي تطرح نفسها على أنها بديل قام للنظام مفككة، وتوجد بينها حركات متطرفة لا يرغب أحد في وصولها إلى السلطة، وحدِّث ولا حرج عن أمور إقليمية ودولية أخرى خافية وتدخل بعمق في المعضلة السورية، فلسوء الحظ توجد العديد من المتغيرات الغير معروفة والأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها: مقاومة بطولية، لكنها مفككة، وظروف إقليمية ودولية معقدة من شأنها أن تزيد الأمور سوءاً وترفع من كلفة أي تدخل عسكري خارجي، ودول الغرب والسوريون ذاتهم وجيران سوريا يريدون التدخل الخارجي لكن لا يعلمون كيفية تنفيذه، فقد يحول سوريا إلى دولة فاشلة أخرى في المنطقة.