الرئيسة \  تقارير  \  لماذا ناشد زيلينسكي الغرب عدم إثارة الذعر؟

لماذا ناشد زيلينسكي الغرب عدم إثارة الذعر؟

02.02.2022
جورج عيسى


النهار العربي
جورج عيسى
الثلاثاء 1/2/2022
طالب الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي الدول الغربيّة بعدم إثارة الذعر بسبب الحشود العسكريّة الروسيّة على الحدود مع بلاده. جاءت مطالبة زيلينسكي يوم الجمعة بعد اتّصال هاتفيّ بين الرئيسين الروسيّ فلاديمير بوتين والفرنسيّ إيمانويل ماكرون شدّدا من خلاله على "ضرورة نزع فتيل التصعيد" ومواصلة الحوار لحلّ الأزمة. وحشدت روسيا قرابة 120 ألف جنديّ على الحدود مع أوكرانيا في ما يبدو أنّه تصعيد للقبول بالمطالب التي تقدّمت بها موسكو في 17 كانون الأوّل (ديسمبر) وتضمّنت منع توسّع حلف شمال الأطلسيّ (ناتو) شرقاً وعودة الانتشار العسكريّ الغربيّ إلى حدود 1997. لكنّ الولايات المتحدة و"الناتو" رفضا رسميّاً الأربعاء الماضي تلك المطالب مقدّميْن في المقابل ما اعتبراه مبادرات يمكن أن توجد أرضيّة مشتركة بين الطرفين.
على الرغم من أنّ واشنطن أعربت عن دعم متين لكييف في مواجهة أيّ غزو روسيّ محتمل، عرفت العلاقات بين العاصمتين بعض التأرجح. تخوّف وزير الخارجيّة الأوكرانيّ دميترو كوليبا الشهر الماضي من "أن يبيع" الغرب بلاده، كما أنّ إعلان الرئيس الأميركيّ جو بايدن، ربّما من طريق زلّة لسان، وجود تمييز بين "غزو محدود" وآخر أوسع، استدعى انتقاداً من زيلينسكي. وهنالك أيضاً خيار واشنطن إعفاء مشروع "نورد ستريم 2" من العقوبات. وسط كلّ هذه الأجواء، أتت مطالبة زيلينسكي الغرب بعدم إثارة الذعر في مسألة وشاكة أيّ هجوم روسيّ محتمل لترسل مؤشّرات عن خطب ما في العلاقات الثنائيّة.
السبب الأوّل                   
قد يكون تعزيز الاقتصاد والمعنويّات الأوكرانيّة أحد الأسباب التي دفعت زيلينسكي إلى إطلاق مناشدته. ففي مؤتمر صحافيّ مع وسائل إعلاميّة أجنبيّة، قال الرئيس الأوكرانيّ الجمعة: "لسنا بحاجة لهذا الذعر" لأنّ "علينا تأمين استقرار اقتصاد" الجمهورية السوفياتية السابقة. وتأسّف زيلينسكي لأنّ متابعة الإعلام العالميّ و"حتى قادة الدول المحترمين تجعلنا نعتقد أنّنا في خضمّ حرب" في كلّ البلاد، وأنّ "هنالك جيوشاً تتقدّم على الطرقات، ولكنّ الوضع ليس كذلك". وأضاف أنّ احتمال الهجوم ما زال قائماً لكنّه لا يتجاوز ما كان موجوداً في الماضي. وقال إنّ أكثر من 12 مليار دولار من الاستثمارات خرجت من بلاده بسبب التوترات، مضيفاً أنّ أوكرانيا بحاجة لما بين 4 إلى 5 مليارات دولار لاستقرار الاقتصاد. وخسرت العملة الأوكرانيّة قرابة 8 في المئة من قيمتها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. والتضخم وصل إلى 10 في المئة.
سبب خارجيّ؟
ثمّة احتمال أيضاً في أن يكون زيلينسكي مراهناً على قدرة الفرنسيّين في تخفيف التوتّرات. فهم أحد أطراف مجموعة النورماندي التي أشرفت على صياغة اتّفاقيتي "مينسك". ويبدو الفرنسيّون أقلّ تشدداً من الأميركيّين في التعاطي مع الروس، إذ يقولون إنّ موسكو عقلانيّة في الحوار وإنّ "بوتين لم يبدِ أي نية عدوانية"، و"قال بوضوح إنّه لا يسعى إلى المواجهة". مع ذلك، هم يخطّطون لإرسال المئات من قوّاتهم إلى رومانيا لتعزيز الجناح الشرقيّ من "الناتو"، بما يجعل موقفهم أقسى من موقف الألمان الذين يرفضون حتى إرسال أسلحة ألمانيّة الصنع إلى أوكرانيا.
وعقد زيلينسكي مؤتمره الصحافيّ الداعي إلى التهدئة بعد نحو ساعة ونصف الساعة على اتّصال ماكرون-بوتين، وقبل نحو أربع ساعات على اتصاله مع الرئيس الفرنسيّ ليل الجمعة نفسه. وكان من المفترض أن تتمّ دعوة مجلس الأمن للانعقاد من أجل بحث التوتّر حول أوكرانيا الجمعة، لكن تمّ تأجيل الموعد إلى الاثنين كي لا يتداخل مع الاتصال الروسيّ-الفرنسيّ وفقاً لوكالة "فرانس برس".
اتصال بايدن-زيلينسكي
أجرى الرئيسان الأوكرانيّ والأميركيّ اتصالاً يوم الخميس يبدو أنّه لم يكن على قدر الآمال وفقاً لما قاله مسؤول أوكرانيّ بارز لشبكة "سي أن أن". في الاتصال الذي كان "مطوّلاً وصريحاً"، قال بايدن إنّ الاجتياح الروسيّ أصبح الآن "شبه مؤكد" ووشيكاً بمجرّد أن تتجمّد الأرض في شباط (فبراير)، بينما كرّر زيلينسكي موقفه بأنّ التهديد الروسيّ يبقى "خطيراً لكن غامضاً". وأصدرت ناطقة باسم البيت الأبيض نفياً سريعاً لما ورد في التقرير مشيرة إلى أنّ بايدن نبّه من أنّ الاجتياح في شباط (فبراير) هو "إمكانيّة بارزة" وحسب.
حين سئل زيلينسكي عن الاتصال مع بايدن، قال إنّه شكر نظيره الأميركيّ على دعمه مضيفاً: "أنا رئيس أوكرانيا، أنا أعيش هنا، وأعتقد أنّني أعرف التفاصيل أكثر من أيّ رئيس آخر. ليس لدينا أي سوء تفاهم مع الرئيس بايدن. أنا فقط أفهم بعمق ما يجري في بلدي كما هو يفهم تماماً ما يجري في الولايات المتحدة". وكرّر تأكيده أنّه لا ينتقد نظيره الأميركيّ.
لكن خلال الاتصال، أعرب زيلينسكي عن مخاوفه بشأن قرار واشنطن دعوة جميع المواطنين الأميركيّين إلى مغادرة البلاد، فردّ بايدن بأنّ السفارة "تبقى مفتوحة وتعمل بكامل طاقتها".
دوافع أخرى
يمكن ألّا يكون موقف زيلينسكي مبنيّاً على أيّ تحوّل في العلاقات مع واشنطن أو باريس. فهو نشر مقطع فيديو في 19 كانون الثاني (يناير) الحالي يدعو فيه المواطنين إلى "التقاط الأنفاس والهدوء". مع ذلك، قد ترتدّ دعوات التهدئة سلباً عليه بحسب تقرير لصحيفة "الواشنطن بوست". تقول الخبيرة في الشؤون الأوكرانيّة من معهد "تشاتام هاوس" الملكي أوريسيا لوتسيفيتش إنّ زيلينسكي يعاني في سياسة التواصل بشأن الأزمة. "بوضوح هو يريد من المواطنين البقاء هادئين، لكنّ الذعر قد ينتشر بسبب تضارب أو نقص المعلومات". كذلك، استغرب ديبلوماسيّان أميركيّ وأوروبّيّ الخطابات التي يدلي بها زيلينسكي والمثيرة لـ"القلق" وفقاً لما قالاه للصحيفة نفسها.
 في المقابل، أعرب مراقبون أميركيّون في حديث إلى مجلّة "الفورين بوليسي" عن اعتقادهم بأنّ الأوكرانيّين باتوا فعلاً معتادين على التهديدات الروسيّة. وهذا يحتّم بحسب رأيهم عدم استثارة المخاوف في حال انتفاء وجود مبرّر مؤكّد لها، بما أنّ تكرار التحذيرات سيولّد أزمة غياب ثقة لدى الشعب الأوكرانيّ، إلى جانب التداعيات الاقتصاديّة والماليّة.