الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا نتناول روسيا وإيران؟

لماذا نتناول روسيا وإيران؟

21.04.2020
يحيى العريضي



سوريا تي في
الاثنين 20/4/2020
يتساءل سوريون لماذا يتم انتقاد روسيا وإيران على الدوام، وتناولهما كقوتي احتلال؛ وبالمقابل، إغفال أو تناسي إجرام الولايات المتحدة، أو ممارسات دول أخرى في سوريا؟ وهنا أقول: لا يختلف اثنان على أن أميركا ايضاً ليست الدولة التي ترنو اليها الأنظار لتحقيق العدالة الكونية؛ ولا يمكن لأحد أن ينسى ممارسات أميركا الإجرامية في كل من فيتنام والعراق وأفغانستان، ودعمها المفرط لمحتل أرضنا.
 في سياق المقارنه بين الفواحش الروسية، وممارسات أميركا اللإنسانية، يكفي التمعّن في معيار واحد فقط، لنرى فارقاً تصعُب موازنته بين الجانبين؛ يتمثل بموقف الشعبين تجاه ما تفعله قيادتهما. ليس كل الشعب الأميركي راضياً عما فعلته أو تفعله الإدارة الأميركية في البلدان المذكورة آنفاً، حيث كفل القانون الأميركي للمواطن الأميركي حق التعبير عن نفسه، والاعتراض على سياسة حكومته من خلال التظاهر أو عبر المؤسسات الإعلامية الجبارة؛ والتي تمنع، بل تحاسب إداراتها على الاستمرار بممارسة الخطأ؛ أو بأسوأ الأحوال، فإن الإدارة الأميركية- وبقوة القانون- مجبرة على تبيان حقيقة الموقف في البلدان المغزيّة. وفي كثير من الحالات كان لموقف المواطن الأميركي أثراً كبيراً في تعديل سلوك القوة العسكرية الأميركية وسياسة بلاده الخارجية؛ فهل يتمتع الشعب الروسي بهذا الحق، أو "رفاهية" الاعتراض، ولو المقونن ؟ وهل تتمتع غالبية الشعب الروسي بحق الاعتراض "المؤدب" على أوامر بوتين التي يغلفها عادة بلبوس ديمقراطي واهي لا ينطلي على أحد؟
هل يمتلك الشعب الروسي مثلاً رفاهية طرح سؤال عن قانونية استمرار بوتين بالحكم لمدة عشرين سنة سابقاً، أو الاستفسار عن قانونية "تصفير" عداد سنوات حكمه لتصبح مدى الحياة عبر ترويضه مجلس "الدوما" ليصبح طوع بنانه من خلال “yes-men”/رجال مطواعين/ اشترى ذممهم تاركاً لهم حرية كسر القانون في تجارتهم وتكديسهم لأموال الربا؟
هل يمتلك الشعب الروسي الحق بالسؤال عن أرصدة بوتين في بنوك الغرب، والتي ذكرها أوباما همساً لبوتين في إحدى لقاءاتهما المشؤومة؟ وهل يمتلك المواطن الروسي العادي حق التساؤل المشروع عن مقتل معارضي نظام بوتين سواء خارج البلاد، ( مثل سيرجي سكريبال في بريطانيا) أو على الجسر المجاور للكرملين، (مثل اغتيال المعارض نيمستوف) حيث الجريمة تُسجَّل ضد مجهول، رغم أن تلك المنطقة مراقبة مثل مراقبة "صوص" في صندوق زجاجي؟
هل يمتلك الشعب الروسي مثلاً رفاهية طرح سؤال عن قانونية استمرار بوتين بالحكم لمدة عشرين سنة سابقاً؟
هل تجرّأ روسي على سؤال حكومته عن عدد "الفيتوهات" التي استخدمتها لحماية نظامٍ قتل شعبه وشرده واستخدم السلاح الكيماوي ضده؟ يكفي منظومة بوتين نفاقاً قولها باستمرار بأنها في سوريا "للحفاظ على الدولة السورية". فهل الحفاظ على الدولة يكون بالاشتراك بقتل شعبها، وباستغلال خيراتها عبر عقود لسنوات، ومن خلال السيطرة على مواردها؟! تكفي السوريين مشاهدة الاستنفار الروسي تجاه نتائج التحقيق باستخدام السلاح الكيماوي في سوريا. لا بد أن الأبواق الإعلامية الروسية قد عكست الموقف الذي اتخذته الخارجية الروسية في تكذيب اللجنة ونسف مصداقيتها حفاظاً على من ارتكب الجريمة بحق السوريين. ولا بد في الوقت ذاته أن يدرك ذاك المتلقي الروسي أن الدفاع  عن الجريمة، مشاركة بها. كل ذلك حتماً سينعكس على سمعة شعب روسي ذنبه الوقوع في براثن هكذا دكتاتورية.  كيف يمكن للسوري أن يُغفِلَ أو ينسى تفاخر المحتل الروسي، وبكل وقاحة استخدام أكثر من مئتي صنف من الأسلحة على بلده وأهله!! فهل تجرأ روسي على طرح مسألة كهذه علناً؟!
شتان بين استخدام الشعب الأميركي لحقه في التعبير عن ذاته كمهماز يعدل ويحاسب سقطات الإدارة الأميركية (كما حصل في فضيحة "ووتر غيت (watergate)، وتسليط إعلامه الضوء على فضيحة "الكونترا" التي كادت تودي برئاسة "ريغن"، وبين الشعب الروسي الذي عانى الأمرين سواء قبل الثورة الحمراء أو بعدها؟
 صحيح أن الخطاب السائد في سوريا لعقود مديدة يصوّر العلاقة بين العرب والروس على أنها أفضل منها مع أميركا- بحكم تبني الأخيرة لإسرائيل التي تحتل فلسطين وتشرد أهلها، ولاحقاً احتلت أراضيَ عربية أخرى- وأن هناك زيجات عربية-روسية تقارب الربع مليون- وأن روسيا ما غزتنا يوماً؛ إلا أن البعض ينسى أن الاتحاد السوفييتي كان سباقاً للاعتراف باسرائيل قبل أميركا؛ وأن إدارة بوتين اليوم تعتبر أمن إسرائيل أولوية، وأن تلك العلاقة الطيبة لم تكن مع الشعب، بل مع دكتاتوريات تشبهها تماماً.
وإذا كان بعض إعلام بوتين  ينتقد بشار الأسد اليوم، وأن السوريين لن ينتخبوه، إذا بقي التدهور الاقتصادي والفشل كما هو؛ فإنه فضلاً عن اتهامه من قبل البعض بالإعلام الصهيوني، فقد يكون ذلك لعصر الأسد أكثر، وجعله يقدم المزيد من التنازلات، أو يمهد لانتخابات 2020، التي يعرف الروس أنه ليس هناك من منافس للأسد في ظل مخابراته وحماية الروس والإيرانيين والإسرائيليين له، وفي ظل غياب أية بيئة آمنة، وتبعثر السوريين، ومرشحيهم المسخرة.
 يكفي السوري تحديداً أن يستمع على الدوام لتلك العبارة السحرية الكاذبة الأشهر من المسؤولين الروس عندما يقولون:"لسنا متمسكين بالأسد" ؛ ويكفيهم أنه عندما يسألهم السوري: كيف تبدلون علاقة روسيا بشعب قوامه 23 مليون، بعلاقة مع طغمة تقتل هذا الشعب؛ ولن تتمكنوا من حمايتها للأبد؟! هنا يخرسون أو يتفصحنون ببهلوانية ووقاحة؛ ويتجاهلون أن السوري يعرف بأن وحدها هذه الطغمة التي تؤمَّن مصالحهم وتبيع كل شيء لتبقى، وهذا الشعب لا يبيع ولا يخون؟!
 لكل  هذا يتم انتقاد الروس والهجوم عليهم. والآن مع تيقّن الجميع أن هذه المنظومة الاستبدادية الأسدية غير قابلة للحياة، ولا يمكن إعادة تكريرها أو تأهيلها؛ أليس من واجب الروس- ولو مرة واحدة- أن ينطقوا بالحق، ويلتفتوا إلى مصلحة شعب يستحق الحياة والحرية؛ علّهم يكفرون عما ارتكبوا بحق السوريين. لا يكره السوريون أحدا، ولكن لا ولن يقبلوا الظلم.