الرئيسة \  مشاركات  \  لماذا يعادي نوري المالكي جبهة النصرة أكثر من تنظيم داعش؟

لماذا يعادي نوري المالكي جبهة النصرة أكثر من تنظيم داعش؟

08.01.2014
الطاهر إبراهيم




تحاول واشنطن أن تظهر أنها صديقة للمعارضة السورية. وتحت هذه العباءة تتدخل في شئون المعارضة، صغيرها وكبيرها، لكنها لا تقدم لها شيئا. المعارضة من طرفها يظهر أنها مرتبكة وخيارها صعب بعد أن سحبت الجبهة الإسلامية البساط من تحت رجلي الائتلاف السوري. ما يعني أن واشنطن لم يعد لها أن تقرر، مع ذلك فهي تتدخل، فيتضرر الجميع من تدخلها.
فعندما وضع الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" جبهة "النصرة" في11 كانون أول2012 على لائحة الإرهاب،ساءه أن رئيس الائتلاف السوري "أحمد معاذ الخطيب"وقف مدافعا عن جبهة النصرة. وزاد طين واشنطن بلة،أن رئيس أركان الجيش الحر "سليم إدريس" أشاد بالجبهة في قتالها جيش بشار أسد وانضباطها مع الحاضنة الشعبية. وكانت النتيجة أن واشنطن أوحت من طرف خفي أنها لم تعد ترحب بمعاذ الخطيب كرئيس للائتلاف، ما اضطره إلى الاستقالة من رئاسة الائتلاف. كما تجاهلت واشنطن طلبات اللواء سليم إدريس في تسليح الجيش الحر، ما أدى إلى ضمور الوحدات التابعة له وانكماشها. ورأينا كيف أنه لم يستطع مؤخرا، الدفاع عن مكاتبه على الحدود التركية التي هاجمتها وحدات تابعة إلى "داعش"، ما أدى به للاستنجاد بالجبهة الإسلامية التي سارعت إلى صد الهجوم.
قراءة أخرى تلاحظ أن واشنطن تشدد النكير على جبهة النصرة أكثر مما تفعل مع تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام "داعش" وأميرها أبو بكر البغدادي. كان نَفْي "أبو محمد الجولاني" تبعيته لإمارة البغدادي كافيا لكي يخفف من اتهام واشنطن ل"النصرة" بالإرهاب. لكن هذا ما لم يحدث، ما جعل المراقب يعتقد أن موقف واشنطن من جبهة النصرة لا علاقة له بحربها على الإرهاب بقدر ما إن النصرة فصيل إسلامي يحظى بحاضنة شعبية سورية، الأمر الذي لا يحظى به تنظيم داعش. وهو ما يثير علامات استفهام حول هذا التنظيم.  
أحد القراءات التي يتم تداولها،أن تنظيم دولة العراق والشام "داعش" التابع للقاعدة تم اختراقه من النظام السوري منذ كان النظام يسلح جهاديين عربا ويرسلهم لقتال الأمريكيين في العراق. وهنا تحضر قصة عميل المخابرات "أبو القعقاع محمود قول اغاسي" الذي اغتيل في أيلول 2007 أمام مسجده الذي يخطب فيه الجمعة بحلب. حيث يقال إن المخابرات السورية قررت تصفيته بعد أن انكشف أمره. كان "أبو القعقاع" أحد ضباط المخابرات الذين ألبسهم "آصف شوكت" عمائم المشايخ ليجندوا مقاتلين عربا ويرسلونهم إلى العراق لقتال الأمريكيين. ويوم تم التقارب بين بشار أسد وعراق المالكي استدرج هؤلاء العرب إلى سورية وتم اعتقالهم.
استطرادا، عندما اندلعت الثورة في سورية في آذار 2011،أطلق النظام من سجونه بعض من ثبت عليهم أنهم من الجهاديين السوريين. وعندما مثلوا أمام القاضي أمر كاتبه أن يوقّع هؤلاء على إقرار أنهم اعترفوا تحت التعذيب بأنهم جهاديون. أحدهم احتج بقوله: إننا فعلا جهاديون. فقال القاضي: وقّع هذا "الحمار" أنه اعترف تحت التعذيب، وأطلِقْ سراحَه. غاية النظام كانت واضحة: أن يخرج هؤلاء من المعتقل، ثم يحملون السلاح، ليقول النظام للعالم انظروا: هؤلاء إرهابيون وليسوا سلميين.
هذه القصة ليست طرفة للتندر، لكنها حقيقة واقعة، إذ ما يزال بعض أولئك الجهاديين يقاتلون على رأس كتائب مهمة، حيث أذاقوا كتائب بشار أسد وشبيحته الموت الزؤام، وأسماء بعضهم معروفة. ومن جهة أخرى، فيوم أن اشتد عود المقاتلين أمر النظام بعض أعوانه أن ينشقوا عن الجيش ويلتحقوا بالجيش الحر، وربما انضم بعضهم إلى داعش.
من القراءات الأخرى التي تتداول على نطاق واسع، أنه لوحظ ابتعاد الطائرات السورية عن قصف المواقع التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، في وقت كانت هذه الطائرات تدك مواقع الفصائل السورية الأخرى. كما أن معظم المدن التي يديرها جنود داعش تم تحريرها من قبل فصائل أخرى غير داعش ثم استولى عليها هذا في غفلة من باقي الفصائل.
قد لا يُستغرب أن يهاجم "نوري المالكي" تنظيم داعش الذي يقوم يوميا بتفجيرات في العراق، لكنه كان لافتا للنظر أن يهاجم "المالكي" جبهة النصرة، التي تنشط في سورية، لا في العراق، حيث تقتصر على مقاتلة جيش بشار أسد، ما جعل الناس يتساءلون عن سر اهتمام المالكي بجبهة النصرة. ويزداد العجب عندما يحشد المالكي الجيش العراقي في مدن الأنبار، ثم يغض النظر عن تنظيم "داعش" حول تلك المدن التي تشكل خطرا على العراق كما يزعم المالكي.
كما لاحظ مراقبون أن اهتمام الرئيس أوباما بما يقوم به تنظيم دولة العراق والشام داعش، لم يكن على مستوى الخطر الذي تمثله في العراق، حيث كان يسقط مئات القتلى شهريا بالعراق، حيث كان يفترض أن يهتم الرئيس أوباما بالسلم في العراق، لكون واشنطن هي التي أوصلته إلى هذا المأزق. وهذا ما حدا بصحيفة واشنطن بوست الصادرة يوم الاثنين في 6 كانون ثاني الجاري أن تتهم إدارة الرئيس أوباما بإهمال العراق، ما جعل قبضة "داعش" تشتد على مدن العراق. نفس هذا الكلام يقال عن تهاون حكومة المالكي مع التفجيرات التي يسقط بها عشرات القتلى في العراق يوميا. هذا القتل لايقع في صفوف الشيعة فقط، بل في صفوف الشيعة والسنة ، ما يشير بإصبع الاتهام إلى داعش التي تزعم أنها حامية حمى أهل السنة في العراق كما يدل على ذلك اسم دولة الإسلام في العراق والشام.
ويبقى السؤال: هل هناك اتفاق من تحت الطاولة بين داعش وحكومة المالكي لغض النظر عما يحصل من قتل يومي، لأن الطرفين مستفيدان مما يحدث، لكن كل على طريقته.
ولا يبعد أن تكون واشنطن غير بعيدة عن هذا الأمر، أيضا لأسباب تخصها. 
*كاتب سوري