الرئيسة \  مشاركات  \  لماذا يقتل حسن نصرالله السوريين ؟ الخطر القادم من الشمال

لماذا يقتل حسن نصرالله السوريين ؟ الخطر القادم من الشمال

04.05.2013
د. يوحنا أبو حرب


يهز كيان المرء إلى الأعماق اهتزاز قناعة او مسلّمة رسّخها في خلده لسنين . لفترة طويلة ، وقبل اشتراكه المباشر بقتل السوريين ؛ إذا أتاك شخص وقال كلمة سيئة بحق حزب الله؛ فإنك كعربي أو كمسلم وطني مؤمن بحق أمته بالعيش الكريم المقاوم للظلم والاحتلال ؛سيهتز كيانك وترد الاهانة مدافعاً عن ذلك الحزب الذي قدّم نفسه للعرب والمسلمين والعالم كمقاوم لاسرائيل وكمحررللأرض اللبنانية .
فجاة تجد أن تلك القناعة تترنح عندما ترى أسلحة ذلك الحزب تتوجه إلى صدور السوريين .تُصدَم وتحتار وتبدأ بالبحث عن تفسير لما يحصل . يسوق لك الفاعلون حججاً لا يقدمها جبان ولا يقبلها نذل . تغوص في اعماقك باحثاً عن تفسير أوعزاء لاعتداء وقع على قناعات عقلك وعلى حكمتك التي تهتكت . تحاول استخدام كل أدوات البحث والمعرفة العقلية البحثية من ربط ومقارنة واستنتاج واستنباط واستقراء كي تفسّر ما يحدث ، فلا تُفلح ؛ وفجأة يأتيك التفسير وحل اللغز.من أين ؟ من العدو .
 لم يكن ذلك العدو إلا " بنغوريون " مؤسس الكيان الصهيوني الذي يقول عبارة ملفتة في مذكراته خلال قيام الكيان . تقول العبارة بالانكليزية : the danger on Israel comes from the NORTH"" /الخطر على إسرائيل يأتي من الشمال/ . عبارة بنغوريون هذه أزاحت الغباش وعمى الألوان والحيرة والوهم الذي عشناه لعقود وتوّجَه حزب الله بصعقنا بهذه الطريقة عندما وجّه سلاحه إلى صدور أهل سوريا.
 "الخطر على اسرائيل يأتي من الشمال"عبارة تكشف أعماق مؤسس الكيان. بالنسبة له - وهذا واقع – الشرق فيه كيان وُجد اساساً كمنطقة عازلة لحماية الكيان الصهيوني ؛ والغرب بحر يسكنه الاسطول السادس الأمريكي ؛ والجنوب حاجز طبيعي يتمثل بصحراء سينا المصرية . أما الشمال ففيه سوريا ومرتفعات جولانها التي تقض مضاجع وتهزم أي قوة ولو بإهالة الحجارة على مستعمرات الكيان ، وفيه لبنان الخاصرة السورية التي تظبط إيقاعها حسب الإرادة السورية شاءت أم أبت ؛ هكذا التاريخ.
 عام سبعة وستين زال الخطر عن الكيان بشكل استراتيجي . اصبحت تلك المرتفعات المخيفة والمُهدٍّدة للكيان بيد العدو ذاته ؛ ويعود الفضل بذلك إلى الشخص الذي زَرَعه ودَرَّجه الكيان ليكون بدايةً وزير دفاع لسوريا في ما يسمى حرب 1967 حين أعلن سقوط الجولان دون أي معركة أو حرب . لا بد وان الرجل قد كُلٍّفَ رسمياً بالمهمة التي كانت تقلق بنغوريون ؛ ولابد وان المهمة توسعت قليلاً عندما منع أي مساعدة للفلسطينيين خلال ايلول الأسود 1970 ؛ ولا بد وان المكافأة كانت استلام سوريا بالمطلق بعد ذلك بشهرين- 16 تشرين 1970-لتاتي بعد ذلك حرب تشرين (اكتوبر ) 1973 التي اعتبرها ذلك الشخص حرب تحرير متهماً مصر بأنها أرادتها حرب تحريك ؛ وحرب تشرين لم تكن حقيقة الأمر بالنسبة لسوريا حرب تحرير لأن سوريا خسرت أرضاً جديدة وأكثر من عشرين قرية ، وما كانت حتى حرب تحريك ؛ بل كانت دعائياً وإعلامياً حرب [ تعميد ] لعميلها الذي لا يحق لهأساسأ أن يكون رئيساً حسب الدستور السوري ؛ولكنه عندها نال لقب " بطل التشرينين" وصار بإمكانه رسمياً أن يوقع هدنة مع اسرائيل ؛ وتم ذلك عام 1974؛ ومنذ ذلك التاريخ لم تُطلق رصاصة واحدة تجاه الكيان الذي يحتل الأرض السورية . أي أن الجزء الأهم من الشمال الخَطٍر أضحى آمناً بالمطلق ؛ وهذا ما اراده بنغوريون .
ولكن الأمور لم تقف عند هذا الحد ؛ فالشمال ليس آمناً تماماً ، حيث أن الفلسطينيين الذين خرجوا من الأردن ، أتوا إلى لبنان - حسب اتفاقية القاهرة 1970 - ليجدوا بيئة عربية حاظنة تتوافق مع طموحاتهم في استرداد حقهم المغتَصَب تمثلت بالقوى القومية واليسارية ؛ فكان ذلك التحالف الطيّب . أما بالنسبة إلى اسرائيل فكانت عودة الخطر القادم من الشمال ؛ وكان لا بد من العودة إلى العميل المكَلَّف بتبديد الخطر إياه بعد إنجازه على الجبهة السورية. وهنا الكل يذكر الدخول السوري إلى لبنان ويذكر مذابح تل الزعتر .( بالمناسبة الحديث عن الانعزاليين أو " المسيحييين " وتنغيمهم مع اسرائيل ليس إلا تسويقا صهيونيا لاعطاء عميلهم اليد الاعلى في لبنان وتبرير أي مسلك له . مسيحيوا لبنان يعلّمون أي وطني جوهر الوطنية والمواطنة ). تذكرون حتما ما كان يجري بين حركة امل والفلسطينيين ؛ وتذكرون أيضا أن الأغلى علىقلب عميل اسرائييل في دمشق كان نبيه بري رئيس حركة أمل ؛وتذكرون أن الأكره على قلبه لم يكن إلا ياسر عرفات ؛ وبالتأكيد لا تنسون من قَتَل كمال جنبلاط وكثيرين من الحركة الوطنية الداعمة للحق الفلسطيني في المقاومة..
في نهاية السبعينيات وأول الثمانينيات ينشغل العميل بالوضع الداخلي في سوريا ويُصاب بارباك شديد ؛ فاتفاقية كامب ديفد تلوح في الافق وهو لا يستطيع توقيع اتفاق مع اسرائيل يستعيد بموجبه الجولان مثل مصر التي تستعيد سيناء . فلمن سيعيد الجولان ، ووجوده في السلطة أساساً مشروط ببقاء شمال الكيان بلا خطر. وقتها كان على اسرائيل أن تقلّع شوكها بيدها فغزت لبنان 1978 ، ثم وصلت الى بيروت عام 1982 .
عام 1982 كانت ولادة حزب الله . عبر هذا الحزب وبالتنسيق معه وضع العميل يده على لبنان بالمطلق. كثيرة هي المرات التي أراد حزب الله أن (يفتح على حسابه) بعد ذلك ؛ وكثيرة هي المرات التي كانت تتجاذبه التناقضات بين القادم الجديد إلى ساحة المنطقة { حكم ملالي إيران } بداية الثمانينيات من جانب والوكيل الحصري للمصالح الاسرائلية في لبنان العميل في دمشق .لا بد وأن سعد حداد وأنطوان لحد اللذان استخدمتهما اسرائيل في الشريط الحدودي الذي صنعته في الجنوب اللبناني قد أغاض عميل دمشق ؛ فلديه الوكالة الحصرية من اسرائيل في ردع الخطر القادم من الشمال ؛ وهناك الآن من يزاحمه ؛ فوجد ان الجهة الوحيدة القادرة على استعادة بعض مصداقيته لدى اسرائيل هي بالتحالف المطلق مع حزب الله حيث استخدمه ليعزز اوراق اعتماده لدى اسرائيل ؛ و كان لا بد لحزب الله من تطوير بعض المصداقية ؛ فكانت الارهاصات مع اسرائيل ؛ وكان ظابط الإيقاع لذلك ليس إلا العميل القابع في دمشق صاحب التوكيل الاساسي . لقد كانت الحجة كبيرة : اسرائيل تحتل جنوب لبنان . بقي الأمر كذلك إلى أن خرجت اسرائيل من الجنوب عام 2001. اسرائيل خرجت بمحض إرادتها ، والوقائع والوثائق تثبت ذلك .استمرت بعض ارهاصات إثبات الوجود من قبل حزب الله . وعندما كانت تزيد عن حدها تستعرض اسرائيل وحشيتها ؛ وتعيد لبنان سنوات إلى الوراء بشرا وحجرا.
خلال العشرة سنوات الأخيرة لم يرتمٍ حزب الله فقط في حضن ملالي إيران بالمطلق بل ارتمى نظام العمالة في دمشق باحضانهم أيضاً . حضر اللاعب الإيراني بقوة على ساحة الشرق الأوسط ؛ وكان لا بد له من يافطة للقدس ولا بد من أن يزاود على العرب اصحاب القضية ؛ وكل ذلك كان يخفي تحته علاقة غير مقدسة لايران مع الكيان الصهيوني ؛ أما حزب الله فيستمر بالقيام بالمهمة التي كان عميل دمشق قد كُلّف بها تاريخياً ؛ و ايران من جانبها تستمر بالتمدد منسققة مع الكيان الصهيوني بالمنطقة وبرعاية أمريكية وبنذالة المافيوية الروسية.وهذا ما يكمن وراء استمرار النزف والدمار في سوريا الآن.
بعد كل هذا ؛ أتريدون حزب الله ألا يستشرس في الدفاع عن شريكه ؟أتريدون من خدع العالم بأنه يقاوم إسرائيل وهو يعمل أجيرا لديها ألاّ يأتي لنجدة رب عمله ؟ وإذا كان الأجير الأصغر لدى اسرائيل موجودا وجاهز لتنفيذ الاعمال القذرة ، هل تحتاج إسرائيل أن تتدخل للدفاع عن عميلها الأساسي في دمشق وإنقاذه؟ أليس واضحاّ الآن لماذا يتدخل حزب الشيطان في سوريا ؟
السيدة زينب والقرى اللبنانية داخل سوريا في الحفظ والصون في قلوب أهل سوريا منذ قرون ؛ وما فكّر أهل سوريا يوماً بهذه المسألة . إنها حجج الكذاب الاجير .إنه أداء الواجب من قبل حزب الشيطان تجاه الخطر القادم من الشمال .
هذا الانسان السوري الذي حُرم أن يخوض أي حرب حقيقية ليستعيد حقه المغتَصَب سيصبح حراً وسيعود ليشكّل الخطر في الشمال ويستعيد حقه المغتصب بعد أن يمزق عقود العمالة وموقعيها .