الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لم أكن وطنيا

لم أكن وطنيا

19.01.2014
محمد عالم


القدس العربي
السبت 18/1/2014
أعترف لكم بأنني ً.. ولم أدع الوطنية يوماً ولم أخض في الحديث عنها إلا في مناسبات نادرة فرضت عليّ ذلك، فتحدثت بها ولم أدركها! رجاءً.. لا تطلقوا أحكامكم عليّ وعلى كثير من السوريين أمثالي قبل أن تتعرفوا على أسباب ذلك.
نحن لم نشعر بالوطنية بالمعنى الكامل؛ بل كنا نشعر فقط بكيمياء الارتباط القدري بالوطن، وبجغرافيا الانتماء الثقافي له وبفيزياء السقوط الحر على أطرافه. فكيف للمرء أن يكون وطنياً ووطنه مسلوب منه منذ النَفس الأول في الحياةن وهو مسلوب في وطنه دائماً باسم الوطن؟ لم نستطع أن نكون وطنيين من خلال الابتهاج بالأعياد الوطنية فقط، وما كنا نؤمن باختزال الوطنية في صورة الحماسة للدفاع عن الوطن عند تعرضه لخطر خارجي.
كنّا نريد أن نلامس الوطن، أن نضع رؤوسنا على صدره، أن يكفكف دمعنـــــا، أن نتحسس ملامحه، نريد معانقته من دون أن تمتد أيدينا إلى جيــــوبه، نريده أن يكبر فينا وأن نكــبر فيه.. لا أن نكبر بدونه ونحن مقصيون أو بعيدون عنه، نريده أن يحتفل بنا كما نحـــتفل نحن به، لكنهم ســـرقوا الـــــوطن وتركــــوا لنا تحية العلم.. سرقوا الوطن وتركوا لـــنا النشيد الوطني.. سرقوا الوطن وتركوا لنا مــــادة الـــتربــــية الوطنية في المدارس.. سرقــــوا الوطن وتركوا لنا الأغاني الوطنــــية.. سرقوا الوطــــن وتركوا لنا أقــــلاماً لنكتب عنه.. سرقوا الوطن وتركوا لنا الشعارات!
كيف لمن قيّدوا الوطن ضمن دائرة مصالحهم أن يجعلونا نعتدّ به وهم يمنعونه عنا ويمنعون عنه العقول ويعانقون له الذيول؟
كيف لنا أن نفاخر بالوطن وهم لم يتركوا لنا ما نفاخر به سوى ما تحققه الأقدام في الملاعب والحبال الصوتية على المنصات الفنية؟ كيف عساني أن أفتخر بجنسيتي وسفارات بلادي لا تبتسم لي إلا أيام الاستفتاءات الرئاسية؟ كيف للوطن أن يكبر وهم يكبرون على حسابه كل يوم؟ كيف لوطنيتنا أن تخرج من تراب الوطن والوطن تقتات عليه قوارض بشرية لم تترك لنا منه سوى اسمه؟
عندما نرى الوطن من الداخل تجد فينا شوقاً يتأجج للإحساس بالوطنية، وعندما نكون خارجه فإننا نستشعر معنى الوطنية بغصّة كلما رأينا أبناء هذا البلد أو ذاك وأوطانهم تحتضنهم بقوة وهم يحتضنوها، تماماً كما تستشعر المرأة المحرومة من النسل معنى الأمومة وهي تراقب الأطفال بحرقة في أحضان أمهاتهم.
أريد أن يتكّون لديّ حسّ ومسؤولية وطنية كباقي البشر.. أريد أن أكون وطنياً.. امنحوني هذا الشعور العظيم.
أريد أن أسترد وطني.