الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "لولا فسحة الحلم"

"لولا فسحة الحلم"

17.05.2015
رشا عمران



العربي الجديد
السبت 16-5-2015
قبل حوالي السنة، دعتني صديقة مصرية إلى عشاء في بيتها مع أصدقاء مثقفين مصريين، وكما العادة في وجود سوري في جلسة غير سورية، سيكون محور الحديث عن سورية وما يحصل فيها. كانت داعش في أوج ظهورها الإعلامي، وكانت محور الحديث الذي اتسع وتشعب، ليصل إلى بدايات الثورة، لم يفاجئني أن لا أرى التعاطف الذي أريده من الموجودين مع الثورة السورية، اعتدت على هذا من المثقفين العرب المؤدلجين، قوميين عرب أو يساريين، قلة منهم من كانت تضع إيديولوجيتها جانباً وترى الثورة السورية من منظور إنساني وأخلاقي، قبل أي اعتبار آخر. كان المفاجئ الجهل الكامل بمجريات الثورة السورية لدى غالبية الموجودين.
ثمّة يقين لدى معظمهم أن داعش وأشباهها هم الثورة، وأن ما حدث في سورية لا يمت للثورات الشعبية بصلة، وما هو إلا حركات جهادية تكفيرية مسلحة، تريد السيطرة على السلطة، وتطبيق مشروعها الأيديولوجي في إبادة الأقليات عبر القتل والتهجير، عدت معهم إلى مارس/آذار 2011، وكيف انطلقت الثورة منذ ما قبل درعا. قال أحدهم:  لكنها منذ تلك البدايات، تحمل التوجه الجهادي المسلح ضد الأقليات، والهدف تدمير البنية السورية، لهذا، لم يقف معها من السوريين إلا الإسلاميون، أي باختصار، هي صراع طائفي للوصول إلى السلطة، وحتى العلمانيون الذين معها يعتقدون بأحقية الغالبية المذهبية بالحكم، لهذا ساندوها.   يومها، اضطررت أن أعدد لهم أسماء كثيرين من مثقفي الأقليات ممن يعرفونهم وقفوا مع الثورة منذ اللحظة الأولى، وظلوا مساندين لها، على الرغم من كل افتراقاتها ومطبّاتها. لم يصدق غالبية الموجودين أن كل هؤلاء مع الثورة، وأن غالبيتهم من الأقليات، وبعضهم تحديداً علويون. يومها أيضاً كان من المرات القليلة التي أضطر فيها في مصر للقول إنني علوية، ومع الثورة منذ اللحظة الأولى، ليس فقط لأنها خيار غالبية الشعب السوري، بل لأن ما يرونه، الآن، من طوفان لكل أمراض المجتمع، نتيجة حتمية لعقود طويلة من القهر والاستبداد والإقصاء والفساد والمحسوبيات، وتعزيز الهويات ما قبل الوطنية والتحالفات المصلحية والإلغاء التام للمواطنة. كان واضحاً أن معلومات معظمهم كانت من الفضائيات فقط، من دون محاولة البحث عن الحقائق خارج ما يقدمه الإعلام الفضائي العربي والعالمي، والذي لعب دوراً كبيراً في تشويه صورة الثورة السورية.
يومها، خطر لي سؤال لم أجد له جواباً بعد: هل كان مثقفو الأقليات السورية وشبابها المنخرطون بالثورة على حق، برفضهم التصنيف المذهبي، وإعلانهم أنهم سوريون فقط، أم كان من المفترض التصريح بذلك دائماً، لإثبات أن الثورة هي ثورة المؤمنين بالتغيير والعدالة الاجتماعية، لا ثورة إسلامية؟ 
قبل يومين، اتصلت بي الصديقة نفسها، لتسألني: هل شاهدت حلقة الاتجاه المعاكس؟ هل ما زلت تقفين مع ثورة تطالب بقتلك لأنك علوية فقط، ألستِ خائفة من القادم؟ قلت: نعم، خائفة، لكنني الآن أشد تمسكا بالثورة، ما سمعتِه بكل تداعياته، ليس هو الثورة، هو الأثر الأشد وضوحا لعقود الخراب التي عاش السوريون في ظلها، والذي قامت الثورة ضده، على الثورة أن تكشف كل شيء، على كل القيح السوري أن يظهر للعلن. لن تشفى سورية، إن بقيت دملة واحدة متورمة ومخفية. سيصل الأمر بالسوريين إلى الحد الأقصى، بالتطرف والاحتماء بالهوية الماقبل وطنية، وسنرى أياما أشد قسوة وصعوبة، سندفع جميعا ثمن تواطئنا بالصمت عن الجريمة الكبرى بحق المجتمع السوري التي بدأت قبل عقود. قلت: كل يوم، بكل الذعر الذي أعيشه، وأنا أتابع ما يقال، أتأكد أن لا شفاء لسورية من دون القضاء على هذه المنظومة التي سحقت المجتمع السوري. بعدها، سيحتاج السوريون وقتاً ليلملموا أحزانهم ومراراتهم وخساراتهم المهولة، ثم سيعيدون ترتيب حياتهم، ويبنون بلدهم من جديد، قالت: تحلمين؟ قلت: لولا فسحة الحلم