الرئيسة \  مشاركات  \  لوْ كان (زهران علُّوش) مِن "تغلِب" ما استبيح دمه!

لوْ كان (زهران علُّوش) مِن "تغلِب" ما استبيح دمه!

05.01.2016
محمد عبد الشافي القُوصِي



عندما اغتيل القائد الشيشاني (شامل باساييف)؛ قلتُ عنه: لوْ كان باساييف من "تميم" ما انتهكتْ حرمته! وعندما اغتيل الشيخ (أحمد ياسين)؛ قلتُ: لوْ كان الشيخ/ ياسين من "عبْس" ما تجرأوا على تصفيته! وعندما اغتيل (يحيى عيَّاش)؛ قلتُ: لوْ كان عيَّاش من "ربيعة" لتحول الليلُ إلى نهار!
 وبعدما سمعتُ –مؤخراً- باغتيال قائد جيش الإسلام بسوريا (زهران علوش) بدمٍ بارد؛ صرختُ قائلاً: لوْ كان (علوش) من "تَغلِب" ما استبيح دمه على أيدي قذارة الأرض "الروس"!
* * *
أجــل؛ لوْ كان (علوش) من "تَغلِب" لاحترقت روسيا عن آخرها قبل طلوع الفجر!
نعــم؛ لوْ كان (علوش) من "تَغلِب" لاقتُلِعتْ روسيا من على ظهر الأرض!
فما أحوجنا –في هذا الزمان- إلى فتوة "بني تغلِب" وشهامتهم، كَيْ نذيب طبقات الجليد التي تراكمت على مشاعرنا منذ عقودٍ بعيدة .. منذ أن استوردنا أسلحتنا من الروس والأمريكان!
أثناء الطواف بالبيت؛ سمعتُ من يقول: اللهمَّ ارزقنا فتى كعنترة، أوْ عمرو بن كلثوم!!
فتعجبتُ من قوله؛ وزجرته قائلاً: ألاَ ترى سوى هؤلاء الجاهليين؟!
فتبسَّم، وقال: اقرأ التاريخ؛ ثمَّ اسألني!
لمَّا قرأتُ التاريخ؛ أدركتُ فحوى دعواه، وأدركتُ أنَّ هذا (الحاج) أفقه من حجَّ واعتمر!
فلوْ كان بيننا عمرو بن كلثوم (فتى بني تغلب) ما تجرأ الروس على اغتيال علوش!
لوْ كان بيننا عمرو بن كلثوم؛ ما صال وجال الروس والأمريكان في بلاد الشام!
لوْ كان بيننا عمرو بن كلثوم؛ ما حكم الأمةَ الأقزام، والخدم، والعبدان، والغلمان!
لوْ كان بيننا عمرو بن كلثوم؛ لاستردَّ حقوقنا السليبة، وأعاد لنا كرامتنا!
لوْ كان بيننا عمرو بن كلثوم؛ ما هانت حرائر الشام، والعراق، وفلسطين، وأخواتهن!
لوْ كان بيننا عمرو بن كلثوم؛ لاقتحم حصون "حيفا" و"يافا" ودكَّها على مَن فيها.
ولِمَ لا؟! فعندما كان (عمرو بن كلثوم) حياً؛ كان العرب الأُمة الوحيدة التي تُعاتِب المَلِك الجبّار بسيوفها إذا صَعَّر خدَّه للناس!
إنه منذ سبعة عشر قرناً من الزمان؛ ولاتزال سيرة (عمرو بن كلثوم) يتردد صداها في مسامع الدنيا .. وأخباره في حرب البسوس معروفة، حيث أبلى فيها بلاءً حسناً، واشتُهِر بأنه أعظم فُتّاك العرب، حتى ضُرِبَ به المثل، فقيل: أفتك من "عمرو بن كلثوم"!
لعلَّ معلقة عمرو بن كلثوم (التي بلغتْ تسعمائة بيت كما يقول ابن جِنِّي والثعالبي والجرجاني) تكشف عن مدى مبلغ العرب في الفخر بالأنساب والأحساب، ومدى فروسيتهم وشجاعتهم؛ التي لم تعرف الدنيا لها مثيلا!
* * *
(عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتَّاب التغلبي) كانت أُمه "ليلى" بنت مهلهل –الزير سالم كما أُطلِق عليه– وأخو كُلَيْب، قد نشأ في قبيلة تغلِب شمال الجزيرة العربية، وساد قومه وهو ابن خمسة عشر عاماً، وقاد الجيوش مظفراً، لم يشتهر إلاَّ بمعلقته هذه، التي قامت له مقام الشِّعر الوفير لحسن لفظها، وانسجام عباراتها!
 أمَّا عن قصة قتله للملِك عمرو بن هند –ملك الحيرة- فيروى أن هذا الملِك قد وصل به الكِبْرُ والجبروت إلى أنْ أراد إذلال العرب جميعاً، فقال لندمائه ذات يوم: هل تعلمون أحداً من العرب تأنفْ أُمه من خدمة أُمي؟ فقالوا: لا نعلم إلاَّ "ليلى بنت مهلهل". قال: ولِمَ ذلك؟ قالوا: لأنّ أباها "مهلهل بن ربيعة" وعمها "كُليب بن وائل" أعزّ العرب. وزوجها "كلثوم بن مالك بن عتَّاب" أفرس العرب. وابنها "عمرو بن كلثوم" سيد قومه. فأرسل الملِك إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويطلب أن يزير أمه .. فلما كانت أمه عند أُم الملك (وأُم المَلِك هي هند عمّة امرئ القيس الشاعر) قالت أُم الملك لها: يا ليلى ناوليني ذلك القدح. فردّت عليها: إن صاحبة الحاجة هي التي تقوم إلى حاجتها، فلما ألحَّتْ عليها؛ صاحتْ ليلى: وا ذلاّه يا تغلِب .. فسمعها ابنها عمرو بن كلثوم، فثار الدم في وجهه، فقام إلى سيف معلّق في الرواق، فضرب به رأس المَلِك. ثم قام ومن معه، فسار نحو ديار القبيلة .. وهو يقول بأعلى صوته:
أبـا هِـنْدٍ، فـلا تعجل  علينا      وأنْـظِرْنا  نُـخَبِّركَ  الـيقينا
بـأنَّا نُـوردُ الـراياتِ  بِيضاً      ونُـصدرهنّ  حُمراً قد  رَويِنا
ورِثْـنا  المجدَ، قد عِلمت مَعَدّ      نُـطاعن  دونـه حـتى يبينا
نُطاعِن  ما تراخَى الناس  عنَّا      ونضرب بالسيوف، إذا  غُشِينا
بـأىِّ مـشيئةٍ عمرو بن  هند      تـرى أنَّ نـكون  الأرْذلـينا
بـأىِّ مـشيئةٍ عمرو بن  هند      تـطيع بـنا الوُشَاةَ  وتزدرينا
تُـهدِّدنا  وتـوعِدنا،  رُوَيْـدًا      مـتى  كـنّا لأُمّـكَ  مَقْتَوِينا؟
وإنَّ قـناتنا يـا عمرو  أعيتْ      عـلى  الأعداء قبلكَ أنْ  تلينا
فهل  حُدِّثْتَ عن جُشَمِ بن  بكر      بِـنَقْضٍ في الخُطُوب  الأولينا
ورِثـنا  مجد عَلْقَمَةَ بن  سَيْفٍ      أبـاح  لنا حُصُون المجد  دينا
ورِثْـتُ  مُهَلْهِلاً، والخَيْرَ  منه      زُهَـيْراً،  نعم ذُخر  الذاخرينا
وعَـتَّـاباً وكُـلْثُوما  جـميعاً      بـهم نِـلنا تُـراث  الأكرمينا
وذا الـبُرَةِ الـذي حُدِّثْتَ عنه      به  نُحمَى، ونَحمْىِ  الْمُحْجَزِينا
ومـنّا قِـبَلةُ الـساعى  كُلَيْبٌ      فـأيّ الـمجد إلاَّ قـد  وَلـيِنا
مـتى  تُـعْقَد قَـرِينَتُنَا  بحبلٍ      تَـجُذّ  الحبل أو تَقِص  القريِنا
فـكُنَّا  الأيـمنين إذا  الـتقينا      وكـان  الأيـسرين بنو  أبينا
فـصالوا صَـولةً فيمن  يليهم      وصُـلْنا صـولة فـيمن يلينا
فـآبوا  بـالنِّهاب  وبـالسبايا      وأُبْـنا  بـالملوك  مُـصَفّدينا
إلـيكم يـا بـنى بـكرٍ  إليكم      أَلَـمَّا  تـعلموا مـنا  الـيقينا
ألَـمّا  تـعلموا مـنا  ومـنكم      كـتـائبَ يـطَّعِنَّ ويـرتمينا
نـقود الـخيل دامـية  كُلاها      إلـى  الأعـداء لاحِقَةً  بُطُونا
ورِثـناهنَّ  عـن آباء  صدقٌ      ونُـورِثـها إذا مـتنا  بـنينا
وقـد عـلِمَ القبائل غَيْرَ  فخر      إذا قُـبَـب بـأبْطَحِها  بُـنينا
بـأنّا الـعاصمون، إذا  أُطِعْنا      وأنّـا الـغارمون، إذا عُصِينا
وأنّـا الُـمنْعٍمون، إذا قَـدَرْنا      وأنّـا  الـمهلكون، إذا  أُتِـينا
وأنّـا الـحاكمون بـما  أردنا      وأنّـا  الـنازلون بحيث  شينا
وأنّـا  الـتاركون لما  سَخِطنا      وأنّـا  الآخـذون لـما  هَوِينا
وأنّـا الـطالبون، إذا  نَـقَمْنا      وأنّـا  الـضاربون إذا  اْبتُلِينا
وأنّـا  الـنازلون بـكل  ثَغْرٍ      يـخاف الـنازلون به  الْمَنُونا
ونشربُ إنْ وَرَدْنا الماء صفواً      ويـشربُ  غيرنا كَدَرًا  وطينا
ألاَ سـائل بـنى الطَّمَّاح  عنّا      ودُعْـمِيًّا فـكيف  وجـدتمونا
مـتى  نـنقل إلى قومٍ  رَحَانا      يـكونوا  في اللقاء لها  طحينا
عـلى آثـارنا بِـيضٍ حسانٍ      نـحاذِر أن تـفارق أو  تهونا
إذا  ما المَلْكُ سام الناس  خَسْفاً      أبـينا  أن نـقرّ الخسْف  فينا
ألاَ  لا يَـجْهَلَن أحـد  عـلينا      فـنجهل  فوق جهل  الجاهلينا
كـأنَّا، والـسيوف  مُـسَلَّلات      ولـدنا  الـناس طُرًّا  أجمعينا
مـلأنا الـبر حتى ضاق  عنّا      كـذاك الـبحر نـملؤه  سفينا
إذا  بـلغ الـفِطامَ لنا  رضيعٌ      تـخرُّ لـه الـجبابرُ  ساجدينا
لنا  الدنيا، ومن أضحى  عليها      ونـبطش حين نبطش  قادرينا
 
معذرةً (زهران علوش) فليس في أمتك مَن يثأر لك؛ فقد مات عمرو بن كلثوم!
معذرةً (زهران علوش) فأمتك شُلَّتْ فوارسها، ونُكِّستْ راياتها.
معذرةً (زهران علوش) فلا يوجد بواكي لك في أمتك المثخنة بالجراح!
معذرةً (زهران علوش) فأمتك الكسيرة؛ يحكمها الطلقاء والسفهاء والعملاء!
معذرةً (زهران علوش) فأمتك يقود زمامها الروس والمجوس والصهاينة!
معذرةً (علوش) فأمتك قد غرقتْ في أوحال الفكر الوهابي الظلامي والتكفيري!
معذرةً (علوش) فأمتك تمزقتْ إلى سبعين ألف فِرقة؛ كلها مضروبة بالنعال!
معذرةً (علوش) فأمتك تتسوَّل طعامها ودواءها من خصومها، وألدّ أعدائها!
* * *
لكن الأهم؛ هنيئاً لك يا (زهران علوش) بسكنى منازل الشهداء!
واعلم أنَّ "الأمَّة" ستعود حتماً؛ تصديقاً للإباء الإلهي: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ)!
وسيعود الشام أشدّ إباءً، وأكثر عزاً ورخاء، كما قال (أمير الشعراء):
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ      وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ 
جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ    وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ 
 
وسترتفع رايات الشام خفَّاقة، أو كما تمنَّى لها نزار قباني، قائلاً:
والخيل تبدأ من دمشق مسارها    وتشدـُّ للفتح الكبير ركاب!
والحب يبدأ من دمشق فأهلنـا    عبدوا الجمال وذوبوه وذابوا
والدهر يبدأ من دمشق وعندها    تبقى اللغات وتُحفظ الأنساب!
ودمشق تعطي للعروبة  شكلها    وبأرضهـا تتشكَّل الأحقابُ!