الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لو حوسب الأسد على مجازر حماة... فهل يكون جنيف؟!

لو حوسب الأسد على مجازر حماة... فهل يكون جنيف؟!

05.02.2014
د. خالد حسن هنداوي


الشرق القطرية
الاثنين 3/2/2014
في عام 1985م كنت في زيارة لألمانيا لحضور دعوة فكرية وصحبني في جولتي طالب مغربي يدرس في كلية الطب ليترجم لي ما أريد. ودخلنا مجمعا تجاريا لشراء جهاز إلكتروني وكان المكان مزدحما، فتقدم صاحبي وفقدني، ثم عاد فوجدني أنظر إلى جهاز التلفزيون مما يباع، فعجب لماذا وقفت، فقلت له: تأمل، إن المعروض على الجهاز نواعير مدينتي حماة وآثارها ولا يزال العرض مستمرا، فبادرني القول: معك حق، إنهم يعرضون كل أسبوع مشاهد مدينة تكون من أجمل أو أعرق مدن العالم. فعرفت كيف أن الأجانب أصبحوا يهتمون بالتراث والتاريخ أكثر منا ويثقفون شعوبهم، كما عززت معلوماتي عن مدينتي وربطت ذلك بما كنت قرأته عن صحيفة "دي تسابت الألمانية"، حيث نشرت بتاريخ 2/4/1982 مقالا مهما عن مجازر مدينة حماة التي اقترفها حافظ الأسد في 2/2/ 1982 تحت عنوان: مذبحة - كما في العصور الوسطى – كيف ابتلى أسد حماة بالموت والدمار، جاء فيه: قال الأسد إن ما حدث في حماة قد انتهى. وذلك تعليقا على أخطر أزمة داخلية هزت سورية منذ توليه السلطة عام 1970 فقرابة أربعة أسابيع في فبراير أغرقت حماة بالدمار والآلام من قبل قوات بلغت 11 ألف رجل (مدرعات ومدفعية وطائرات ومظليون وقوات حماية النظام الخاصة)... لقد انتهت فترة القتل والنهب والحرق التي تذكر بالقرون الوسطى وسكتت المدافع وغدت المدينة أنقاضا ورمادا.
إن مدينة حماة التي ذكرت في الإنجيل في الوصايا القديمة وتقع على نهر العاصي، هي واحدة من أقدم مدن العالم (يقال إن الرب قد خلقها وهي الوحيدة التي تعرف عليها بعد عودته إلى الأرض نظرا لأنها لم تتغير) لكن لم تعد الآن موجودة. لقد توقفت النواعير الأسطورية التي كانت منذ قرون تملأ القناطر ومستودعات المياه ولم يبق منها ومن متاحفها ذات الماضي البابلي والآشوري والسليماني إلا بقايا تعيسة ويلجأ الملحقون العسكريون الغربيون إلى انطباعات وأسماء من الحرب العالمية الثانية لتصور أبعاد الدمار الذي حل بالمدينة أسماء وانطباعات عن مثل "برلين 1945 وستالينغراد"..... وعلى حد وصف تاجر مسيحي سوري منكوب: لقد أصبحت كما لو أن جنكيز خان مر بها ومن بقي على قيد الحياة فيها كأنما هو في ناحية من جهنم اسمها حماة... ثم تفصل الصحيفة في ذكر مآس تشيب لهولها الولدان.. يوافق يوم الأحد أمس ذكرى هذه المجازر الرهيبة التي راح ضحيتَها سبعة وأربعون ألفا من أهلها على ما وثقه شيخ الحقوقيين القانوني الدكتور هيثم المالح، حيث بدأت المذابح في 2/2/1982 وانتهت في 27/2 أي مدة ثمانية وعشرين يوما لشهر كامل ومن أراد التفصيل الكثير فليرجع إلى عدة كتب، أهمها: حماة مأساة العصر، وحماة بأقلام محبيها. ومجزرة حماة في الصحافة العالمية، حيث تحدث الصحفيون - وكلهم أجانب - عن أنها أكبر مجزرة في العصر الحديث على ما وصف أحد الخبراء السوفيت، حيث ذكرت صحيفة النوفيلاوبزرفاتور الفرنسية بتاريخ 30 أبريل 1982 أن حافظ ورفعت الأسد غزوا مدينة حماة بمثل ما استعاد السوفيت والأمريكان برلين، أقول: ولا غرو فإن رفعت صرح في 6/1 – 1980 أن ستالين قضى على عشرة ملايين إنسان في سبيل الشيوعية ولابد للأمة إذا أرادت أن تعيش أن تعتمد على رجل متعصب وحزب ونظرية متعصبة! وكذلك نشرت صحيفة لوماتان الفرنسية في عددها 1606 بتاريخ 24 أبريل 1982 بعنوان: في سورية: الإرهابي رقم واحد هو الدولة! حيث تحدثت عن ثمانين ألف معتقل نتيجة العنف والإرهاب السياسي اللذين أصبحا هما العملة الرائجة في هذه الدولة. وكذلك ما نقلته مجلة الفيزد الفرنسية في عدد مايو 1982 عن دبلوماسي غربي وصل إلى دمشق، أن ما حدث في حماة هو "فرصوفيا" أخرى كما حدث في الحرب العالمية الثانية. ولكن القصة الحقيقية هي أن الحكومة لم تسمح للصحافة بدخول المدينة إلا بعد أشهر وأحكم الأسد التعتيم الإعلامي على كل ما جرى، كما ذكرت مجلة الإيكونومست في عددها الصادر مارس 1982 تحت عنوان أهوال حماة بما لا يخطر على بال، إلا أن جريدة ليبراسيون الفرنسية ذكرت على لسان الصحفي شارل بوبت وهو فرنسي استطاع أن يدخل إلى حماة أثناء الأحداث بحيلة ذكية كسائح، أنه قدم شهادة حية نشرت في 1 مارس 1982 ذكر فيها فظائع وشنائع غريبة ومخيفة من تدمير وقتل وعويل العوائل وهدم وتفجير للمساجد والكنائس... وإن الذي شاهد فيلم قناة الجزيرة الوثائقي منذ أشهر قليلة قد رأى بعض ذلك. لكن الذي يهمنا التعليق عليه في هذا المقال هو أن التركيبة البنيوية الطائفية لحافظ الأسد ثم بشار من بعده، حيث وصاه بها أبوه وأمه، إن أراد أن يبقى على كرسي الحكم كخبير مجربِ، قوة الطغيان، إذ هي البوصلة الوحيدة التي تتحكم في سياستهما أخذا من فعل اليهود الذين لم يدخلوا بلدا عبر التاريخ إلا أفسدوه وهدموه وحرقوه ولذا فقد سقنا عشرات الشهادات عن هؤلاء الصهاينة تؤيد أن بشار كأبيه محبوب لديهم، لأنه يحافظ على الجولان هادئا ولم يزعجهم ولو بذبابة وليس برصاصة ودبابة، لأن كل الجحيم يجب أن يصب على الشعب الثائر الذي لا يقبل بأسياد يهود على حكام خدام عبيد. وقد نشرت دراسة إسرائيلية الجمعة الماضية، رأى فيها المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" -عاموس هرئيل – أن إسرائيل لا تدعو للإطاحة بالأسد وطبعا فهذا ما يتوافق مع رأي روسيا وإيران وأتباعها وربما أمريكا في الحقيقة لا في الظاهر المعلن، وذلك بعد تعاظم قوة الإسلاميين من المعارضة المسلحة في سورية التي ستسعى عاجلا أو آجلا لاستهداف المصالح الإسرائيلية. ورأت إسرائيل استمرار الحرب كيف تستنزف تلك المعارضة وهكذا فإن الأسد وعصابته لا يفكرون إلا بالطغيان، لأن هذا طبعهم وهم مقتنعون أنهم به سيبقون ويبقى المشروع الإيراني معهم. ولا غرو، فإن حافظ الأسد هو الوحيد من بين الدول العربية التي ناصرت إيران في حربها مع العراق وإيران اليوم تدافع عن مشروعها وهذا يعني أن ما قاله جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني بأن المعارضة لا تستطيع إسقاط الأسد إنما يعني استمرار دعمه اللامتناهي له حتى لو دمرت البلاد ولعلمه أنه يحتفظ بكيميائي فائض مخبأ فإن هؤلاء أصحاب تقية كما يتعاطون حول برنامجهم النووي، إلا أننا نؤكد: لو أن ما يسمى بالمجتمع الدولي أجرى المحاسبة على مجازر حماة في عهد الأسد الأب لما تمكن الابن من مثلها وأشد في جميع سورية وأن القانون الدولي ليفرض ذلك، لأن حقوق الناس الذين أبيدوا لا تموت بموتهم كما في المادة الثانية من مضمون الاتفاقية الدولية لمنع الجريمة والإبادة الجماعية، فلابد من المحاكمة ولابد للأمم المتحدة اليوم بعد تقصيرها أن تنصف مدينة حماة وتعمل على تعجيل انعقاد محكمة الجنايات الدولية لمحاسبة الأسد على جميع جرائمه الحربية في سورية، لأن من أمن العقوبة أساء الأدب وهو لم يكتف بحرق البلاد والعباد بالبراميل المتفجرة، بل أثر على دول الجوار، كلبنان والعراق وكأن الشيعة ومن يؤيدهم أوصياء على الآخرين، فأين مصلحة الوطن كما يزعمون! وما أشبه الليلة بالبارحة، فلو عوقب اللانظام السوري على ممارساته الإجرامية لتحققت هذه المصلحة ولما تشجع الأسد أن يذبح دجاجة واحدة فدونها رأسه.
ولكن ما عسانا نفعل وقد رمانا العالم جله عن قوس واحدة إرضاء للصهاينة والروس والمجوس ومصالحهم الغالية، إلا التوكل على الله، مع العمل بشعار (ما لنا غيرك يا الله)، والتصميم والإرادة الفولاذية التي ستفشل مؤامراتهم وتظهر أنهم هم الإرهابيون الحقيقيون الكبار، حيث لا إرهاب في الدنيا يوازي إرهابهم، وحينها لن يكون قتل ولا جنيف.