الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ليس على حزب الله حرج

ليس على حزب الله حرج

23.02.2015
أوّاب المصري



الشرق القطرية
الاحد 22-2-2015
يمكن القول إن سياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية التي دعت إليها الحكومة اللبنانية باتت أقرب إلى نكتة سمجة لا تجد من يضحك عليها. فتدخل بعض اللبنانيين بهذه الأزمة والانعكاس السلبي الذي أدى إليه لم يدفعهم للاتعاظ والتراجع، بل على العكس، تجدهم يزدادون عناداً وغياً ومكابرة على أنفسهم وعلى اللبنانيين. آخر حلقات هذه المكابرة، الدعوة التي وجهها السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في إطلالته الأخيرة للبنانيين إلى اللحاق بحزبه والذهاب إلى سوريا والعراق والمشاركة في الحروب الدائرة في هذين البلدين. نصر الله دعا اللبنانيين كذلك للذهاب إلى أي مكان يوجد فيه ما يهدد "أمتنا ومنطقتنا"، لأنه –ومازال الكلام لنصر الله- هكذا يكون الدفاع عن لبنان وعن شعب لبنان، وهكذا تتصرف القوى الكبرى والدول المحترمة والجيوش القوية في العالم.
إشارة سريعة يجب عدم إهمالها، وهي أن نصر الله يدرك أكثر من غيره أن لبنان ليس دولة كبرى ولا محترمة، وأن جيشه ليس قوياً، ولو كانت الدولة اللبنانية بالعظمة والقوة والاحترام الذي يصفه لما غضّت الطرف عن تنقل آلاف المقاتلين عبر الحدود والمشاركة في حروب دولة أخرى، ولما كانت شرّعت السلاح لفريق من اللبنانيين دون غيرهم. ولو كان جيش لبنان قوياً لما وجد نصر الله ذريعة لاستمرار احتفاظ حزبه بالسلاح بداعي أن الجيش اللبناني لا يملك القدرة لحماية لبنان.
ما يستدعي التوقف في كلام نصر الله هو الجزء الأول من كلامه، الذي تضمن دعوة للبنانيين للمشاركة للغرق في وحول سوريا، وأي مكان آخر موحل في العالم. فالنجاح الباهر الذي سجله حزب الله في المشاركة بقتل الشعب السوري شجعه لإشراك اللبنانيين في إنجازاته وبطولاته، وهو أمر اعتاده اللبنانيون من نصر الله بإشراكهم (أو قل توريطهم) في الحروب التي يرسمها لنفسه.
أعود إلى دعوة السيد نصر الله، لكنني قبل ذلك سأعود بمواقفه خطوة خطوة إلى الوراء. فقبل دعوته اللبنانيين لمصاحبته في سوريا والعراق كان قد أعلن صراحة فخره واعتزازه بمشاركة حزبه في القتال في سوريا لمواجهة من يصفهم بالتكفيريين، الذين يقول إنهم لا يقلون خطراً عن العدو الإسرائيلي. وإذا واصلنا رجوعنا إلى الوراء، نجد أن مشاركة حزب الله في قتل الشعب السوري سبقت دخول من يصفهم الحزب بالتكفيريين على خط الثورة السورية. حينذاك لم تكن ذريعة التكفيريين صالحة للاستخدام، فتم اعتماد ذريعة أخرى، تقوم على أن تدخل حزب الله يهدف لحماية مقام السيدة زينب بدمشق من أي اعتداء قد يطاله خلال المواجهات المسلحة. ذريعة الحزب كانت منطقية بالنسبة لمناصريه، بعدما اقتربت المواجهات من دمشق، لكن قبل ذلك، وفي الوقت الذي كانت المواجهات تقتصر على الأطراف والأرياف، كذلك كانت ذريعة حزب الله جاهزة، وهي السعي لحماية اللبنانيين الذين يقطنون في بعض المناطق والقرى السورية.
الذرائع المتدحرجة التي قدمها حزب الله في الشأن السوري شهد اللبنانيون شبيهاً لها عندما أراد تبرير احتكاره لحمل السلاح دون بقية اللبنانيين. في البداية كانت الذريعة مقبولة بل مطلوبة وواجبة، وهي المقاومة لتحرير الأراضي التي يحتلها العدو الإسرائيلي جنوب لبنان. ما لم يكن مقبولاً ولا منطقياً هو حرمان بقية اللبنانيين من الاشتراك في نيل شرف تحرير أرضهم. لكن بعد انسحاب الاحتلال من جنوب لبنان عام 2000، وانتهاء صلاحية ذريعة دحر الاحتلال، كان لابد من تقديم ذريعة جديدة لتبرير حزب الله للاحتفاظ بسلاحه، فكان المخرج بعنوان جديد وهو أن المقاومة مستمرة حتى تحرير آخر أسير لبناني من سجون الاحتلال، لأننا قوم "لا نترك أسرانا في السجون"، المفاجأة كانت أن إسرائيل أفرجت لاحقاً عن جميع الأسرى مما جعل الوضع محرجاً، لكن ليس على حزب الله حرج، فتم ابتكار ذريعة جديدة، وهي أن الاحتفاظ بالسلاح يهدف لحماية لبنان من أي اعتداء "قد" تقدم عليه إسرائيل. لم يُطرح الأمر للنقاش لا على طاولة مجلس الوزراء ولا على طاولة مجلس النواب، ولا حتى على طاولات لعب الورق والنرد في المقاهي. الأمر محسوم بعدما أقره مجلس شورى حزب الله، السلاح خط أحمر، وهو باقٍ باقٍ باقٍ، ولو لم يبقَ من وظيفة له، حتى ولو استدعى ذلك توجيهه إلى صدور اللبنانيين كما حصل في مايو 2008.
لم تعد مشكلة اللبنانيين بعدم اقتناعهم بالذرائع التي يقدمها حزب الله، بل بتعدد هذه الذرائع وتنوّعها، وتبدّلها بين مرحلة وأخرى، فلا يكاد اللبنانيون يحفظون ذريعة حتى يبتكر الحزب ذريعة جديدة تنسخ التي سبقتها.