الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ليس للعفريني إلا... الزيت

ليس للعفريني إلا... الزيت

27.01.2018
ماهر الجنيدي


الحياة
الخميس 25/1/2018
بعدما أطلقت الولايات المتحدة الأميركية تصريحات في شأن إنشاء قوة عسكرية قوامها ثلاثون ألف مقاتل، غالبيتهم العظمى أكراد، للمرابضة على الحدود الشمالية والشرقية السورية، انبرى وزير الخارجي التركي مولود جاويش أوغلو، قبيل دخول قوات بلاده إلى الأراضي السورية، ليقول في تصريح لا يخلو من بعض السينيكية وبعض حسّ الدعابة: سورية دولة ذات سيادة، لذلك تواصلنا مع إيران وروسيا للتنسيق في شأن دخول عفرين.
جاء هذا في خضم تصريحات عدة من كافة الأطراف المنخرطة في أزمة شمال حلب باستثناء النظام السوري نفسه، الذي أجّل تصريحاته إلى ما بعد دخول القوات التركية تلك الأراضي، حين نفى إبلاغه بأي معلومات مسبقة عن التحركات العسكرية التركية، بعدما قال البنتاغون والتحالف الدولي إن عفرين لا تقع ضمن المجال الحيوي لعملياته.
وفي غمرة التصريحات والتصريحات المضادة، يبدو بناء موقف سوري من الحدث مسألة مفخخة، يحيط بجوانبها الكثير من الخطوط الحمر وحقول الألغام. حتى عبارات التضامن المقتضبة مع أهالي عفرين ومأساتهم قد تصبح محلّ تساؤل وتشكيك يتناول النوايا، إلا ما اقتصر منها على جملة "متضامن مع عفرين" الفقيرة، حمّالة الأوجه.
وتزدحم في هذا الظرف سحابة داكنة ملأى بالأسئلة السوداء حيال عفرين... كبد حلب!
هل يمكـــن الطلب من قوات حماية الشعب الـــخروج من عفرين؟ ولكن، كيف يمكن أن تطلب ذلك من دون أن يفهم منك أــــنك تودّ تقديم المدينة لقمة سائغة لقوات الغزو التركية، أو حتى لجيش النظام الذي قد يسبقها بمعونة الروس؟ وكيف يمكن أن تشـــرح أنّ أحد همومك، بل أبرزها على الإطـــلاق، هو الحفاظ على حياة ومعيشة أهـــــل عفرين، أهلنا، الذين تتهددهم كارثة أشــبه بكارثة حلب الشرقية أو حتى كركوك؟
هل يمكن الطلب من قوات حماية الشعب الصمود في عفرين؟ ولكن، كيف يمكن أن تشرح أن أحد همومك هو أن لا تتفاقم توجّهات تقاسم "جسد سورية المريض" إقليمياً بعدما تمّ تقاسمها دولياً؟ وكيف يمكن أن تشرح أنك لا تقدّم هدية مجانيةً لقوات حماية الشعب، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، التي لم تعمل فقط على بناء سلطة استبداد وقمع جائر في عفرين ضد الأكراد أنفسهم والقوى الكردية أساساً، بل ساهمت إسهاماً دؤوباً ونشطاً في سقوط مدينة حلب أواخر 2016، خصوصاً أن هذه القوات كانت تشكّل فكّاً من فكّي الكماشة اللذين أطبقا على معبر الكاستيلو الحلبيّ؟
هل يمكن أن تقول إن هذه المعركة لا تعنيني؟ ولكن، كيف يمكنك النأي بالنفس وحالة عفرين ستكون على الأغلب، إذا نجحت تركيا، نموذجاً قد تحتذي به دول الجوار، على كامل مدار الخريطة السورية المهشّمة أصلاً، فتقضم الأراضي واحدة تلو الأخرى. وكيف يمكنك ذلك، وتغمض عينيك عن معاناة أهالينا في عفرين التي ستتفاقم بشراً وشجراً وحجراً، إنسانياً ومعيشياً وعمرانياً؟
هل يمكن أن تقول إنك ضد ما يُجرى؟ ولكن، كيف يمكنك أن تشيح بوجهك عمّا يحصل وأنت ترى المهجرين من أهالي تل رفعت وجوارها يتهيّأون لمغادرة بقايا خيامهم التي اقتلعتها عواصف الشتاء، استعداداً للعودة إلى قراهم ومنازلهم التي اقتلعتهم منها قوات الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي؟
وإذ يبدو من الصعب مع هذا المعطيات تحديد موقف مرسل حيال العمليات التركية، فإن من الصعب أيضاً وضع هذه العمليات في سياق سياسي محدّد متعلق بمجريات المفاوضات التي كانت دائرة في جنيف، والتي يشكّ بعودتها مجدداً، أو في سياق تفاهم إيراني روسي على صيغة جديدة لإدارة مرحلة انتقالية ما في سورية.
ولعل السؤال الأبرز الذي يطرح في هذه النقطة هو: كيف سيتصرف النظام السوري؟ هل سيكتفي بنفيه تلقّي أية معلومات مسبقة عن التحركات العسكرية التركية؟ ألن يمارس هوايته في خلط الأوراق، مهما كانت الأوراق التي يمتلكها قليلة وضعيفة؟ ألن يشترط، مثلاً، في دورة جنيف المقبلة إذا ما كتب لها الانعقاد، أن يعلن الطرف الآخر، أي "المعارضة" والهيئة العليا للمفاوضات، إدانته الغزو التركي للأراضي السورية؟ ليتحوّل السؤال إلى صيغة جديدة: كيف استعدّت قوى المعارضة السورية لهذا المأزق؟ وماذا تنوي أن تفعل بعدما تبيّن بجلاء أن الأولوية الأولى والأخيرة للحليف التركيّ المفترض ليست سورية على الإطلاق؟
أسوة بالروس الذين استفادوا من سياق انفتاح الفضاء السوري، ومن الأرض السورية الصالحة، لنقل معاركهم من الشيشان إليها، يأتي دخول أردوغان كمحاولة لتأمين الداخل التركي، من خلال نقل معاركه مع الأوجلانيين إلى الأراضي السورية.
لا تبدو للسوريين عموماً، عرباً وكرداً، في الشمال السوري أو أي منطقة أخرى، أيّ مصلحة في المعركة الدائرة في عفرين، مهما كانت النتائج التي تتمخّض عنها مبدئياً، إذ يبدو أن المآل الذي ينتظر بلد الزيت والزيتون مع هذه المعارك القذرة هو أن يتحول إلى ورقة تفاوض ومساومة بين المنتصر والنظام، سواء قدمها أردوغان أو أوجلان. ومن يدري؟ فلربّما تثبت سينيكية أيام الدم والخراب المقبلة على أهلنا العفرينيين أنّ معركة الأردوغانيين مع الأوجلانيين هي على ما سيسلّم عفرين مستقبلاً للنظام.
وفيما يرى فقهاء القانون الدولي أنّ عدم تقديم دولة عضو في الأمم المتحدة شكوى لدى أحد أجهزة المنظمة الدولية، في شأن دخول قوات دولة أخرى أراضيها من دون موافقة علنية منها، هو اتفاق غير معلن أو نوع من القبول الضمني بهذا التدخل، تحتار البوصلة وتضيق ذات اليد، وتبقى المشاعر الإنسانية المؤشر الذي يدفعك لتقول: متضامن مع أهلنا في عفرين... دمنا من زيت عفرين، وليس للعفريني إلا الزيت!
* كاتب سوري