الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ليس هناك شيء اسمه "ماما ميركل"

ليس هناك شيء اسمه "ماما ميركل"

19.11.2018
حسام ميرو


سوريا تي في
الاحد 18/11/2018
قال ماك باتلز، وهو مخبر سابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية، وصاحب شركة أمنية خاصة، إنه بسبب الفوضى التي حلّت في العراق، تحوّلت شركته الأمنية الصغيرة والمغمورة إلى شركة كبيرة، حقّقت أرباحاً تقارب مئة مليون دولار في فترة قصيرة، من خلال العقود التي أبرمتها في العراق، ولقد اعتبرت نعومي كلاين في كتابها "عقيدة الصدمة" أن كلام مايك باتلز يصلح شعاراً للرأسمالية المعاصرة، حيث أن "الخوف والفوضى هما محفزان لكل قفزة جديدة إلى الأمام".
الاستثمار في الخوف والفوضى ليس حدثاً عشوائياً، بل إنه مسار له منظروه، وقد اعتمدت الرأسمالية الجديدة، أو ما يطلق عليه "النيوليبرالية"، هذا الأسلوب في التعاطي مع الأزمات
إن حركة الرأسمالية، وتطورها، وتجاوزها لأزماتها البنيوية، ليست أمراً محصوراً في نطاق الدول الصناعية الكبرى، بل هي حركة كونية، لا تستثني الدول الطرفية في العالم، بل إن هذه الدول الطرفية هي أحد الحلول المهمة لأزمات الرأسمالية، ومن هنا فإن الديكتاتوريات هي جزء لا يتجزأ من منظومة خدمات العالم الرأسمالي، وهو ما يفسر، بحسب كثيرين، إخفاء ثلاثين ألفاً من الناشطين اليساريين في الأرجنتين، على يد الجنرال فيديلا، بعد انقلابه الدموي في عام 1976، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتدخل صندوق النقد الدولي، وصولاً إلى إفلاس الأرجنتين في عام 2001.
وفي سياق الاستثمار الرأسمالي للأزمات العالمية، فإن الكارثة السورية ليست استثناءً، بل هي واحدة من أوضح الحالات على الاستثمار الرأسمالي، متعدد الأوجه في الأزمات، فإذا ما أخذنا بعض الأرقام الدالة على حجم الكارثة، فإن الصورة ستبدو أكثر وضوحاً، ليس في جانبها الاقتصادي-المالي، بل أيضاً في جانبها السياسي، فالكارثة السورية، وفّرت لعدد من الدول الكبرى مناخاً استثمارياً مباشراً وغير مباشر، ومنها بالطبع سوق السلاح، حيث عادت منطقة الشرق الأوسط لتخوض من جديد في السباق نحو المزيد من امتلاك السلاح المتطور، فعدا عن الأسلحة الروسية التي غذّت جزءاً كبيراً من الصراع السوري، هناك الشركات الأمريكية والفرنسية والبريطانية التي عادت بقوة لبيع أسلحتها في أسواق الشرق الأوسط، وتحديداً لدول الخليج، حيث أبرمت في السنوات القليلة الماضية عشرات الصفقات، وصلت إلى مئات المليارات من الدولارات، من طائرات، وسفن حربية، وصواريخ، وطائرات، وغيرها من الأسلحة.
تشير مختلف الدراسات الاقتصادية حول سوريا إلى خسائر تتراوح بين 300 و400 مليار دولار في البنى التحتية، وهناك حرب شرسة تدور في كواليس السياسة العالمية حول حصة الدول من إعادة الإعمار، والتي ستقوم بها شركات عالمية، ستضمن لها نطاقاً لأعمالها لسنوات وسنوات، وتشمل قطاعات مختلفة، من مثل قطاع البناء، والصحة، والخدمات، والنقل، والغذاء، وهو ما سيعني بطبيعة الحال أن سوريا ستصبح بلداً يعيش على المنح والمديونيات للبنوك الدولية.
كانت ألمانيا، بقيادة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أكبر المرحبين باللاجئين، حتى إن اللاجئين أطلقوا عليها لقب "ماما ميركل"، تعبيراً عن امتنانهم لسياسة الترحيب باللاجئين
أما ما هو مسكوت عنه بشكل فاضح فهو ملف اللجوء السوري، بل إن ثمة تعاطياً انفعالياً شعبوياً مع هذا الملف، ففي عام 2015، فتحت الأبواب على مصراعيها لعبور ملايين السوريين الهاربين من جحيم الصراع، وقد كانت ألمانيا، بقيادة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أكبر المرحبين باللاجئين، حتى إن اللاجئين أطلقوا عليها لقب "ماما ميركل"، تعبيراً عن امتنانهم لسياسة الترحيب باللاجئين، في الوقت الذي أغلقت معظم الدول العربية أبوابها أمام السوريين.
ومن بين الدراسات العديدة حول حاجة الدول الصناعية الكبرى لأعداد كبيرة من العمالة الأجنبية، فإن معهد برلين للدراسات السكانية والتنمية، أشار في دراسته للسوق الألمانية، وحاجتها للأيدي العاملة، في ظل تراجع نسبة المواليد، وارتفاع نسبة الشيخوخة، إلى أن السوق الألمانية بحاجة إلى ما يقارب مئة ألف وافد جديد إلى سوق العمل سنوياً، وقد شكّل السوريون خزاناً بشرياً مهماً لسوق العمل، لبلد يعدّ الأول أوربياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي، والرابع عالمياً
إن الكارثة السورية، ومن دون أية مبالغة، تعدّ فرصة كبيرة للآلة الرأسمالية الألمانية، فالتنوع الكبير بين اللاجئين، من حيث المهارات والكفاءات، سيساعد على سدّ احتياجات كبيرة في قطاعات تشهد تراجعاً في إقبال الألمان عليها، كما أن الكفاءات التعليمية، والتي صُرف على تعليمها رقم مهول، يصعب تقديره، من أموال السوريين، ستكون جاهزة، من خلال عمليات التأهيل، على الانخراط في سوق العمل، وهو ما يعني بلغة الأرقام أن كل ما صرف على تعليم السوريين اللاجئين (خلال تعلمهم في سوريا) قد وضع تحت يد الآلة الصناعية الرأسمالية.
فالرأسمالية ليست جمعيات خيرية تعنى بحقوق الإنسان، بل شركات ربحية، تستثمر كل شيء، بما في ذلك آلام الشعوب وكوارثها، حيث يشكل الخوف والفوضى بيئة خصبة لاستثمار طويل الأمد
لا تعرف الرأسمالية، وشركاتها الكبرى، والحكومات الحامية لمصالحها، أي نهج خيري، فالرأسمالية ليست جمعيات خيرية تعنى بحقوق الإنسان، بل شركات ربحية، تستثمر كل شيء، بما في ذلك آلام الشعوب وكوارثها، حيث يشكل الخوف والفوضى بيئة خصبة لاستثمار طويل الأمد، ولا بأس إنْ تمّ تغليف ذلك الاستثمار ببعض مساحيق التجميل، لجعله يبدو إنسانياً على نحوٍ ما.