الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مآلات التدخل التركي ضد داعش

مآلات التدخل التركي ضد داعش

09.08.2015
د. محمد مصطفى علوش



الشرق القطرية
السبت 8/8/2015
جملة من التطورات على الحدود التركية السورية بدأت برسم ملامح المرحلة المقبلة من المشهد السياسي والعسكري في سوريا والعراق، لعل أبرز هذه التطورات ما أعلنه وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو يوم الخميس الفائت تعقيباً على وصول الطائرات الأمريكية المخصصة لمحاربة داعش إلى قاعدة إنجيرليك التركية من أن تركيا ستبدأ مع واشنطن خلال فترة قريبة مكافحة شاملة ضد داعش، مؤكداً أن الأراضي المحررة من داعش ستتحول بشكل أوتوماتيكي إلى مناطق آمنة، حيث تجد المعارضة السورية المعتدلة مكانًا لها كما ستوفر ملاذاً آمناً يسمح للراغبين من اللاجئين في العودة إلى بلادهم.
التطور الإستراتيجي آنف الذكر تبعته متغيرات ميدانية على الأرض تمثلت بإعلان السلطات التركية في ولاية شانلي أورفة، جنوب شرقي البلاد، إقامة 3 مناطق "أمنية عسكرية مؤقتة"، في قضاء أقجة قلعة على الحدود مع سوريا. تزامناً مع بدء إخلاء جبهة النصرة النقاط التي تسيطر عليها على الحدود السورية – التركية لكتائب الثوار، بعد إعلان أنقرة رفضها أي تواجد للنصرة على الحدود السورية التركية، وذلك ضمن المشروع الذي أعلنت عنه مسبقاً والمتعلق بتشكيل منطقة آمنة في الشمال السوري تمتد من عفرين إلى أعزاز إلى جرابلس، على مسافة 140 كيلو متراً طولاً، وبعمق 50 كيلو متراً.
قرار الحرب الذي شرعت في تنفيذه أنقرة، تُرجم بتعيين مجلس الشورى العسكري التركي القائد السابق للقوات البرية الجنرال خلوصي أكار رئيساً لأركان الجيش خلفاً لنجدت أوزال الذي أحيل على التقاعد. والجنرال صالح زكي شولاك، الذي يرتبط بعلاقة جيدة مع واشنطن، قائداً للقوات البرية.
طبعاً التفاهم التركي الأمريكي الذي احتاج لشهور طويلة من المفاوضات بين الجانبين قبل أن يبدأ تطبيقه على الأرض لا يعكس تطابقاً تاماً بين الرؤيتين الأمريكية والتركية حول المسألة السورية وكيفية حلها، فالولايات المتحدة لم تعد مهتمة كثيراً بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وترتكز إستراتيجيتها على مواجهة تنظيم داعش والحيلولة دون تمدده إلى مناطق جديدة في حين ينصب الجهد التركي على النمو الكردي المسلح في سوريا وهو خطر إستراتيجي أكثر منه آني كما هو الحال مع تنظيم داعش، فضلاً عن إصرار أنقرة على إدراج النظام السوري على لائحة المستهدفين من الحملة العسكرية الدولية.
التدخل التركي في المواجهة ضد داعش سيحقق أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب. فمن شأن التدخل التركي أن يقطع الاتصال الجغرافي للمناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش مع الأراضي التركية، وهو ما سيتعبه تجفيف منابع التجنيد القادم من الخارج والذي يعبر الأراضي التركية للالتحاق بالتنظيم في كل من العراق وسوريا، فضلا عن الحد من تجارة المحروقات داخل السوق السوداء التركية والتي تدر أرباحا وفيرة للتنظيم في حربه. ثم إن قرب قاعدة انجرليك التركية من مسرح الأحداث في سوريا والعراق يمنح الطائرات الحربية تحليق ساعات طويلة في إطار المراقبة ورصد أهدافها بدقة واستهدافها بأسرع وقت ممكن.
ثم إن التأثير التركي على بعض العشائر العربية والتركمانية في كل من سوريا وتركيا قد يساعد في تأليب هؤلاء على داعش، لكن تركيا في المقابل لا تريد أن تقدم خدمات مجانية للآخرين وإن كان انخراطها في الحرب أضحى مطلبا لأمنها القومي، فهي تسعى بجدية إلى الاستفادة القصوى من هذا التحول، فهي تأمل من خلال انخراطها في الحرب على الإرهاب أن تفقد القوى الكردية في المنطقة مكانتها في التحالف الدولي للإرهاب وتحديدا شراكتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة في حربها، لاسيَّما وأن الأكراد لعبوا دوراً كبيرا في سحق داعش في عين العرب كوباني بعد أن تلقوا دعما واضحاً من واشنطن.
بهذه الخطوة المأمولة تركياً، يفترض أن تخف النزعة القومية التركية التي ترجمت انتعاشها القومي والهوياتي بالتصويت المكثف لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي مما حقق فوزا ساحقا للأكراد لأول مرة في تاريخ تركيا. هذا المسعى التركي ليس رغبة في الحد من التطلعات الكردية أو رغبة دائمة بالخصومة والانتقام منه وإنما قلقا من ميل كردي متنامٍ في بناء كيان مستقل له في سوريا قد يتمدد لاحقا إلى مناطق أخرى في تركيا والعراق.
كما تأمل ألا تكون منطقة العمليات التي تنوي إقامتها داخل سوريا خالية من تنظيم الدولة، أو القوات الكردية فحسب، وإنما من قوات النظام، لاسيَّما تلك المتمركزة في بعض مناطق ريف حلب الشمالي والجنوبي.