الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مآلات الثورة السورية..!!

مآلات الثورة السورية..!!

25.02.2014
د. عبدالله القفاري


الرياض
الاثنين 24/2/2014
    يعتذر الأخضر الابراهيمي الموفد والوسيط الأممي للشعب السوري عن مآل المفاوضات بين وفد ائتلاف الثورة السورية، وبين وفد النظام، وتختبئ الادارة الامريكية تحت تصريحات لا تعني سوى بقاء سورية في مربع الهدم والدم.
وتظل الممانعة الروسية على أشدها وهي تزهو بقدراتها الجديدة ونفوذها المتنامي.. حتى لتبدو سورية مجرد حطام يتربع عليه نظام يجيد المراوغة واللعب على كل الاوراق طالما بقي له ضوء للمضي في هذه اللعبة القاتلة.
قد يخطئ اليوم من يعتقد ان هناك خلافا امريكيا - روسيا حول المسألة السورية. لازال البعض يعيش تداعيات الحرب الباردة. لم يعد هناك اتحاد سوفياتي، ولكن روسيا قومية اتحادية تتوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر تفاهمات لا تعوزها الأدلة اليوم.
يقف على الطرف الآخر الأعضاء الأقوى في الاتحاد الاوروبي يعانون العجز والمشكلات الاقتصادية والخلافات الواضحة، التي تعطل أي مشروع يمكن ان ينقذ ما يمكن انقاذه من سورية بعد مضي ثلاث سنوات على ابشع كارثة انسانية في القرن الحادي والعشرين.
كان مخطط النظام منذ الأيام الاولى للثورة، وقبل ان يظهر أي مسلح يواجه آلة القتل التي اعتمدها النظام في مواجهة المتظاهرين.. أن ينقل الحالة من ثورة سلمية تطلب الحرية وتستعجل انقشاع غمة نظام جثم على صدور السوريين لخمسة عقود أسوة بما حدث في مصر وتونس وليبيا إلى معركة بين النظام والارهاب.
حرك النظام أدواته لصناعة الارهاب وجر منظمات وتكوينات القاعدة وسواها من بر العراق ومن سواه إلى أطراف سورية، حتى اصبحت شريكا رئيسيا في معركة لم يجد من الصعوبة أن يقنع الغرب برمته أنه يقاتل الارهاب والتكفيريين الذين تدفقوا على سورية.
لقد أحال المشهد من حالة ثورة شعبية سلمية إلى مؤامرة كبرى تستهدف سورية ومصالح الغرب.. أداتها ومستقبلها جماعات التطرف والارهاب والقاعدة التي تثير الرعب وتجعل الانتصار لحق الانسان بالحرية في هذه المنطقة مؤجلا ومعطلا بل ومن غير المفكر فيه!!
ولم تهدر القاعدة وتنظيماتها الفرصة من خلال إعلان نفسها ومشروعها في سورية، ومتى؟ في أكثر مراحل المواجهة خطورة، ليتحول مشهد الصراع من صراع شعب ثائر مع نظام جائر.. إلى حالة شعب يائس يدفع الثمن الأكبر وهو رهين محبسين: محبس النظام القاتل، ومحبس داعش، التي أعلنت دولتها على محافظة نائية وصغيرة، وأصحبت اليوم تقاتل الجيش الحر وجبهة النصرة وغيرهما من تنظيمات، الشقاق بينها أكبر من الوفاق، ما جعل النظام السوري وحلفاءه يواصلون مخطط التدمير والتهجير والقتل الجماعي..
كان مخططا شيطانيا من نظام أدرك انه لن يقوى على مواجهة شعب ثائر لا يملك سوى صوته ليعلن احتجاجه ورفضه.. ليجر سورية لصراع دام عنوانه اليوم الارهاب الذي اقلق اوروبا وامريكا ولم تكن روسيا بعيدة عن صناعة هذا المشهد منذ الأيام الاولى للثورة السورية
لقد أصبحت القاعدة وداعش وسواهما ومن يتمثل خطهما ونهجهما عدوا لشعوب المنطقة.. إنها الخطر الاكبر الذي يحول دون صناعة مجتمعات قابلة للحياة بكل تعدديتها واطيافها.
لقد انحسر مد الثورة الشعبية منذ ان بدأت طلائعها تظهر على شاشات التلفزة، لتنفذ في مواطنين منهكين شرعها في خضم حرب طاحنة اكتفت فيها بدوليتها في الرقة المحررة من عبء النظام لتقع في حضن القهر الداعشي. النظام السوري وحليفه الايراني وحزب الله اللبناني هم الاكثر سعادة بهذا المشهد. لمَ لا؟ وقد اصبحت المعادل الآخر لقهر النظام ووحشيته واستبداده!!
الجيش الحر يعاني حالة تفكك، ليس آخرها رفض الاستجابة لقرار إقالة قائده، الائتلاف المعارض لا يملك سلطة على تنظيمات تشكل قوام هذا الجيش. وهذه مشكلة كبيرة وإعاقة أكبر امام قدرات هذه التنظيمات على توحيد صفوفها في مواجهة هجمات النظام الشرسة، ناهيك عن تحرير سورية. وبينما كشف مسار المعارك في سورية عن ان الجهاديين الاسلاميين الاكثر تأثيرا في مواجهة النظام، إلا أن الاقتتال اليوم الذي يدور بين تلك التنظيمات وتنازع المعارضة وصراعات داعش والنصرة والجيش الحر.. جعل المأزق كبيرا أمام امكانية توحيد فصائل سيأتي عليها النظام وحلفاؤه تدريجيا، وهو الذي بات يحقق عبر استراتيجية الارض المحروقة والمحاصرة ما لم يحققه خلال العامين الماضيين من عمر المواجهة. ولم يعد الغرب اليوم يستنكر مشاركة ايران وحزب الله في تدمير سورية، وكلاهما يحارب بنفس طائفي لا يمكن تجاهله.. مهما حاولا أن يحجبا أهدافهما الطائفية..
السؤال اليوم: إلى أين سيؤول هذا الصراع في سورية، هل المنتظر ان يعزز النظام مواقعه عبر عملية تطهير واسعة تطال أكبر تكوين للشعب السوري يتعرض اليوم لأكبر عملية ترويع وقتل وتهجير وتجويع.. هل يمكن الركون إلى الادارة الامريكية في ادارة هذا الصراع وهي التي لم تخلف في عهد اوباما سوى الشك الكبير وعدم الثقة والتراجع المذل عن كل وعودها التي شجعت الثورة السورية منذ الأيام الاولى، ولكنها عملت على تصفيتها في المراحل اللاحقة؟!
حلف نظام الاسد - ايران – حزب الله اذا قدر له ان يستمر بقوة ويفرض الأمر الواقع، فهذه ستكون كارثة على الشعب السوري بعد تلك التضحيات الكبرى، وعلى دول المنطقة التي تدرك اطماع ايران وخططها التوسعية في فرض هيمنتها ونفوذها، فهي تحاصر الجزيرة العربية اليوم من الجنوب عبر الحوثية المتنامية القدرة، والتي اصحبت تفرض نفسها رقما صعبا في المعادلة اليمنية، وهي اليوم تسعى للسيطرة على العراق وسورية ولبنان لتكتمل حلقة الحصار الكبير.
المعركة في سورية اليوم يجب ان تكون لحلفاء الثورة السورية وداعميها معركة حياة أو موت. يجب ان تتغير استراتيجية المواجهة، من الركون لتعهدات الادارة الامريكية، التي لم تتحقق في أية مرحلة.. إلى بناء استراتيجية مواجهة مختلفة وبالتعاون مع تركيا الشريك الأقرب لدول المنطقة من منظور الصراع القائم والمتفاقم في المنطقة. كما أن عزل القوى والتنظيمات الاسلامية بالمطلق لن يكون في صالح الصراع مع النظام السوري، وباستثناء داعش، يمكن الاعتماد على طيف واسع من هذه التنظيمات في بناء تكتلات فاعلة يدرك النظامان السوري والايراني أنها الاكثر قدرة على التضحية والصمود.. بل وفي تغيير ميزان القوى اذا ما تحقق لها سلاح نوعي، وقيادة متماسكة.
اذا ما استقر الوضع في سورية لنظام الأسد وايران فستكون هذه كارثة كبرى، ومواجهتها ستكون اكثر كلفة. العودة لبناء منظومة عسكرية مزودة بسلاح نوعي بكل الطرق ومن خلال استراتيجية تحالفات اقليمية غير قابلة للإجهاض تبقى الورقة الوحيدة لدول المنطقة التي ترى الخطر الماثل اليوم امام عينيها.
لم تنفذ ادارة اوباما وعودها.. وتركت للروس وبالتفاهم معهم ادارة الصراع .. هناك مساحة كافية لمناورة تجعل الولايات المتحدة تدرك أن مصالح دول المنطقة وشعوبها لن تكون رهن المساومات وأن المأساة السورية لا يمكن أن تستمر.. وإلا فستكون النتائج أعظم وأفدح وأخطر.