الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مآلات الحرب على حلب

مآلات الحرب على حلب

04.05.2016
عيسى الشعيبي


الغد الاردنية
الثلاثاء 3/5/2016
ثلاثة مبادئ وضعها الجنرال والمفكر العسكري الألماني فون كلاوفيتز، أوائل القرن التاسع عشر، في كتابه الشهير "فن الحرب"، ما تزال معتمدة حتى اليوم. أولها، أن الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى. وثانيها، أن هدف الحرب هو أن تملي على عدوك تنفيذ إرادتك. وثالثها، أن الحرب أمر خطير جداً، لا يجب تركه بين أيدي الجنرالات.
ولعل المبدأ الأخير، الذي ستركز عليه هذه المطالعة، هو ما درجت الدول الديمقراطية بالعمل على هديه، حيث يتقلد الرئيس المنتخب منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويصبح صاحب الكلمة الأخيرة في قرار الحرب، بالتشاور مع مساعديه وقادة أركان جيشه، مما يشير فعلا إلى تحاشي ترك أمر الحرب للعسكر.
يغري هذا المبدأ، الذي طرحه كلاوفيتز، أبو الفكر الاستراتيجي في العصر الحديث، من ليست لديهم خلفية عسكرية، وليسوا بخبراء استراتيجيين، بالإدلاء بدلوهم في بئر الحرب الموصوفة كأسوأ ما أنتجه العقل البشري، ومن ثم وضع تقدير موقف أولي إزاء التطورات الجارية في الحرب الدائرة على حلب.
والحق أن ما يحدث في المدينة السورية الأهم بعد العاصمة، هو مقتلة أكثر من كونه حرباً، خاصة أن وقائع الأسبوعين الأخيرين تؤكد أن القصف الجوي لم يصب مقاتلاً واحداً، أو موقعاً حربياً محدداً، وإنما حقق تدميرا للمرافق المدنية؛ نقاط إسعاف ودفاع مدني وأبنية سكنية. والقتل هو غير القتال بالضرورة الموضوعية.
لكن السؤال هو: ماذا بعد هذه الحملة السورية الروسية الجارية تحت شعار الحرب على الإرهاب؟ هل هي لإحكام الحصار على حلب، وبعد ذلك اقتحامها؛ أم هي إنفاذ لمبدأ كلاوفيتز القاضي بجعل عدوك ينفذ إرادتك مرغماً؛ أم أنها لتحسين الموقف التفاوضي للنظام الذي بات يقف على ساقين صناعيتين، الأولى إيرانية والثانية روسية؟
في سؤال الاقتحام، نعلم أن أفضل نصيحة سبق لموسكو أن قدمتها للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، أثناء الحرب مع إيران، كانت تجنب اقتحام المدن. ونعلم أيضاً أن الأرتال الإسرائيلية الغازية لبيروت العام 1982، وقفت على أبواب العاصمة اللبنانية نحو ثلاثة أشهر، إدراكاً منها لاستحالة احتلال مدينة تتراصف على شوارعها كتل أبنية شاهقة ومتلاصقة.
أما فيما يتعلق بمسألة الحصار، فإن من المرجح أن يعجز الجيش الأسدي المتهالك، ومعه المليشيات الإيرانية ذات اللون المذهبي الفاقع، عن إحكام الطوق على مدينة تبلغ مساحتها، مع الضواحي والأرياف، نحو 18 ألف كيلومتر مربع، أو ما يساوي (لتقريب الصورة) ثلاثة أضعاف الضفة الغربية، وخمسين ضعفا لقطاع غزة.
ويبقى السؤال الأكثر أهمية: هل يمكن للقصف الجوي تغيير الوضع على الأرض، بتوفير الإسناد الناري لمليشيات غالبيتها أجنبية، لتتقدم داخل غابة من الكتل العمرانية، المزروعة بعشرات آلاف المقاتلين، المتمرسين في حرب الشوارع، والمتأهبين في المداخل والأنفاق والمخارج، أي تلك المصائد التي يحفظها الحلبيون عن ظهر قلب، وذلك لتحقيق ما عجزت عنه أعتى الجيوش النظامية في حروب المدن؟
نقول ذلك وفي الذاكرة الحية إخفاق جيش الأسد المنهك في اقتحام حي جوبر أو داريا، لنحو ثلاث سنوات متواصلة، وتراجع حزب الله عن اقتحام الزبداني بعد اكتشافه أن قهر نحو 1300 مقاتل محاصر يكلفه نحو خمسة آلاف مهاجم، هم نخبة ما لديه من قوة تبحث عن الطريق إلى القدس، تارة عبر حمص وطوراً عبر مضايا، تلك البلدة المجوّعة التي قوضت سمعة الحزب المقاوم، وتحولت إلى لعنة تطارده.
بكلام آخر، حلب ليست بلدة القصير الزراعية الحدودية، التي كانت أعلى بيوتها المتفرقة ترتفع لطابقين على الأكثر؛ تلك البلدة التي هجّر حزب الله سكانها، ورفع الراية السوداء على مئذنتها. كما أن مصير مدينة سيف الدولة الحمداني عكس بلدات القلمون الغربي، لا يخص الثورة السورية وحدها. فهناك قوى إقليمية وازنة تدرك سلفاً أن سيطرة إيران ومليشياتها الطائفية على درة البلاد الشامية، أمر ينبغي منعه.
وعليه، فإن من المرجح أن تفشل محاولة حصار حلب، ومن الأرجح أكثر أن تستعصي هذه المدينة على أي محاولة لاقتحامها. فمنذ بدأ الحديث عن معركة حلب الوشيكة، تم تحصين وتسليح وتذخير وتموين المدينة جيدا، استباقاً لأسوأ السيناريوهات المحتملة، الأمر الذي سيجعل منها محرقة للغزاة الإيرانيين، ويطوّب معركتها كملحمة صمود مجيدة.