الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مآلات العملية الجوية الروسية

مآلات العملية الجوية الروسية

28.10.2015
عيسى الشعيبي



الغد الاردنية
الثلاثاء 25/10/2015
بعد انقضاء نحو شهر على بدء الحملة الجوية الروسية ضد "داعش" وسائر المنظمات الإرهابية، وفق تعريفات الكرملين المتطابقة مع تصنيفات دمشق (كل مسلح هو إرهابي)، تبدو الصورة أوضح مما كانت عليه، وأكثر قابلية للفهم، وأيسر لإجراء المقاربات البعيدة عن الانفعالات والمبالغات الإعلامية، التي واكبت انطلاق "عاصفة السوخوي" في السماء السورية، ومنحت قوات الأسد جرعة دفع معنوية.
فقد بات واضحاً الآن، أن الجهد الجوي الروسي موجه ضد المعارضة المسلحة أكثر بكثير مما هو ضد "داعش"، وأن الهدف المبدئي لهذه الحملة هو وقف الانهيار المتسارع لما تبقى من جيش الأسد، وأن الانخراط الإيراني الواسع في مجرى الحرب الطويلة، قد فشل في إنقاذ النظام المهزوم من مصيره المحتوم، الأمر الذي استدعى هذا التدخل الروسي العاجل، بطلب ملح من طهران، وفق بعض مصادر المعلومات المستقلة.
غير أن ما بات أكثر وضوحاً، وأشد أهمية مما ذكر آنفاً، أن لدى روسيا ما يكفي من القوة والإرادة لإطالة عمر النظام المتهالك، لاسيما في حدود "سورية المفيدة"، إلا أنه ليس لدى الدولة الكبرى التي فرضت نفسها كلاعب أول في الأزمة، ما يكفي من الموارد والقوة والوقت، لإلحاق الهزيمة بالمعارضة المسلحة، التي امتصت الضربة الأولى بسرعة، وتكيفت مع الوضع المستجد في السماء السورية، المزدحمة بكل أجناس الطائرات الحربية الحديثة.
كان مقدراً لموجات القصف الجوي الهائلة، وما أتت به من قدرات تدميرية، وأسلحة غير مجربة، أن تحدث ما يوازي حالة الصدمة والرعب التي أسفرت عنها الضربات الجوية الأميركية في العراق العام 2003، وأن تدفع بالمعارضة السورية المسلحة إلى الانهيار، على غرار ما حدث للجيش العراقي في حينه، أو على أقل تقدير، انتزاع زمام المبادرة من أيدي المعارضة، ومن ثم حملها على الانتقال من حالة الهجوم إلى طور الدفاع الكيفي المتراجع، لفرض حقائق ميدانية، تفضي بالضرورة إلى حقائق سياسية جديدة.
ويبدو أنه كان لدى القيادة الروسية جملة من الرهانات المتفائلة، القائمة على افتراضات ضعيفة، لم يتم التحقق منها جيدا، أساسها أن لدى الجيش السوري المتآكل، قدراً مدخرا من القوة الذاتية، وبقية باقية من الروح القتالية، يمكن تفعيلهما تحت غطاء جوي متفوق، بدليل أنه أعقب الحملة الجوية الواسعة، فتح خمس جبهات عسكرية متزامنة، لم يكن أي منها موجها ضد مناطق سيطرة "داعش" في شمالي شرق سورية.
وبعيداً عن "البروباغندا" والانتصارات التلفزيونية، يمكن القول بموضوعية، إن المشهد الحربي في الأسبوع الرابع للحملة الروسية، يكاد يخلو من إنجازات يعتد بها، أو مكاسب تكتيكية مثيرة، تليق بالجهد الحربي الخارق لدولة كبيرة. كما لم يحدث الفارق النوعي المثير للانطباعات، مما أنتج حالة استعصاء عسكري جديدة، وأفضى إلى إجراء مراجعات صامتة، تجلت في زيارة الأسد السرية لموسكو، وما تبعها من اتصالات دبلوماسية روسية حثيثة، بحثاً عن مخارج سياسية، تدرأ مخاطر إطالة أمد الحرب إلى أجل غير مسمى.
بكلام آخر، نحن اليوم أمام مشهد مختلف عما كان عليه قبل شهر، بل ومتغير يوما بعد يوم، لغير صالح الفرضيات الروسية، المبنية على أساس قصير المدى (مدته أربعة أشهر) يبدأ بتحقيق المفاجأة الاستراتيجية، ويفرض حقائق جديدة، وأمرا واقعا، يحول دون استدراج موسكو إلى معارك استنزاف طويلة، تعيد إلى الذاكرة كوابيس الحرب الأفغانية.
ولما كان لكل حرب منطقها، حيث تخرج مجرياتها، دائما، عما هو مخطط له في غرفة العمليات، دخل صاروخ "تاو" المضاد للمدرعات، لتأدية المفاجأة التكتيكية غير المحسوبة، وإحداث سلسلة من المجازر للدبابات السورية. كما تصاعدت المخاوف إزاء إدخال صاروخ "ستنغر" أو مثيله إلى الحلبة، إذا ما قررت واشنطن إدارة الحرب بالوكالة، تحت يافطة "أهلا بكم في أفغانستان جديدة".
وهكذا، تبدو موسكو في عجلة من أمرها، تملؤها الآن، رغم المكابرة، هواجس نصب كمين لها، يقلب ميزان القوى، ويقلب معه الطاولة، باعتبار أن ثوار سورية أفضل تسليحا ومراسا مما كان عليه "المجاهدون" الأفغان لدى دخول الاتحاد السوفيتي تلك المصيدة، وأن لديهم الدافعية لمواصلة القتال، طالما أن عندهم ما يكفي من القوة البشرية والإمدادات، خصوصا حين يتبين لموسكو أن مواصلة الاحتفاظ بالأسد يتطلب كلفة كبيرة لا يستحقها.