الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مآلات فشل الثورة السورية

مآلات فشل الثورة السورية

01.03.2014
عبدالرحمن الخطيب


الحياة
الخميس 27/2/2014
لا مشاحة في القول أن المجتمع الدولي برمته قد خذل الشعب السوري، إلا من رحم ربي. وأضحت سورية أرضاً للصراع الدولي والإقليمي من وراء ستار. واستنقاع حالة الحرب راقَ للغرب الذي يستبطن نزعة ذرائعية ترمي إلى إصباغ صيغة جديدة للفوضى الخلاقة. عقد رضائي بينه وبين روسيا وإيران ابتداء، فتطفق الأخيرة إلى استجلاب واستدعاء شيعتها إلى الداخل حسوماً، ليخوضوا مع الخائضين.
بعد فشل مؤتمرات جنيف اكتملت الصورة. إذ أضحت سورية أرض البازار المفتوحة للبائعين من تجار السلاح وللمشترين من دول النفط العربية والفارسية، ووصلت الأمور إلى حال مستنقعية مثيرة للحيرة في تشظي الجيش الحر بعد إقالة سليم إدريس، والحرب الطاحنة بين بعض الكتائب الإسلامية ودولة العراق، وهو ما نتج منه بعض التقهقر والانكفاء العسكري لمصلحة النظام في بعض الجبهات. إن مسألة المؤامرة على إجهاض الثورة اتضحت معالمها بعد أن تداخلت أهداف مفاوضات جنيف في البعد (الزمكاني). ووراء الأكمة ما وراءها، تنطوي على مؤامرة لجهة مقترنة بحصة الحاضرين من الكعكة، لتصب في الآخر في مصلحة النظام وشيعته، ولا نتيجة مرتجاة. فالبيتان الأبيض والأحمر ثنائي النقيضين، ديدنهما الكذب والنفاق. السمة الأساسية لهما فرض الهيمنة والتأطير لبقاء النظام. يتعللون في موقف تبريري وذارئعي يتمحور بأن هناك قضايا شائكة. شيوع طرح جنيف له دلالات تشير إلى الضغط على المعارضة، للقبول ببقاء النظام. يقولون: مفاصلة سياسية على بيدر السلطة، وتدوير الزوايا؛ عبارات استفزازية واستعراضية ومواقف عبثية وسعي إلى الحؤول دون إسقاط النظام.
الآن يجب التفكير في: ماذا لو أن النظام - لا قدر الله - انتصر؟ وما نتائج وانعكاسات هذا الانتصار على مستوى الشعب في الداخل وعلى المستويين الإقليمي والدولي؟
أهم ما يمكن الحديث عنه من سمات النظام هو الصبغة الإجرامية لديه، واستسهال قتل المعارضين، ممزوجةً بنزعة عقابية وانتقامية طائفية حاقدة. وهذا ما لمسناه فيمن سلموا أنفسهم من بعض أحياء حمص. ولهذا السبب وغيره فإن النظام - وبعد أن يتأكد أنه قد سحق الثورة وأعاد الناس إلى بيوتهم ومنافيهم وسجونهم - سينتقل من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، لإعادة تشكيل المجتمع السوري بالطريقة التي تؤمّن دوام نظامه إلى الأبد. بل يمكن الجزم بأن إجهاض الثورة سيؤدي إلى إبادة جماعية لأهل السنّة في معظم المحافظات. ومع صمت المجتمع الدولي أو اكتفائه بالتنديد والشجب اللذين لا يأبه لهما النظام - مثلما لمسنا في القرار الأخير في الأمم المتحدة الذي استجدى النظام كسرة خبز للمحاصرين - فإن هذا سيؤدي إلى استمراء عملية المجازر الجماعية التي لم نشهدها ولا حتى في أي مجزرة ارتكبها النظام خلال الثورة. لذلك فإن مقولة: "سيخرج النظام ضعيفاً حتى لو انتصر" مقولة مجانبة للصواب، لأن صراعه أساساً ليس مع أي قوة خارجية، وهو ليس بوارد المواجهة مع أي طرف إقليمي أو دولي، إنما مواجهته مع الشعب وقد خرج منتصراً، والمنتصر لا يكون ضعيفاً.
ثم إن المسألة طائفية، وهي حاضرة بقوة، حتى لو حاول بعضهم الضحك على أنفسهم بأن النظام ليس طائفياً، فالتجييش الطائفي الغرائزي ركن أساس من سياسة النظام، وأي سوري يحاول أن يتجاهل دور المسألة الطائفية وتوظيف النظام لها فسيبتعد كثيراً عن الواقع، لأن الأحداث الواقعة أكدت أن النظام نجح نجاحاً كبيراً في استثمار هذه المسألة الطائفية، وهو ما أدى إلى تحريك النعرة الطائفية لدى الشيعة في العالم برمته، ودخولهم إلى سورية برسم راية حماية الأماكن المقدسة، وهذا ما مكّن النظام من فرض سطوته وتطعيم قواته العسكرية بعشرات الآلاف من المرتزقة الشيعة من دول العالم كافة، ومنحهم الهُوية السورية، لتغيير التركيبة المذهبية للمجتمع السوري.
ثمة أمر آخر - ربما يكون غائباً عن بعض - وهو أن العصابات المسلحة من المدنيين التي آزرت جيش النظام خلال الثورة سيكافئهم النظام بإطلاق أيديهم من خلال استباحة كل شيء، وسيحاول النظام تحقيق أهداف عدة، أهمها: ترويع الناس وإخافتهم وإذلالهم عبر مداهمة البيوت والاعتقالات والنهب والسرقة، فالنهب والسرقة سيكونان الحافز القوي الذي يقدمه النظام لهؤلاء الشبيحة الذين هم في الأساس لصوص ومهربون. وستترافق هذه المداهمات بعمليات اغتصاب ممنهجة للنساء في أوساط السنّة، بقصد الإذلال وإيصالهم إلى حال من الإحباط واليأس. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الممارسات حدثت منذ بداية الثورة، ولكن الفرق أنها الآن ليست معممة ولا ممنهجة، فهي تحدث في ظل المعركة، أما مستقبلاً فستحدث، فالنظام وأعوانه مطمئنون بأن لا خوف عليهم ولا حساب في محاكم دولية، طالما أن المجتمع الدولي أعاد شرعية النظام كاملة إليه.
الحقيقة التي يجب الصدع بها أن أكثر من سيتأثر سلباً من فشل الثورة هم دول الخليج وتركيا ولبنان، إذ سيترسخ حينها الحلف العقدي المذهبي الرباعي، بقيادة إيران وعضوية العراق وسورية ولبنان الذي يعرف بالهلال الشيعي. ومن هنا يمكن القول: إن إرهاصات سلبيات إجهاض الثورة بدأت تلوح من خلال خروج بعض الغوغاء الطائفيين في مظاهرات في بعض دول الخليج وتركيا، وتحرك الحوثيين في اليمن، وانتشار حزب الله العسكري في لبنان، وإبادة أهل السنّة في الرمادي.
في حال فشل الثورة سيبقى اللاجئون في الخارج، إذ يقدر عددهم الآن بنحو ثلاثة ملايين لاجئ. وسيزداد هذا الرقم، آخذين في الاعتبار أن معظم الناس لن تصمد أمام وحشية النظام بعد أن تستتب له الأمور، وسيفرون أيضاً إلى الخارج مع عائلاتهم، خوفاً من أن يبطش بها النظام. وسيلجأ النظام إلى الانتقام، ليس من المعارضين الذين لم يحملوا سلاحاً فحسب، بل سيلتفت إلى من كان صامتاً على الحياد، وإلى الأطراف التي اضطر إلى تقديم التنازلات لها، والانتقام منها بما يتناسب وطبيعته الكارهة لهذه التنازلات ومفهومه عنها بصفتها إرغاماً وإذلالاً له، مثل الأكراد وشيوخ العشائر الذين اضطر النظام إلى أن يُرشي بعضهم، في مقابل تعهدهم له بالتأثير في عشائرهم ومنعها من المشاركة في الثورة. وبعض التجار الدمشقيين والحلبيين الذين غض النظام الطرف عن تجاوزاتهم الاقتصادية المخالفة خلال الثورة.