الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مأزق سياسة "الخط الأحمر"

مأزق سياسة "الخط الأحمر"

16.05.2013
جيفري جولدبرج

جيفري جولدبيرج
الاتحاد
الخميس 16 /5/2013
ليس الديكتاتور السوري الأسد هو الوحيد الذي يتخطى «الخطوط الحمراء» هذه الأيام، فأوباما أيضاً تجاوز بعض الخطوط. وفيما يلي ثلاثة منها:
1- لقد تخطى أوباما خطاً أحمر عبر تأكيده أصلاً على وجود «خط أحمر» فشل لاحقاً في التعامل معه على أنه كذلك. وقد بات الآن واضحاً بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة، مثل بريطانيا وبعض الدول الإقليمية، أن نظام الأسد استعمل كميات صغيرة من الأسلحة الكيماوية ضد خصومه. ويبدو من المحتمل أن النظام فعل ذلك جزئياً من أجل اختبار رد فعل الغرب. ولكن حتى الآن، لم يصدر عن الغرب أي رد فعل جدي، بما يبرر وضعه في الحسبان.
2- تخطى أوباما أيضاً خطاً أحمر ثانياً عبر إثارة خوف الحلفاء بتردده وعدم حسمه. فالولايات المتحدة ما زالت هي أعظم قوة في العالم، وأصدقاؤها يلجأون إليها بحثاً عن الزعامة. ولذلك، فإن السعودية، والأردن، وتركيا، ودولاً إقليمية أخرى، بل حتى بريطانيا وقوى أوروبية، لا تفهم تردد أوباما في الانخراط بشكل أعمق في الأزمة السورية (ولدعاة الانعزالية والانكماش أقول إن الانخراط لا يعني بالضرورة تدخلاً عسكرياً). ومنذ أكثر من عام ونصف العام يدفع الحلفاء في اتجاه أن يوفر أوباما للمعارضة السورية أسلحة وتدريبات، ولكن البيت الأبيض ما زال غير مستعد للقيام بذلك.
3- كما تجاوز أوباما خطاً أحمر آخر عندما لم يكبح الاعتداء الإيراني في سوريا (ولبنان). فالإيرانيون هم أهم حلفاء النظام السوري. وقد اتخذ أوباما موقفاً حازماً من إيران، وأكثر صرامة من أي رئيس أميركي منذ أن جلبت الثورة رجال دين متشددين إلى السلطة في عام 1979. ومع ذلك، فعندما سنحت الفرصة في بداية الانتفاضة السورية لكبح القوة الإيرانية عبر دعم القوات المعارضة للأسد -قبل أن يرى الإسلاميون المتشددون فرصة للهيمنة على المعارضة- رد أوباما على ذلك على نحو متردد وغير حاسم. ومن المفترض أن الإيرانيين يقومون باستنتاجات بشأن استعداد أوباما لمواجهتهم، ولكنها ليست الاستنتاجات التي يرغب في أن يخرجوا بها.
والحقيقة أن أوباما لا يواجه اليوم خيارات جيدة في سوريا. وقد كانت أمامه خيارات أفضل قبل عام ونصف العام. فسوريا، في بداية الانتفاضة، قدمت للإدارة الأميركية فرصة فريدة، ذلك أنه في مصر، لم يكن في مصلحة الأمن القومي الأميركي رؤية مبارك يرحل، ولكن رحيله كان ينسجم مع قيمنا. أما في سوريا، فإن إسقاط الأسد سيكون منسجماً مع قيمنا ومصالحنا معاً. والواقع أنه حتى اليوم يمكن لجهد تقوده الولايات المتحدة، ولا يتطلب جنوداً على الأرض، أن يجعل تكلفة دعم الأسد بالنسبة لإيران باهظة على نحو غير مقبول. ولكن هذه الحسابات لا يبدو أنها مفهومة في البيت الأبيض.
والسؤال الذي يُطرح اليوم هو: الآن وقد تخطت الحكومة السورية خط الأسلحة الكيماوية الأحمر، وأشرفت على قتل 80 ألف إنسان بدون أن يثير ذلك رداً أميركياً كبيراً، فهل هناك أي شيء يستطيع الأسد فعله ويجعل أوباما يتدخل بشكل أكثر قوة وصرامة؟
يقول أوباما للصحفيين: «عندما تطلق أعمال الغضب، يصبح من الصعب جداً إعادة الأمور إلى نصابها». ولكن ما لا يقوله هذا التصريح هو أن تدخلاً أميركياً، في وقت مبكر، كان يمكن أن يبقي على أعمال الغضب هذه مكبوحة. أما اليوم وقد أطلقت من عقالها، فإن وقف القتل في سوريا أضحى صعباً على نحو يكاد يكون مستحيلاً.