الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مأساة أفريقيا الوسطى

مأساة أفريقيا الوسطى

20.02.2014
لو موند


الحياة
الاربعاء 19/2/2014
الجيش الفرنسي في أفريقيا الوسطى في وضع لا يحسد عليه. فالأزمة تتفاقم والمجازر تتكاثر وهو مقيد اليدين، بالغ الضعف، إذ إن عدد قواته المنتشرة هناك منخفض. هذا الجيش هو اليوم شاهد على ما ثبت أنه، من غير لبس، عمليات تطهير إتني تستهدف المسلمين. وهو شاهد لا يسعه أن يحرك ساكناً.
وفرنسا متهمة بالوقوف موقف المتفرج وقد يتهم جنودها بالتواطؤ مع القتلة. لكن باريس ترفض التشبيه بين حوادث أفريقيا الوسطى ورواندا في 1994. فيومها لم يسع الجنود الفرنسيين التدخل لوقف المجازر المنظمة. فالإبادة أعدها النظام الرواندي. لكن حوادث بانغي، عاصمة أفريقيا الوسطى، مختلفة. ولم يسبق أن دربت فرنسا المسؤولين عن أعمال القتل، على ما كانت الحال في كيغالي.
والتدخل الفرنسي في 5 كانون الأول (ديسمبر) 2013 كان في محله، إذ سعى إلى وقف أعمال العنف التي تنفذها ميليشيا "السيليكا" إثر إحكامها القبضة على السلطة في آذار (مارس) الماضي. ولم يرغب أي بلد غربي في التدخل في أفريقيا الوسطى للحؤول دون تحولها حيز اضطرابات مترامي الأطراف مساحته أكبر من مساحة فرنسا ويتاخم حدود دول غير مستقرة مثل تشاد والسودان وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديموقراطية. وفي غياب دعم الحلفاء الأوروبيين، وجدت فرنسا نفسها في مرمى النيران. فشركاؤها الأوروبيون يشيحون نظرهم عن الأزمة ويتجاهلونها عوض إرسال مئات الجنود إلى بانغي.
بعد شهرين على التدخل الفرنسي في أفريقيا الوسطى، بدا أن عدد القوات الفرنسية البالغ 1600 جندي غير كاف لضبط الأزمة. وإثر نجاح حملة التدخل في مالي، حسبت باريس أنها تشن "حملة إرساء استقرار قصيرة الأمد" في بلد تعرفه من كثب وأدت فيه دوراً راجحاً منذ استقلاله في 1960، وعوّلت على دعم القوات الأفريقية. ومثل هذا التعويل خطوة إيجابية، لكنه يفتقر إلى الواقعية العملانية في ميدان الاضطرابات. ونجم عن هذه الاستراتيجية إسهام التدخل الفرنسي في قلب موازين القوى في أفريقيا الوسطى. لكنه أطلق العنان لسيل من العنف لم يكن في الحسبان. ويبدو أن الاستخبارات الفرنسية أخفقت في تزويد القيادة السياسية معلومات دقيقة عن الأوضاع في هذا البلد.
وانضمت إلى ميليشيا الدفاع الذاتي المسيحية التي ترفع لواء "مكافحة السيليكا" جموع حبلى بالكراهية والعنف ترمي إلى استئصال المسلمين من أفريقيا الوسطى. وهي شارفت على بلوغ هدفها في بانغي. وسلك عشرات الآلاف من المسلمين طريق الهجرة، وسقط عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال بضربات فؤوس وطعون خناجر ومدى. ولكن لا أحد يعرف عددهم على وجه الدقة. وفرنسا، شاءت أم أبت، وقعت في فخ هذه المأساة.
* افتتاحية، عن "لوموند" الفرنسية، 13/2/2014، إعداد منال نحاس