الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مؤامرة المحاصصة الطائفية في سوريا

مؤامرة المحاصصة الطائفية في سوريا

01.04.2013
د. عصام صيام

الدستور
1-4-2013
لا يمكن لمن تابع الإعلام الأمريكي قبل وبعيد زيارة أوباما للمنطقة لا سيما محطة فوكسنيوز اليمينية وصحيفيتي لوس أنجلوس تايمز والواشنطن بوست أن يتجاهل وجود إتجاه قوي في السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية يقوم على استبعاد الحل العسكري ولا يشترط رحيل الأسد للولوج في حوار بين المعارضة والنظام السوري للوصول إلى حل سياسي لا ريب فيه. ويستمد هذا الاتجاه منطقه من الخوف الأمريكي والغربي بصورة عامة من تحول سوريا من دولة “مارقة ومشاكسة ومقاومة للنفوذ الأمريكي قابلة للاحتواء” على حد تعبير نيوت جينجريش إلى “دولة إسلامية متطرفة” لا تعرف إلا لغة القوة للتعامل مع “محور الكفر والعلمانية”.
هذا الإتجاه الجديد روجه وزير الخارجية جون كيري عبر دعوته للحوار بين بشار الأسد والمعارضة السورية ولعل أخطر ما في الدعوة المشؤومة أنها إنطوت على تأطير لحوار بين الأسد ليس فقط كرئيس مجرم مطالب بالرحيل من قبل شعبه والمجتمع الدولي باستثناء روسيا وإيران وحزب الله بل كممثل للطائفة العلوية في مواجهة الأغلبية السنية وهو ما يمهد لبحث المحاصصة الطائفية في سوريا كنموذج للحل السياسي بعدما أثبتت الأربعة والعشرون شهرا من عمر الأزمة أن الحل العسكري بات صعب المنال في ظل رفض المجتمع الدولي تسليح المعارضة السورية خاصة بعد تنامي نفوذ جبهة النصرة في معظم الأقاليم السورية التي تراها الأجهزة الأمنية الغربية بل والعربية وجها مصغرا لتنظيم القاعدة.
ولعل دعوة جون كيري للحوار بين الأسد والمعارضة لها أكثر من دلالة أولها أن الولايات المتحدة باتت تأخذ المخاوف من سيطرة الإسلاميين في سوريا على مقاليد الحكم على محمل الجد سيما أن استحواذ جبهة النصرة على مراكز النفوذ في سوريا يمثل تهديدا ليس فقط لمدنية المجتمع السوري وطبيعته التعددية فحسب بل وللاستقرار الإقليمي في المنطقة وبالتحديد فيما يخص الصراع مع إسرائيل. وعليه فإن أمريكا مستعدة أن تتعايش مع سوريا الطائفية تفاديا للتعايش مع سوريا الإسلامية الأصولية وهي بذلك تبدو متأثرة بمزاعم الأسد أن النظام السوري هو آخر معقل للعلمانية في العالم العربي ولكأن العلمانية في نظره تضفي الشرعية على نظام متهاوٍ أيل للسقوط تمرس على إقصاء المعارضة وقمع الحريات الدينية والسياسية وخزل مفهومه للنظام العلماني بتكريسه لسياسة فصل الدين عن الدولة أو ما يسمى “بالعلمانية الاجتماعية” دونما إدراك منه، عن جهل أو تناس، أن العلمانية، على الرغم من مساوئها، تؤطر لمجتمع ديمقراطي تعددي يحترم ويكرس مفاهيم المواطنة والشفافية وتداول السلطات.
الدلالة الثانية تتمثل في أن الولايات المتحدة تهدف عبر إرساء نظام المحاصصة الطائفية في سوريا أسوة بلبنان والعراق إلى إخراج سوريا من دائرة التأثير السياسي في المنطقة لأنها بنظامها الطائفي الجديد سوف تكون مشغولة في حل شؤونها ومشاكلها الداخلية التي لن تنتهي كما هو الحال في العراق الذي ومنذ نهاية عهد الرئيس الراحل صدام حسين نأى بنفسه عن أي دور قومي وإقليمي يليق بمكانته التاريخية والإستراتيجية لأن نظام المحاصصة الطائفي الذي وضعه الاحتلال الأمريكي كان كفيلا بعزل العراق عن محيطه العربي والإسلامي. وهنا لا بد لنا من الاعتراف أن سوريا وعلى الرغم من دموية النظام وبطش أجهزته الأمنية قد تمكنت من صياغة دورها الإقليمي في ظل سيادة نظام القطبية الثنائية ودعم الاتحاد السوفيتي (السابق) لها، مما مكن صانع قرار السياسة الخارجية السورية من تأمين هوامش مقبولة لتحركه السياسي على الصعيد الإقليمي حيث استطاعت سوريا وضع يدها على مفاتيح لها دور مهم في ضبط التوازنات الإقليمية وإدارة الصراع بطريقة جعلت منها لاعبا إقليميا مهما سواء كان ذلك عبر تدخلها في لبنان في 1975 وإدارتها لصراع الطوائف اللبنانية أم عبر دعم المقاومة اللبنانية الشيعية عبر شقيها حركة أمل وحزب الله ومن بعدهما جبهة الرفض الفلسطينية أو ما سميت بالفصائل العشر.
لقد بات واضحا أن هناك مؤامرة تستهدف اجهاض الثورة السورية عبر الغمز من باب المحاصصة الطائفية للوصول إلى حل سياسي “لا يستثني الأسد” بعد عامين من الثورة قضى فيهما أكثر من ثمانين ألف شهيد ناهيك عن تشريد أكثر من مليون لاجئ ولكأن الثورة السورية كانت ثورة طائفة سنة سوريا دون غيرها من الطوائف ضد نظام الأسد.
إن طروحات المحاصصة الطائفية عدا عن أهدافها غير المعلنة بتقزيم وتقويض دور سوريا الإقليمي في المنطقة هو إعلان صريح بعدم نضوج مفهموم المواطنة لدى المجتمع السوري وإقرار بعدم عافية حالة “النضوج الديمقراطي” لدى الشعب السوري القادر بوعيه وثقافته وحسه الوطني على تجاوز الارتباطات الطائفية والمذهبية لا بل إن مثل هذه الطروحات تعد تشويها مرفوضا لوطنية الثورة عبر حصرها في البعد الطائفي.
ومع إقرارنا بأن الطائفة السنية عانت أربعة عقود من الإقصاء والتهميش إلا أنه من الجائر اختزال الثورة السورية بطروحات محاصصة طائفية أثبتت فشلها في لبنان والعراق وهي لن تؤدي في أحسن الأحوال إلا لمزيد من التنافس والاحتقان الطائفي.