الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "مؤتمر الرياض" بين الجولاني وموسكو

"مؤتمر الرياض" بين الجولاني وموسكو

15.12.2015
منار الرشواني



الغد الاردنية
الاثنين 14/12/2015
لا يفترض أن يكون خارج المتوقع أبداً الموقف الذي عبر عنه زعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني، في المؤتمر الصحفي الذي أذيع أول من أمس، برفضه القاطع لنتائج مؤتمر الرياض للمعارضة السورية. لكن ما يبدو لافتاً (ويفترض أن يكون غريباً ومفاجئاً بعد قرابة خمس سنوات من الحرب في سورية) هو الموقف الروسي من المؤتمر.
فسياسياً، يبدو الحذر والغموض السمة الأبرز لموقف روسيا بشأن آلية انعقاد مؤتمر الرياض ونتائجه. إذ تبدو التحفظات الروسية، التي يمكن وصفها بالمتوقعة، بشأن مصير بشار الأسد، إن خلال المرحلة الانتقالية أو بعدها؛ وأن المؤتمر لم يشمل كل فصائل المعارضة، لاسيما حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي بقيادة صالح مسلم؛ وصولاً إلى اعتبار فصائل مسلحة تواجد ممثلوها في الرياض حركات إرهابية، وتحديداً "أحرار الشام" و"جيش الإسلام".
أما عسكرياً، وعدا عن تركز القصف الروسي المتواصل على معاقل المعارضة عموما وليس "داعش"، فإنه يبرز تصريح وزير الدفاع سيرغي شويغو، يوم الجمعة الماضي، والذي يمكن القول إنه التعبير الأوضح، وإن بشكل غير مباشر، عن موقف موسكو من مؤتمر الرياض. إذ اعتبر الوزير أن "نفوذ داعش يتزايد في سورية حيث سيطر المتطرفون على نحو 70 % من البلاد". ولا يحتاج الأمر أي عناء لإدراك أن نسبة 30 % المتبقية هي التي يسيطر عليها كل من المقاتلين الأكراد، وقوات الأسد والمليشيات الإيرانية الطائفية المتحالفة معها. وبعبارة أخرى لا تقبل التأويل، فإن كل المعارضة السورية –كما دأبت روسيا (وإيران) على القول منذ اندلاع التظاهرات السلمية- هي حركات إرهابية، وليس فقط "أحرار الشام" و"جيش الإسلام".
مع هكذا عودة إلى المربع الأول، لن يجد الجولاني كثير مشقة في استقطاب مزيد من المؤيدين أو المتعاطفين أو الحلفاء، قسراً إن لم يكن طوعاً، طالما أن الطائرات والصواريخ تستهدفهم جميعاً كما "النصرة" و"داعش". والحقيقة الأولى بشأن الحرب في سورية هي أن ما أوصل الوضع هناك إلى ما هو عليه الآن؛ من قتل ودمار، ودولة مستباحة، وحتى رئيس بلا صلاحيات (يقرر بشأن مصيره موظف في الخارجية الإيرانية)، هو هذا التوسع في مفهوم الإرهاب، وخرافة المؤامرة الكونية، اللذين عنيا رفض أي خطوة أو بادرة إصلاحية. وأكثر بداهة من ذلك، بإقرار حتى أنصار الأسد، هو أن "داعش" ما ظهر في منشئه الأول؛ العراق، إلا بالصمت أو التواطؤ مع نوري المالكي بزعمه أن كل معارضيه "قاعدة"، فكان أن أنتج الأسوأ.
هنا تبرز المشكلة الحقيقية بشأن محاربة الإرهاب، ليس في العراق وسورية فحسب، بل وفي كل مكان. فرغم تجسد حقيقة خطر الإرهاب العابر للحدود، إلا أن الجميع تقريباً يريد استثماره -وليس القضاء عليه- لتحقيق مصالح ضيقة جداً؛ بحيث يتم توسيع مفهومه ليشمل كل معارض، وبما يخدم بالمحصلة -والشواهد أكثر من أن تحصى- التنظيمات الإرهابية الفعلية، إذ يمدها بمزيد من الأنصار أو حتى المحسوبين عليها ولو قسراً، وذلك بدلاً من عزل هذه التنظيمات ومحاصرتها. ومثلاً، وفق المعيار الروسي بشأن سورية، يصير ضرورياً التساؤل الآن: هل أصبحت "هيئة التنسيق الوطنية" الممثلة لمعارضة الداخل، والقريبة تاريخياً من موسكو، تنظيماً إرهابياً بعد تبنيها مخرجات مؤتمر الرياض؟