الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مؤتمر الرياض.. رؤية موحدة

مؤتمر الرياض.. رؤية موحدة

14.12.2015
د. رياض نعسان أغا



الاتحاد
الاحد 13/12/2015
كان أهم ما حققه مؤتمر الرياض للمعارضة السورية هو إعلان رؤية موحدة لكل مكونات المعارضة وأطيافها، وإنهاء حالة التشرذم والاختلافات الشكلية التي أسهمت في تشكيل صورة رمادية عن وضع المعارضة دفعت ببعض الدول الصديقة إلى الشعور بغياب المعارضة أو بضعف فاعليتها وقدرتها على تمثيل الشعب السوري، وقد يكون هذا المؤتمر هو اللقاء الرسمي الأول والأمتن بين ممثلي المعارضة السياسية وبين الفصائل الثورية التي عزز حضورها قوة المؤتمر بوصفه مرجعية معتمدة لمسار التفاوض للوصول إلى حل سياسي للقضية السورية.
=وبوصفي عضواً في المؤتمر ومتحدثاً رسمياً باسمه أستطيع القول بثقة إننا لمسنا جدية فائقة من الدول الصديقة الداعمة للشعب السوري، فضلاً عن الدعم المعلن والواضح من دول عربية شقيقة تقف معنا وقفة تاريخية.
ولابد من أن نعلن لشعبنا وللمتابعين والمراقبين عامة أن المؤتمر كان سيد قراره، ولم تكن هنا أية تدخلات غير سورية في توجهاته، على رغم مواكبة سفراء الدول المعنية الذين عبروا عن اهتمامهم الكبير بدعم مسار التفاوض، وكان المؤتمر يطلب التزام المجتمع الدولي بمسؤولياته، ويؤكد على دور جاد من الأمم المتحدة، ويطالب بتمكين التوجه العام للبدء بإجراءات الثقة التي ستعزز إيمان الشعب بإمكانية التوصل إلى حل سياسي، وستمنح المتفاوضين على الضفتين فرصة بناء ثقة بينهم، وإنْ حدثت فإنها ستختصر كثيراً من الوقت وستجعل مسارات التفاوض هادئة وعملية، فنحن بحاجة ماسة لأن نرى مصداقية الطرف الآخر، وأن نرى رؤية وطنية عند المتفاوضين تنظر إلى المصلحة العليا للشعب السوري، وتسعى بإخلاص لإنقاذ سوريا فيما نراه الفرصة المثلى التي يتطلع فيها السوريون (جميعاً) إلى إنهاء طوفان الدم الوطني والحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة التي هي ملك لنا جميعاً.
وأعتقد أن بيان المؤتمر قد وضح المبادىء الأساسية التي لا أجد مبرراً لأحد من السوريين بأن يعترض عليها، وكانت العناوين الرئيسية موضع إجماع، وأهمها وحدة سوريا ووحدة الشعب السوري في إطار التعددية، وبناء دولة مدنية واعتماد آليات الديموقراطية وسيادة القانون والمواطنة أساساً في العقد الاجتماعي والتأكيد على أن الدولة السورية هي وحدها التي تحتكر السلاح كما أكد البيان على رفض وجود المقاتلين الأجانب وغير السوريين كما رفض الإرهاب بأشكاله كافة، مع التشديد على تلازم مسار مكافحة الإرهاب مع مسار الحل السياسي.
لقد اعتبر المؤتمر أن حل القضية السورية هو حل سياسي بالدرجة الأولى، وقد وافق ممثلو الفصائل الثورية على هذا الحل، مع التأكيد بأن رفض النظام لهذا الحل سيضطر الجميع إلى مزيد من الغرق في الدماء، وهذا ما لا يريده أي مواطن سوري مخلص لوطنه، وحريص على إنقاذه، وكان مهماً أن يؤكد المؤتمر على أن عملية الانتقال السياسي، هي مسؤولية السوريين فقط، بمعنى أن أصدقاء سوريا سيقدمون الدعم لتوجهات السوريين التي باتت معلنة وواضحة.
ولكون المؤتمر ينطلق من مرجعية بيان جنيف ومن رؤية مجموعة فيينا، فإن المعارضة السورية تطالب بأن يصدر عن مجلس الأمن قرار بضمانات دولية تلزم الأطراف جميعاً، بتنفيذ مضمون القرار الأممي المرجعي. ولقد أكد المؤتمر أن بيان جنيف هو الإطار (الوحيد) للانتقال السياسي في سوريا، وأن النظام الجديد سيبدأ مع رحيل رموز النظام الحالي وأركانه جميعاً، لبناء دولة مدنية يشارك فيها الشعب السوري بكل فئاته وشرائحه. كما أكد المؤتمر على مبادئ الشفافية والمساءلة والمحاسبة لكل من ارتكب جرائم ضد الشعب السوري، وسيكون تحديد ذلك من مسؤوليات المرحلة الانتقالية. وكان مما يدعو إلى التفاؤل ذاك الإجماع الذي خرج به المؤتمر والانسيابية التي جرت فيها الحوارات بين المشاركين الذين تمكنوا من تجاوز بعض الإشكاليات الصغيرة التي لم تكن جوهرية.
ونحن ننظر بأمل كبير في أن تتعزز وحدة المعارضة عبر هذا الانصهار في مؤتمر الرياض، دون ظهور جسم جديد، فمهمة المؤتمر محددة بعملية التفاوض فقط، ونأمل أن يتصاعد الدعم الدولي لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية الكبرى التي بدأت تداعياتها تنعكس على العديد من دول العالم، وقد أدرك مؤخراً بأن مكافحة الإرهاب تبدأ بتغيير المناخ الذي ينمو فيه وبإجلاء صانعيه، وإنهاء الاستبداد الذي أوجده، وعندها سنجد الإرهاب ينحسر وستكون مواجهته حاسمة، حفاظاً على السلم العالمي.
ولقد صارت عملية مكافحة الإرهاب ذريعة لتعرض سوريا للاحتلال من قبل روسيا، إضافة لما تعانيه سوريا من احتلال إيراني ومن دخول ميليشيات طائفية إرهابية من لبنان ومن العراق، فضلاً عما تضمه "داعش" من مختلف الأعراق والجنسيات.
لقد أطلق مؤتمر الرياض العملية السياسية التي نتوقع أن تبدأ مع مطلع العام الجديد، ونرجو أن يكون الإخلاص للشعب وللوطن رائدنا جميعاً.
 
* وزير الثقافة السوري السابق