الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مؤتمر باريس وإنقاذ ماء الوجه

مؤتمر باريس وإنقاذ ماء الوجه

31.10.2015
د. موسى شتيوي



الغد الاردنية
الخميس 29/10/2015
عقد في باريس مؤتمر ما أصطلح على تسميته "المهتمون بالشأن السوري". وهو اسم قد يكون بديلاً عن المؤتمرات العديدة لـ"أصدقاء سورية"، والتي لم تتمخض عنها نتائج تذكر فيما يتعلق بالأزمة السورية. وانعقاد مؤتمر باريس يتزامن أو يسبق الاجتماع الروسي-الأميركي المزمع عقده في فيينا يوم الجمعة المقبل.
مؤتمر باريس يضم عدداً كبيراً من الدول المتفاوتة في علاقتها ودورها في الأزمة السورية. لكن أهمية المؤتمر لا تكمن في من سيحضره، وإنما في الدولة المضيفة، وهي فرنسا. فمنذ اندلاع الأزمة في سورية، أخذ الخطاب الرسمي الفرنسي منحى حاداً نحو النظام في سورية، وبخاصة نحو بشار الأسد، مطالبا برحيله ورافضا بقاءه في أي حل سلمي للأزمة السورية ولو في المرحلة الانتقالية.
فرنسا، كغيرها من الدول الأوروبية، صعدت كثيراً من خطابها نحو النظام السوري، لكنها فعلت القليل لتنفيذ وعودها وتهديداتها، إذ لم يتحوّل هذا الموقف الى سياسات لدعم المعارضة أو لإسقاط النظام في سورية، وأشبعت المعارضة وعوداً، وفي النهاية لم تفعل شيئاً لها، وكان دعمها للائتلاف السوري رمزياً أكثر منه حقيقياً.
الغريب في الأمر أن أهم الدول المؤثرة في سورية اليوم، وهما روسيا وإيران، غير مدعوتين للمؤتمر. والتفسير الوحيد لعدم دعوتهما هو شعور أوروبا، وبخاصة فرنسا، بالتهميش والعجز حيال التدخل الروسي في سورية، واستثناؤها من اللقاء الذي عقد في فيينا الأسبوع الماضي، والذي سيعقد مرة أخرى في المكان نفسه يوم الجمعة المقبل. الغيرة والتهميش هما ما يفسر لقاء باريس الذي سيكون مناسبة مهمة لالتقاط الصور.
مستقبل سورية يتم تحديده في مكان آخر ليس بعيداً عن باريس، وبالتحديد في فيينا. إذ ضم الاجتماع الأول كلاً من روسيا والولايات المتحدة وتركيا والسعودية، بينما في الأخبار أنه سيتم دعوة إيران أيضاً لاجتماع فيينا المقبل. هذا الاجتماع الذي يضم اللاعبين الدوليين والإقليميين الرئيسيين في الأزمة السورية، هو الذي سيحدد خريطة الطريق لإنهاء الأزمة السورية وليس اجتماع باريس.
دور أوروبا مهمش في جهود إيجاد حل للأزمة السورية الذي ارتضت أن يكون دورها هامشياً، ولكنها في النهاية، سوف تقبل بالذي ترضاه الولايات المتحدة، وهي بالتأكيد ستكون حاضرة في حفل الاتفاق حول سورية إذا ما تم انجازه لاحقاً في وقت ما.
بالطبع، من الصعب على أوروبا، وتحديداً فرنسا وبريطانيا، أن تشعر بأنها ليست على طاولة المفاوضات التي ستحدد معالم الطريق لإنهاء الأزمة السورية، ولاسيما بسبب تاريخ هاتين الدولتين الطويل مع المنطقة ومصالحهما الاستراتيجية. وهذا لا يعني أن أوروبا لم تعد مهمة في تحديد مسار السياسات في الشرق الأوسط، ولكن من الواضح أن أهميتها نسبية، في الأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط، كالصراع العربي-الإسرائيلي، وأزمات ما بعد "الربيع العربي". لذلك لا بد لأوروبا من أن تغير من نظرتها لروسيا، والتخلي عن عقلية الحرب الباردة، والكف عن محاولة تحجيم دورها، ليس في المنطقة وإنما أيضاً في أوروبا. بعبارة أخرى، المطلوب من أوروبا أن تكون أكثر واقعية في سياستها في المنطقة، وأن توازن بين مصالحها الاقتصادية، ومبادئها، وقيمها التي تتحلى بها.
أما بالنسبة لمؤتمر باريس، فهو لا يعدو كونه إثباتاً للوجود، ولو على الأقل، إعلامياً، لأن قطار تسوية الأزمة السورية سينطلق من مكان آخر.