الرئيسة \  تقارير  \  مؤتمر غلاسكو للمناخ والعقلية الصناعية العسكرية

مؤتمر غلاسكو للمناخ والعقلية الصناعية العسكرية

28.11.2021
بول روجرز


ترجمة: علاء الدين أبو زينة
بول روجرز* – (أوبِن ديموكراسي) 17/11/2021
الغد الاردنية
السبت 27/11/2021
هناك ثلاث قضايا تنشأ مباشرة من مؤتمر المناخ الأخير في غلاسكو، COP26. أولاً، يعتقد مهندسا اتفاقية مؤتمر باريس للمناخ، COP21، كريستيانا فيغيريس ولورنس توبيانا، أن المزيد من المفاوضات يجب أن تتبع مؤتمر هذا العام في العام المقبل.
ثانيًا، وضع “برنامج تعقب العمل المناخي” الذي يحظى بالاحترام نتائج ما تم الاتفاق عليه حتى الآن، قبل القمة وخلالها، عند الاتفاع على مواجهة ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.4 درجة مئوية.
ثالثًا، وربما الأكثر إثارة للخوف على الإطلاق، أنه حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق صارم للحفاظ على الزيادة عند 1.5 درجة مئوية، فإننا نشهد مسبقاً شدة تغير المناخ عند المستوى الحالي البالغ 1.2 درجة.
لقد أصبحت العقلية العسكرية الصناعية التي تؤجج الصراع بين دولة وأخرى هامشية وعفا عليها الزمن تمامًا مقارنة بالتهديد العالمي الذي يلوح في الأفق من الانهيار المناخي الذي لا يمكن معالجته إلا من خلال التعاون.
عندما تؤثر الأحداث المناخية المتطرفة، مثل الفيضانات وحرائق الغابات والعواصف، على شمال الكرة الأرضية، فإنها تجذب الكثير من الاهتمام. وفي المقابل، ما يزال هناك تركيز أقل بكثير على التأثير الأكبر بكثير للطقس القاسي على الجنوب العالمي، وهو مصدر دائم للمرارة نظرًا لفشل الدول الأكثر ثراءً في تنفيذ الاتفاقية الخاصة بتخصيص 100 مليار دولار سنويًا من الدعم للدول الأكثر فقرًا.
وفي الأثناء، وفي ما يمكن أن يكون قد تم اعتباره قضية جانبية في الأسبوعين الأخيرين، لكنه بالتأكيد ليس كذلك، حذر كبير المستشارين العلميين لبريطانيا، باتريك فالانس، من أن تغير المناخ يشكل خطرًا على البشرية أكبر من مرض “كوفيد – 19”. وقال:
السبب في أنني أقول إنه مشكلة أكبر هو أنه من حيث التأثير الكلي على البشرية، إذا لم يتم إيقاف ذلك فإنه سيكون تحديًا أكبر، وأكبر بكثير، للطريقة التي نعيش بها، وسوف تُفقد أرواح”.
ويتقاسم الكثير من نشطاء المناخ وجهة نظره على نطاق واسع، لكن أهميتها تزداد عندما نلقي نظرة فاحصة على مكاننا مع الوباء.
 
تكلفة أكبر لـ”كوفيد – 19
في وقت كتابة هذا التقرير، بلغت أحدث الأرقام عن خسائر “كوفيد – 19” الصادرة عن “منظمة الصحة العالمية” ما يقرب من 5.1 مليون حالة وفاة في جميع أنحاء العالم، و251 مليون إصابة مؤكدة. كما أفاد التقرير بأنه تم إعطاء ما يقرب من 7.2 مليار جرعة من اللقاح. ومع ذلك، مع عدد سكان العالم البالغ 8 مليارات نسمة، سيتطلب التطعيم الكامل بثلاث جرعات ما يقرب من 25 مليار جرعة. ومن غير المرجح أن يتم الوصول إلى هذه الكمية حتى العام 2023 -ما يؤدي إلى تفاعل تجمعات كبيرة من الفيروسات مع المجموعات التي تم تلقيحها جزئيًا فقط، وهي وصفة أكيدة لظهور المزيد من متغيرات الفيروس.
على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية واثقة بشكل معقول من أرقام التطعيم الخاصة بها، إلا أنها لا تدعي دقة أعداد الوفيات والحالات المؤكدة. وقد اتفق كبار موظفيها على أن الأرقام الحقيقية يغلب أن تكون أعلى من الأرقام التي لديها بكثير. وعلاوة على ذلك، تحذر المنظمة حاليًا من زيادة كبيرة في تفشي “كوفيد – 19” في جميع أنحاء أوروبا، وهي تكرر باستمرار دعواتها إلى زيادة معدلات التطعيم العالمية.
تنبع مشكلة معدل الوفيات جزئيًا من البيانات غير الكاملة القادمة من البلدان ذات الخدمات الصحية والتشخيصية المحدودة. وهناك منهجيات بديلة، ويقدر أحد هذه التقديرات من “معهد المقاييس الصحية والتقييم” التابع لجامعة واشنطن أن إجمالي الوفيات الناجمة عن فيروس “كوفيد – 19” في جميع أنحاء العالم يبلغ 12 مليونًا، وهو أكثر من ضعف الأرقام الرسمية.
وثمة تقدير آخر يأتي من “الإيكونوميست”، التي كانت تجري دراسة طويلة الأجل وتنشر أرقامًا يومية. ويشير عملها إلى وجود فرصة بنسبة 95 في المائة لأن يكون رقم الوفيات العالمية الناجم عن الإصابة بـ”كوفيد – 19” بين 10.6 و19.9 مليون، مع أن الرقم الأكثر احتمالًا ضمن هذا النطاق هو 17.1 مليون حالة وفاة.
وبذلك، فإننا ننظر إلى أكثر من ضعف، وربما ثلاثة أضعاف، عدد الوفيات الوارد في الإحصائيات الرسمية. ويقارن هذا الناتج مع عدد الوفيات لأكبر جائحتين خلال الأعوام الـ120 الماضية: فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة (الإيدز) عند أكثر من 36 مليون وفاة؛ وفيروس إنفلونزا 1918-19، (H1N1) (المعروف بالإنفلونزا الإسبانية) عند 50 مليونًا. ومع ذلك، توزعت أرقام وفيات فيروس الإيدز على مدى أربعة عقود. وبينما كانت أرقام جائحة الإنفلونزا مروّعة للغاية نظرًا لقلة عدد سكان العالم في ذلك الحين، فإنها حدثت في وقت كانت فيه الخدمات الطبية أقل فعالية بكثير مما هي عليه اليوم.
ولذلك، فإن تأثير “كوفيد – 19” هو أعلى بكثير مما يُفترض عادة، وما يزال هناك طريق طويل أمامنا لنقطعه. ومع أن معدلات التطعيم العالمية غير كافية بشكل ميؤوس منه، فإن قلة قليلة من الحكومات لديها رؤية واضحة لما هو مطلوب حقًا.
ثم هناك وجهة نظر فالانس القائلة إن تأثير تغير المناخ سيكون أكبر بكثير من تأثير
كوفيد -19”. في الواقع، من المرجح أن يكون الانهيار المناخي أكثر كارثية على المدى الطويل -ولكن بما أن الاستجابة العالمية للوباء لم تكن فعالة في أي مكان بقدر ما هو مطلوب، فأين يترك ذلك الآمال عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ؟ ربما كان ما تمت مناقشته في مؤتمر المناخ الأخير في غلاسكو ليناسِب قبل عقدين من الزمن، لكنه الآن متأخر بشكل مروّع.
على الأقل، علينا إعادة التفكير فيما نعنيه بالأمن الدولي. وتمثل هاتان المسألتان إلى حد بعيد أكبر التحديات الأمنية التي تواجه البشرية، ومع ذلك، هناك ما يقرب من تريليوني دولار يتم إنفاقها سنويًا على النفقات العسكرية التي ليست ذات صلة إلى حد كبير عندما يتعلق الأمر بالأوبئة وانهيار المناخ.
بل إن الأسوأ من ذلك هو أنه يُنظر إلى
كوفيد – 19” على أنه هامشي عندما يتعلق الأمر بالفهم العسكري للأمن، بينما يتم بالفعل إضفاء الطابع الأمني على تغير المناخ. وهكذا، تستعد الجيوش لحماية سكان بلادها مما تعده تهديدًا كبيرًا يتمثل في حدوث الهجرة الجماعية، وظهور الدول الفاشلة، والانهيار عبر الوطني للنظام الاجتماعي والآثار المتنوعة الأخرى على دولهم الخاصة، بينما يجادلون بقدر قليل جداً، إن وجد، لصالح الحاجة الماسة إلى منع الصراع من خلال إزالة الكربون بشكل جذري وسريع.
ليست هذه الطريقة القديمة في التفكير مفاجئة، للأسف، بالنظر إلى العقليات الضيقة التي تتسم بها المجمعات الصناعية العسكرية التي ما تزال قائمة في كل دولة جيدة التسليح، من الولايات المتحدة، إلى المملكة المتحدة، إلى روسيا والصين.
بالنسبة للمجمعات الصناعية العسكرية، تشكل البيئة العاملة أحد التهديدات في الصراعات بين الدول التي تتطلب ردودًا عسكرية. وبصراحة، هذه قديمة عقلية عفا عليها الزمن تمامًا في مواجهة التهديد العالمي الذي يلوح في الأفق من الانهيار المناخي، والذي سيؤثر على كل بلد، ولا يمكن مواجهته إلا باستجابات تعاونية ذات توجه عالمي.
إن أي تفكير ينسجم مع فكرة هذا التعاون، مع كل ما يعنيه ذلك، هو شأن نادر في الخطابات العسكرية الحالية. تمامًا كما فشلنا في الاستجابة بشكل تعاوني لـ”كوفيد – 19، فإن التحدي الأكبر لانهيار المناخ له تأثير ضئيل على المناهج العسكرية الأساسية للأمن العالمي.
بدلاً من ذلك، ما يزال أي تفكير مبتكر بشأن الأمن في أيدي عدد قليل من مراكز الفكر والمنظمات غير الحكومية الصغيرة التي تعاني من نقص التمويل. وفي المملكة المتحدة، قامت مجموعة “مراجعة الأمن” بإطلاق “مراجعة بديلة للأمن” مؤخراً. وهذه بداية بكل تأكيد، وهناك بعض المجموعات المماثلة في بلدان أخرى، مثل “مجموعة مراجعة الأمن في ألمانيا”. ومع ذلك، ما تزال مثل هذه المبادرات قليلة ومتباعدة -لكننا وصلنا إلى النقطة التي الحاجة فيها إليها ماسّة.
 
*Paul Rogers: أستاذ بقسم دراسات السلام بجامعة برادفورد بشمال إنجلترا. وهو محرر قسم الأمن الدولي في موقع “الديمقراطية المفتوحة” OpenDemocracy، ويكتب عمودًا أسبوعيًا عن الأمن العالمي. كما أنه يكتب إحاطة شهرية لمجموعة أكسفورد للأبحاث. تشمل كتبه “الحرب غير النظامية: التهديد الجديد من الهوامش” Irregular War: The New Threat from the Margins (2017)؛ و”لماذا نخسر الحرب على الإرهاب” Why We’re Losing the War on Terror (2007).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: COP26: Glasgow & the Military Industrial Mindset