الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا بعد الجولة الثانية من مفاوضات جنيف؟ 3 (1)

ماذا بعد الجولة الثانية من مفاوضات جنيف؟ 3 (1)

28.03.2016
د. وائل مرزا


المدينة
الاحد 27/3/2016
أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سحب "الجزء الرئيس" من قواته من سوريا في أول يومٍ من الجولة الثانية من مفاوضات جنيف3، والتقى بوزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عشية اليوم الأخير من الجولة.
ثمة كلامٌ كثير عن (اتفاقٍ) أمريكي روسي يتعلق بالوضع الراهن والمستقبلي في سوريا. لكن فهم الصورة بشكلٍ أوضح لا يكون ممكناً إلا إذا عرفنا ماذا جرى في الأسابيع السابقة للإعلان الروسي، وما يجري بعدها إلى اليوم، وفي كثيرٍ من الأحيان في غياب ربطٍ واضح للأحداث في أذهان عامة الناس يفسر التطورات بصورةٍ أقرب للدقة. خاصةً فيما تواجهه روسيا جدياً، في الجوانب الاقتصادية والعسكرية، بغض النظر عن كل تصرفات (الماتشو) التي يُظهرها الرئيس بوتين.
ففي حين كانت وسائل الإعلام تركز، في مؤتمر ميونيخ، يوم 13 شباط (فبراير) على ما يُسمى قضايا التعاون المشترك، مرر ينس ستولتينبرغ، الأمين العام لحلف الناتو تصريحات تتهم موسكو بزعزة الاستقرار والأمن في أوروبا، مع التأكيد على الحاجة لحوارٍ بناء معها، موضحاً "أننا في واقعٍ جديد مع روسيا"..
قبلها بيومين، كانت الأهداف الحقيقية لاجتماع الناتو واضحة في اجتماع قادة الحلف في بروكسيل. حيث وافق وزراء دفاع الحلف على تعزيز وجود الحلف على طول حدوده الشرقية. واعتبر الأمين العام للحلف أن الموافقة على تعزيز وجود الناتو شرقا يستهدف ردع العدوان الروسي، و"سيبعث برسالة واضحة مفادها أن الحلف سيرد على أي اعتداء على أي حليف".
ووجّه الرجل – خلال مؤتمر صحفي في بروكسل عقب اجتماع لوزراء الدفاع بالحلف- انتقادات لروسيا وحمّلها مسؤولية المساس بالتوازن الإستراتيجي في المنطقة، وضرب الجهود المبذولة لإيجاد حل سلمي في سوريا، وطالبها بتخفيف التصعيد. جدير بالذكر أن قيمة هذا الكلام من هذه الشخصية في هذا المقام، يؤخذ بجديةٍ أكثر بكثير من بعض (المناكفات) السياسية لكيري وغيره من ساسة أوروبا التي لا تؤخذ على محمل الجد.
وقال الأمين العام إن ما تقوم به روسيا يتطلب ردا من الناتو، دون أن يوضح طبيعة هذا الرد. وسيكمل قرار الناتو تعزيز تواجده شرقا، ضمن الجهود التي تبذل منذ 18 شهرا لتمتين قدرتي الرد والردع لدى قوات الحلف، ردا على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014 وهجوم الانفصاليين الموالين لموسكو في شرق أوكرانيا.
وفي هذا السياق، ستعزز "قوات متعددة الجنسية" إجراءات سبق أن اتخذت لطمأنة الدول الحليفة في شرق أوروبا منذ ربيع 2014، على غرار إقامة مراكز لوجستية ونشر معدات وإرسال مقاتلات إلى دول البلطيق أو نشر مزيد من البوارج في بحر البلطيق أو البحر الأسود، وفق ما أوضح ستولتنبرغ.
وستضاعف أمريكا أربع مرات – حتى سقف 3.4 مليارات دولار- النفقات الهادفة إلى تعزيز الوجود الأمريكي في أوروبا، وذلك عبر نشر معدات قتالية ثقيلة (دبابات وقاذفات صواريخ) تلائم فرقة أمريكية من 15 ألفا إلى عشرين ألف عنصر. وإضافة إلى ذلك، سينشر الحلف ما بين 3200 وأربعة آلاف جندي في دول شرق أوروبا لعمليات تمرين وتدريب.
بعد أقل من ثلاثة أسابيع، في 4 مارس (آذار)، بدأ حلف شمال الأطلسي مناورات عسكرية ضخمة في محافظة "تروندلاغط" وسط النرويج. وشارك في هذه التمارين حسب بيان لحلف الناتو في بروكسل أكثر 15000ألف جندي والعديد من البوارج والسفن الحربية والغواصات والوحدات البرية.
أطلق على هذه المناورات اسم "الرد البارد" وتستمر عشرة أيام. وتجمع التمارين وحدات من ألمانيا وبلجيكا وكندا والدانمارك وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة ولاتفيا والنرويج وهولندا وبولندا والمملكة المتحدة والسويد. وقد نشر الناتو في النرويج، التي تحد روسيا، ثلاث قاذفات إستراتيجية من طراز "بي-52" للتدرب على تنفيذ ضربات نووية ضد أهداف أرضية.
على سبيل الرد، وفي نفس اليوم، صرح مدير جهاز الإعلام التابع للأسطول الروسي في البحر الأسود، أن الأسطول حصل على سرب من طائرات مقاتلة جديدة من طراز "سو-30إس إم". وشرعت روسيا في تحديث أسطولها في البحر الأسود منذ عام 2014، عندما استعادت شبه جزيرة القرم التي ترابط فيها وحدات أسطول البحر الأسود البحرية والجوية، الهوية الروسية.
كانت هذه الحرب الباردة الدبلوماسية والسياسية والإعلامية بين أمريكا وروسيا تحصل على هامش الأضواء والكاميرات المسلطة على تعاون البلدين، الذي قيل لنا إنه متناغمٌ ولطيف، فيما يتعلق بالوضع السوري، يعمل على تهيئة الأجواء بشكلٍ مشترك ومتناغم، لدعم المسار السياسي والجهود الدبلوماسية. لكن قلةً قليلة، من العرب والسوريين بالتأكيد، كانت في صورة ما يجري في الخلفية العسكرية والأمنية بين البدين الكبيرين، من وقائع تكاد تكون ملامح حربٍ باردة.
وما من شكٍ أن ربط هذه الظواهر بشكلٍ متقدم ومدروس هو ما يعطي صورةً تفسيرية لما يجري، وهذا أمرٌ يستحق جهداً مستمراً نتابعه الأسبوع المقبل.