الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا بعد انسحاب الوحدات الروسية من سوريا؟

ماذا بعد انسحاب الوحدات الروسية من سوريا؟

21.03.2016
حمد الباهلي


اليوم السعودية
الاحد 20/3/2016
بوتين: روسيا يمكن أن تعيد نشر طائراتها في سوريا "خلال ساعات" عند الضرورة. هذا ما تناقلته وسائل الإعلام في يوم الخميس الماضي، أي بعد يومين فقط من إعلان بوتين عن قرار سحب "الجزء الأكبر" من وحداته العسكرية العاملة في سوريا بالإضافة لإعلانات سابقة من مسؤولين روس آخرين بنفس المعنى.
هذا الإعلان يدخل ضمن "العمل" الذي تقوم به موسكو ضمن الضجة الإعلامية العالمية التي رافقت ولا تزال تواكب الإعلان الروسي عن سحب جزء من قواتها العسكرية كوسيلة ضغط للذهاب قدماً أو للتراجع عن أسباب وجودها في سوريا. ذلك ما دفع أحد الصحفيين الفرنسيين إلى التساؤل عما إذا كان التدخل الروسي ليس سوى قنبلة موقوتة، لكن ضد من؟ ضد الغرب أم ضد المعارضة أم ضد بشار الأسد أو ربما ضد الثلاثة معاً؟
البيان الروسي للانسحاب كان "ذكيا وخبيثا" كما يقول ألن بييرت في صحيفة اللموند الفرنسية مذكرا بما جاء في القرار الأممي في عام 1967م حول ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من "أراض" محتلة بالنص الإنجليزي أم من "الأراضي" المحتلة بالنص الفرنسي، والذي لا يزال الجدل قائماً حوله إلى اليوم. لكن بييرت نفسه يضيف: لنترك الحسابات الاستراتيجية للدول الكبرى وأفلاكها الإقليمية جانباً، ولننسى ولو لفترة التحليلات المعقدة حول مآلات الأوضاع في سوريا ولنكف عن لوم هذا الطرف أو ذاك ونركز على جوهر المشكلة. الحرب في سوريا وما خلفته ولا تزال تخلفه من دمار ومآس في الأرواح والممتلكات لم تشهد لها منطقة الشرق الأوسط مثيلا منذ عام 1940م حيث الموت اليومي والعذاب الإنساني غير المسبوق عبر مسار جهنمي من المآسي والكوارث الشخصية والجماعية.
الضوء الخافت في النفق الذي اندلعت فيه الأزمة في عام 2011 على إثر الانتفاضة الشعبية السلمية ضد ديكتاتورية الأسد قد يفتح " أبواب العدم" المستعصية كما جاء في شهادة سميرة يزبك في شهادتها عن أقسى الحروب في كتابها المنشور مؤخراً.
اليوم في سوريا حيث تحتدم الصراعات الدينية والمذهبية والعرقية والتدخلات الإقليمية والدولية وتزهق الأرواح من جميع الأطراف ليس ثمة سوى خاسر واحد وهم المواطنون السوريون. الوضع في سوريا اليوم يسمح لكل مراقب أو محلل أو مسؤول في أحد أطراف الصراع أن يفكر حول الانسحاب العسكري الجزئي للوحدات الروسية. وبما أن طرق التفكير لدينا مشفوعة دائما بالقول المشهور (الحكم على الشيء جزء عن تصوره) فإن المسؤولية في انعكاس التصور على الحكم يمكن أن تكون بناءة أو مدمرة.
لقد صمدت الهدنة بشكل مشجع بالرغم من هشاشتها، وانطلقت محادثات السلام في جنيف على ثلاث مراحل، والأهم من كل ذلك، هو أن مسحة تفاؤلية ومفردات تصالحية بدأت تشق طريقها على لسان العديد من الفرقاء. ليس لمن فقدوا أعز ما لديهم سوى اجتراح معاني الصمود وسوى المشي في طرق مليئة بالأشواك ومحفوفة بانزلاقات التعصب ومكائد المصالح الدولية والإقليمية.
الانسحاب الروسي يسهل مسار الحل السلمي. هذا ما جاء على لسان مسؤولي الحكومات ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة على المستوى الإقليمي والدولي. الشيء المؤكد أن الأطراف الدولية النافذة وتحديدا الولايات المتحدة وروسيا يعرفون الكثير حول آفاق الحل السلمي المقترح، لكنهم ايضا قد لا يعرفون "القليل" من تصورات أصحاب القضية – الشعب السوري وقواه الحية- وأصدقائهم وخصومهم، لكن بوصلة الحل السلمي تأخذ مساحة جذب أكبر من أي وقت خلال السنوات الخمس الماضية. بفضل من؟ قبل الجواب على هذا السؤال المركب، ثمة سؤال لا يقل خطورة. بسبب من استمرت المأساة؟ الإجابات التقليدية على مثل هذه الأسئلة تدخل في سياسات بعيدة المدى ليس فقط للدول الكبرى النافذة على المسرح الدولي، بل وفي سياسات دول المنطقة وفضاءاتها السياسية والدينية والعرقية. لذلك، وحدهم السوريون على اختلاف مشاربهم، وبدعم نزيه من أصدقائهم المجربين، مسؤولون اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ لتثبيت الهدنة والقبول بأن محادثات السلام قد تطول، بل لا بد أن تطول لأن الموضوع يخص بلدا عريقا بأسره وشعبا عظيما بأسره.
ماذا فعلت الولايات المتحدة الأمريكية لداعش وأخواتها في السنوات الخمس الماضية؟ وماذا فعلت روسيا لداعش وأخواتها في الشهور الخمسة الماضية؟ أسئلة مشروعة بشهادة مئات الآلاف من القتلى والمشردين، لكن المخرج من الكارثة يستدعي أسئلة أخرى قد تكون مؤلمة لكنها ضرورية.