الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا بعد مذبحة بانياس؟!

ماذا بعد مذبحة بانياس؟!

13.05.2013
د.عبدالله القفاري

الرياض
الاثنين 13/5/2013
    التفاهمات الروسية - الأمريكية حول الشأن السوري تعتمد الضغط على المعارضة والثوار من اجل تمرير عملية سياسية، قد تضحي برأس النظام، ولكن هل تكون النتائج بمستوى التضحيات التي قدمها شعب يتطلع للحرية والانعتاق من جور النظام وبناء الدولة على أسس جديدة؟!
لايزال هذا الشعب الصابر يتعرض لأبشع عمليات القتل والذبح والتنكيل والتهجير.
رأى العالم الصامت الكئيب صور الاطفال والنساء والشباب الغض تتكوم في مذبحة بشعة استخدمت فيها السكاكين والرصاص وطال بعضها القتل حرقاً.. ولن تكون مجزرة قرية البيضا ورأس النبع في بانياس آخر المجازر.. وإن كانت تعد مؤشرا خطيرا يدعم مخططا تم تداوله بكثافة خلال هذا العام.
إنها سلسلة في حلقات متصلة تستهدف الترويع وإفراغ هذه المنطقة ومناطق أخرى من سكانها الذين ينتمون للطائفة السنية في مناطق الجبل والساحل وقرى حمص.
يتولى شبيحة النظام تفريغ هذه المناطق من سكانها السنة بينما يتولى حزب الله الطائفي المنغمس في الحرب على السوريين المهمة في مناطق حمص والقصير التي سيطر عليها مؤخرا.
هناك محاولات لم تتوقف لإحداث صدمات من الترويع والترهيب لإخراج هذا الطائفة المنكوبة من قراها التي تتعاظم فيها طائفة النظام لتغيير التركيبة السكانية بما يسمح فيما لو سقط النظام في دمشق ان يلجأ لكانتون علوي في الساحل والجبل.
طموح العلويين بدولة في الساحل والجبل ليس جديدا. ففي فترة الاستعمار الفرنسي تلقى المندوب السامي للانتداب الفرنسي على سورية ولبنان برقية موقعة من 73 شخصية من اعيان العلويين طالبوا بتكوين دولة علوية تحت الحماية المطلقة بعيدا عن الحكم السني في حلب ودمشق. ولعلنا نتذكر رد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس على مندوب سورية في الامم المتحدة بشار الجعفري، الذي اتهم فرنسا بمحاولة اعادة استعمار سورية، فما كان من فابيوس إلا أن أخرج وثيقة رسمية ورد فيها اسم جد بشار الاسد تطالب حكومة الانتداب الفرنسي بإعلان استقلال دولة علوية بحماية فرنسية.
كل الاحداث تؤكد ان ثمة محاولات كثيرة لإفراغ مناطق معينة من سكانها من السوريين السنة، وليس هذا انحيازا طائفيا ولكنه حقيقة تكرست خلال أكثر من عامين عبر عمليات تصب في خانة التهجير والترويع والنزوح الجماعي.
أعجب من مَن ينكر هذا التوجه المحموم لإحراق سورية على مذبح الطائفية، وهو يحاول جاهدا ان ينفي طائفية النظام. وأعجب من مَن يبرئ ساحة الطائفة من العمل مع النظام وربط مصيرها بمصيره.
ورغم أن بين الطائفة العلوية شرفاء ومعارضين لهذا الوضع المخزي، إلا ان البنية الاجتماعية والثقافية التي صنعت على عين النظام خلال اربعة عقود ظلت تعمل بلا كلل على تحصين ذاتها عبر وعي طائفي غير معلن، وعلى النقيض من كل ادبيات حزب البعث الذي انتهى منذ عام 1970، ولم يتبق منه سوى مومياوات يستخدمها النظام.
يأتي الهجوم الاسرائيلي على مواقع عسكرية حول دمشق، ليكشف ايضا عن عقلية لازالت لم تبرح لغتها الخشبية رغم كل هذه التطورات. من يتباكي على حال العرب إزاء الهجوم الاسرائيلي ويشن حملة ضارية على الجيش الحر، ويوزع الخيانات على العرب الآخرين، لا يعدو ان يكون بوقا رخيصا لنظام الممانعة الكذوب. ما علاقة الجيش الحر بالهجوم الاسرائيلي؟ إنها ذات الافتراءات التي يروج لها النظام القاتل والذي اعلن انه سيرد في الوقت والمكان المناسبين.
وفعلا رد النظام على الهجوم الاسرائيلي الذي قوض ترسانة من الاسلحة الاستراتيجية، وذلك بمزيد من التدمير وقتل شعب لم يُرد سوى الخلاص من قيده الذي طال اربعة عقود. ولم يكن الزمان سوى أيام الثورة السورية، التي تواجه التحالف الاكثر شراسة اليوم، حيث تقتحم قوات حزب الله بلدة القصير، التي شهدت خلال الاسبوع الماضي مجازر مماثلة لما حدث في بانياس.. تحت عين وبدعم الراعي الرسمي لعملية الاستئصال الطائفية، النظام الايراني، عراب وممول سيناريو دولة الجبل والممر الآمن لحمص فلبنان.
أتساءل هل بقي لدى اولئك الذين يدافعون عن النظام او يروجون لادعاءاته من بقايا القوميين العرب او اليسار العربي المنحسر بقية من ضمير وقيم حتى يظلوا في مواقع لم يبرحوها منذ سنوات دفاعا عن نظام مستبد قاتل قوض كيانا كبيرا كسورية، وهو المسؤول الاول عن ترويج الكانتونات القاتلة لوطن القوميين العرب الأول؟!!
إسرائيل ليست حليفاً للجيش الحر ولا للثورة السورية. انها المتضرر الاكبر من رحيل نظام ظل يناور باسم الممانعة والمقاومة ولكنه ظل يعمل بفعالية كبرى في حماية امن اسرائيل. وسواء أكان ذلك الهجوم منعاً لوصول تلك الاسلحة إلى حزب الله كما هي الادعاءات الاسرائيلية.. إلا انه قد يكون ضربة استباقية لاحتمالات وصول هذه الصواريخ للجيش الحر او بعض فصائله في حال تضعضعت قدرة النظام على حمايتها.
اولئك الذين يزايدون على الجيش الحر والمعارضة السورية يدركون أن اسرائيل بقيت العقدة في محاولات التدخل الدولية طيلة عامين. ولن يحدث تدخل او ضغط دولي فاعل الا في حال الخوف من نشوء كيانات او بروز فصائل مقاتلة سيكون الكيان الاسرائيلي هدفها في المرحلة القادمة.
ولعل ابرز التطورات التي حدثت خلال الايام الاخيرة، تلك اللغة التوافقية بين الادارة الامريكية والروسية. حيث ظهر ان الهدف لن يكون إسقاط النظام ورعاية نظام بديل ولكن إعادة انتاج النظام من الداخل، حتى لو كان الثمن اسقاط رأس النظام.
تواجه الثورة السورية معضلة كبرى، فهي تعاني من شح الامدادات العسكرية المؤثرة في معركة لا توازن فيها، وهي تواجه جملة ضغوط بدأت تتحرك بقوة خلال الاسابيع الماضية لإجبارها على معادلة جديدة تستدعي عملية جراحية سياسية داخل النظام وفي قوام المعارضة من اجل منح المعارضة هامشا سياسيا في حكومة قادمة مع الاحتفاظ ببنية النظام قدر الامكان.
بدا واضحا اليوم ان لعبة أممية جديدة تتحرك من أجل إخراج سورية من نفق ازمة إلى مستقبل هشاشة الدولة. ومن إطار الثورة إلى التسليم باطار تقاسم كعكة النفوذ والمصالح. ومن إطار مقاومة حلف نظام الملالي الايراني - المالكي - الاسدي - حزب نصر الله اللبناني.. الى مرحلة ابقاء نفوذ هذا الحلف مع تحجيمه ولكن ليس إلى درجة تفكيكه.
اختار النظام منذ البدء، الترويج لدخول الجماعات المسلحة المتطرفة منذ الأيام الأولى للثورة السورية، وقبل ثمانية أشهر من ظهور أي مقاتل يحمل السلاح في وجه النظام .. ولم يكن تصاعد التخويف الأمريكي والروسي من الجماعات المقاتلة المتطرفة او التي تتبع القاعدة سوى امتداد لتطورات الحالة السورية بعد فشل النظام في سحق الثورة... بما يدعم الضغط لإجراء عملية سياسية من اجل اخضاع الجميع لرؤية تُشرك المعارضة عبر ممثلين في حكومة تتقوى بالنواة الصلبة المتبقية للنظام.
كيف يمكن لمن يحمل بدهيات العقل السياسي ناهيك وهو يخوض مرحلة كبرى ان يعلن كما اعلنت جبهة النصرة ولاءها لتنظيم القاعدة. هل كنا امام صناعة جديدة لجبهة نصرة تعمل على ضرب مشروعية الثورة السورية وتعطي النظام اكسجين الحياة التي يمده بالبقاء!!
سورية في قلب منطقة تجعل الصراع حولها وفيها كبيرا ومؤثرا. التفاهمات الروسية - الامريكية حول الشأن السوري تعتمد الضغط على المعارضة والثوار من أجل تمرير عملية سياسية، قد تضحي برأس النظام، ولكن هل تكون النتائج بمستوى التضحيات التي قدمها شعب يتطلع للحرية والانعتاق من جور النظام وبناء الدولة على أسس جديدة؟!