الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا تريد روسيا باستثناء تفتيت سوريا

ماذا تريد روسيا باستثناء تفتيت سوريا

27.10.2015
خيرالله خيرالله
المستقبل



المستقبل
الاثنين 26/10/2015
يصعب، بعد شهر من انطلاق العمليات العسكرية الروسية في سوريا التكهن بما تريده موسكو... باستثناء تفتيت سوريا. الثابت أن روسيا استندت، في انضمامها للحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري، الى ان ما تقوم به كان بناء على طلب من "الشرعية" في سوريا.
في الإمكان الحديث عن "شرعية" في اي مكان في العالم باستثناء سوريا التي تعاني اوّل ما تعاني من غياب الشرعية فيها منذ نشوء الكيان، اللهمّ الّا اذا استثنينا مراحل قصيرة في فترة ما بعد الاستقلال وفي السنوات التي سبقت الوحدة مع مصر في العام 1958.
لا شرعية من أيّ نوع كان في سوريا. هناك بكلّ بساطة محاولة روسية لتعويم بشّار الأسد. لم تبدّد تصريحات رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف هذا الواقع على الرغم من محاولته الإيحاء بأنّ "المصالح القومية لروسيا" غير مرتبطة بشخص الأسد الابن.
المحزن أنّه كان في استطاعة روسيا، عن طريق المساهمة في قيام نظام شبه معقول في سوريا، حماية مصالحها. هذا اذا كانت لديها مصالح، باستثناء مخزون الغاز السوري ومنع تمرير الغاز الخليجي الى المتوسط عبر الأراضي السورية. كان ذلك ممكناً في بداية الثورة السورية، لو لم تزوّد موسكو بشّار بكلّ ما من شأنه متابعة حربه على شعبه، وذلك في وقت كانت إيران، ولا تزال، تدفع ثمن السلاح المستخدم في حرب الإبادة التي يتعرّض لها السوريون.
كلّما طالت الحرب في سوريا، طالت احتمالات تفتيت البلد، خصوصاً بعدما تبيّن ان التدخلين الإيراني والروسي يقومان على أسسس ذات طابع مذهبي أولاً وأخيراً. بالنسبة الى روسيا، ان "المصالح القومية" تعني، اضافة الى الاهتمام بالغاز، المحافظة على المؤسسة العسكرية التي يسيطر عليها ضباط علويون تعلّموا في الأكاديميات السوفياتية ثمّ الروسية وتخرّجوا منها.
بالنسبة الى إيران، لا همّ آخر غير المحافظة على بشّار الأسد من منطلق انّه يمثّل حكماً عائلياً وعلوياً في الوقت ذاته. حكمٌ قَبِل أن يكون تابعاً كلّياً لـ"الوليّ الفقيه" في طهران.
هذه التبعية، جعلت الأسد الابن مختلفاً الى حدّ ما عن والده الذي حافظ على نوع من التوازن في العلاقة بين سوريا من جهة وايران والدول العربية من جهة اخرى. هذا لا يعني بأي شكل ان نظام حافظ الأسد لم يكن طائفياً فئوياً، يسعى الى الثأر، بمقدار ما انه كان يعني أن الأب كان حريصاً على ايجاد دور له بين العرب وايران.
كان يلعب هذا الدور، علماً ان العرب عموماً كانوا يعرفون في العمق مدى انحيازه لإيران وخطورة لعبته ذات الطابع المذهبي التي كان لبنان إحدى الساحات الي تجلّت فيها بوضوح ليس بعده وضوح.
كذلك، تكشّفت هذه اللعبة من خلال انحيازه الى جانب ايران في حربها مع العراق بين 1980 و1988، وهي حرب كان كلّ أهل الخليج يقفون خلالها مع بغداد، ليس حبّاً بصدّام حسين ونظامه، بل حفاظاً على التوازن الإقليمي لا أكثر.
تسعى روسيا في الوقت الحاضر الى انقاذ نظام سقط قبل سنوات عدة. سقط هذا النظام، الذي لم يمتلك شرعية يوماً، في اليوم الذي تمرّدت فيه درعا نظراً الى انها كانت ترمز الى الحلف الذي أقامه حافظ الأسد مع سنّة الأرياف. اقام هذا الحلف لتغطية نظامه العلوي من جهة ولإيجاد توازن مع سنّة المدن الكبرى، اي دمشق وحلب وحمص وحماة، من جهة أخرى.
لن يكون في استطاعة روسيا إنقاذ نظام لا شرعية له. ألم تتعلّم من التجارب التي مرّت بها مع دول أوروبا الشرقية؟ أين بولندا وتشيكيا وسلوفاكيا ورومانيا وهنغاريا وبلغاريا، بل أين ما كان المانيا الشرقية؟
كانت هناك في سوريا شرعية شكلية قامت في الأصل على ترتيبات معيّنة، في الداخل والإقليم. عرف حافظ الأسد كيف يدير هذه الترتيبات وكيف يتحكّم بها، مستفيداً الى أبعد حدود من مغامرات صدّام حسين التي توجّها بغزوة الكويت في العام 1990. فقدت الشرعية الشكلية مع بشّار الأسد آخر ما كان يمكن ان يحافظ عليه من إرث والده، خصوصاً بعد دخوله في مواجهة مع سنّة الأرياف وبعدما سلّم قراره لإيران. كان الدليل على ذلك تغطيته عملية اغتيال رفيق الحريري ورفاقه والتي بات معروفاً من نفّذها على الأرض والظروف الإقليمية التي أحاطت بها فضلاً عن اندراجها في سياق المشروع التوسعي الإيراني الذي بدأ يأخذ بعداً جديداً مع الاجتياح الأميركي للعراق في ربيع 2003.
تلعب روسيا لعبة خطرة بالتنسيق مع ايران. يدل على خطورة اللعبة بدء سقوط قتلى روس في الأراضي السورية. انها لعبة خطرة لسبب في غاية البساطة يتمثّل في سعيها الى فرض نظام لا شرعية له على الشعب السوري بالقوّة. أقصى ما يمكن أن تحقّقه روسيا هو انتصارات عسكرية في المدى القصير. تستطيع روسيا المساعدة في الانتصار على الشعب السوري. ولكن ماذا بعد؟
في المدى الطويل، يمكن لروسيا استكمال ما بدأته في الماضي البعيد، أي منذ خمسينات القرن الماضي. قامت إبان الحرب الباردة في كلّ ما يمكن القيام به من أجل إضعاف سوريا وتحويلها الى بلد تابع لها. نجحت أحياناً واخفقت في أحيان أخرى على الرغم من كل استثماراتها في بلد تُعتبر قيادته البعثية المسؤول الأول عن توريط مصر في حرب الأيام الستّة في حزيران/يونيو 1967.
بين روسيا وإيران، لن تعود سوريا يوماً دولة موحّدة. كلّ ما تستطيع موسكو تقديمه هو مزيد من التعميق للشرخ الطائفي والمذهبي. ما نشهده هو مساهمة روسيا في اعادة رسم خريطة الدول وحتّى خريطة الشرق الأوسط كلّه. فـ"داعش" الذي تدّعي روسيا محاربته هو الحليف الأوّل للنظام السوري. لولا النظام السوري ولولا السياسة الإيرانية في العراق، لما كانت "داعش" أصلاً.
بات كلّ ما يمكن قوله إن إطالة الأزمة السورية، في ظلّ الهجرة المستمرّة للسوريين من بلدهم، لا يصبّ سوى في مزيد من الانهيارات تطال البلد وتطال كلّ مؤسساته، بما في ذلك المؤسسة العسكرية التي لا تزال موسكو تراهن عليها. هذا الرهان في غير محلّه.
هذا عائد أوّلاً وأخيراً الى أنّ هذه المؤسسة لم تلعب يوماً الدور المطلوب منها على الصعيد الوطني، خصوصاً عندما غيّر حافظ الأسد تركيبتها على نحو جذري، بما يتوافق مع النظام القمعي الذي اقامه والمعتمد اساساً على طائفته العلوية والتحالفات التي بناها مع سنّة الأرياف والأقلّيات.
بين روسيا وايران، ضاعت سوريا، لا لشيء سوى لأنّه لا يمكن البناء على وهم، اسمه نظام بشّار الأسد. هذا النظام لم يعد يصلح سوى لشيء واحد هو الانتهاء من سوريا. هل هذا ما تريده روسيا، المتحالفة مع إسرائيل، في حربها المشتركة مع إيران... على الشعب السوري؟