الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا خسرت تركيا في سوريا؟

ماذا خسرت تركيا في سوريا؟

28.02.2016
د. محمد نور الدين


الشرق القطرية
السبت 27-2-2016
تركت الحرب في سوريا أثرها على جميع الدول المحيطة بسوريا وتلك البعيدة عنها. فكل دول المنطقة خصوصا المسلمة والعربية منها ذات بنية متشابهة من التنوع العرقي والديني والمذهبي.
ولكن من بين الدول التي تأثرت كثيرا بالأزمة في سوريا كانت تركيا. وتركيا ليست دولة صغيرة في المنطقة فلها مصالحها ولها تطلعاتها.
الحرب في سوريا أسفرت عن ثلاث نتائج جوهرية (يمكن تعداد أكثر من ثلاث) تمس عميقا عناوين السياسة الخارجية لتركيا بل أمنها القومي في بعض جوانبه.
ليس من أحد كان يتوقع المسار الذي سلكته الأزمة السورية ولكن التقدير الاستراتيجي السليم كان يمكن له على الأقل أن يخفف من التطورات المفاجئة غير المتوقعة وبالتالي من تأثيراتها.
أولا نشوء حالة كيانية كردية في شمال سوريا تشبه الحالة الكيانية الكردية في شمال العراق. وهذا يفسر جانبا من الغضب التركي الأخير تجاه ما يجري في سوريا وتقدم قوات الحماية الكردية في أكثر من منطقة.
الحالة الكردية في سوريا تشكل تهديدا لتركيا وفقا لزاوية القراءة التركية وليس بالضرورة ذلك وفقا لقراءات أخرى. التمدد الكردي في شمال سوريا يجعل تركيا أمام جار "جديد" نوعيا هو الأكراد، ويقطع صلتها بالعالم العربي إلى حد كبير بعدما قطعت الصلة مع العرب في شمال العراق بنشوء الكيان الكردي.
والبعد الثاني من الحالة الكردية في سوريا أن أكراد سوريا وقياداتهم السياسية على صلة مباشرة بأكراد الداخل التركي مما يضفي علاقة جدلية بين الواقع الكردي على جانبي الحدود لتكون تركيا أمام تحد كردي يتجاوز حدودها إلى الجنوب.
ثانيا خسرت تركيا من جراء الحرب في سوريا روسيا الاتحادية التي كانت إلى بضعة أشهر خلت شريكا استراتيجيا لتركيا على جميع الأصعدة. التدخل الروسي العسكري في سوريا قلب التوازنات رأسا على عقب. وكان إسقاط تركيا لطائرة قاذفة روسية في نوفمبر عام 2015 نقطة التحول في اتجاه قطع هذه الشراكة كلية ومن أكبر نتائجها إغلاق المجال السوري كلية أمام حركة الطائرات الحربية التركية وتقييد حركتها حتى على الجانب التركي من الحدود. وكانت خسائر تركيا على الصعيد الاقتصادي هي الأكبر بحيث تأثر القطاع الزراعي والسياحي سلبا أمام العقوبات الروسية كما التفجيرات في الداخل التركي. لقد "كسبت" تركيا روسيا عدوا جديدا من الشمال ومن الجنوب وهذا وضع لم يسبق لتركيا أن واجهته حتى في ذروة الحرب الباردة.
ثالثا لم تكن تركيا تتصور يوما أنها ستكون على نقيض حليفها الاستراتيجي الولايات المتحدة في بعض العناوين الأساسية. ومن ذلك الموقف من أكراد سوريا حيث سعت تركيا حثيثا في الأيام الأخيرة لتفرض على واشنطن رأيها بأن حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا تنظيما إرهابيا. بينما كانت الإدارة الأمريكية بكل مسؤوليها ومواقعها تكرر يوميا أن الحزب المذكور ليس إرهابيا. لقد بنت أنقرة أغلب سياستها السورية في الأشهر الأخيرة على قاعدة أن حزب الاتحاد الديموقراطي منظمة إرهابية، وهذا يعني، لو وافقت واشنطن على هذا التوصيف، سحب ورقة الأكراد من تحت أقدام أمريكا. في حين أن واشنطن تعمل على الإمساك بالورقة الكردية في سوريا كما أمسكتها في العراق تمهيدا لإمساكها في دول أخرى وهي ورقة أساسية في سياسة أمريكا السورية وفي المنطقة.
هذه التحديات الثلاثة التي تواجهها تركيا اليوم هي من نتاج الأزمة في سوريا. والاقتناع السائد في تركيا نفسها والذي يضغط على سلطة حزب العدالة والتنمية أن تركيا كان يمكن لها ألا تصل إلى هذه النتائج لو أنها اتبعت تجاه سوريا والمنطقة ككل، سياسات واقعية بعيدا عن الشعارات الإيديولوجية التي تثير من الخصومات أكثر مما تكسب أصدقاء.