الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا خسر حزب الله بمواقفه الأخيرة؟

ماذا خسر حزب الله بمواقفه الأخيرة؟

13.06.2013
الفاتح كامل

القدس العربي
الخميس 13/6/2013
في عام 2006 وعقب الاندحار الاسرائيلي من لبنان، كانت جموع الشعب العربي أغلبها، إن لم نقل كلها، تقف خلف رجال حزب الله، عدا قلة قليلة أدمنت الهزيمة بمختلف أنواعها ومسمياتها. في ذلك الوقت تحديداً كتبنا بيقين تام فرحا بذلك الانتصار عن (مشروع الهيمنة إذ يخسر).
في ذلك الوقت أيضاً حذرنا من أن يُجير ذلك الانتصار لمصلحة دولة اسرائيل المهزومة حينها، بأن يجر حزب الله جراً لمواقع تبدد صورة ذلك النجاح.
في سياسة النفس الطويل التي يحسن استخدامها الغرب جيداً، ونحن تحديداً في منتصف العام 2013، ينجح المخطط. فما الذي تغير في المشهد حتى نطالع خلال الايام القليلة الماضية الاستطلاع الذي أجرته قناة الجزيرة الفضائية والذي صدمنا عنوانه قبل الولوج في نتيجته النهائية (الغالبية ترى حزب الله عدوا للعرب والمسلمين) وعلى الرغم من الأخذ في الاعتبار المحاذير التي تحيط بمثل هكذا استطلاعات، ولكنها في كل الأحوال، رغم التحفظات التي قد يبديها البعض، فانها تؤشر الى ما حدث من تغيرات في المشهد العربي الحالي. فماذا حدث وما الذي تغير؟

في البدء من ناحية استراتيجية نحن نعلم وقد حذرنا مع غيرنا من بعض الذين قلوبهم على أهل هذه المنطقة الموسومة بالشرق أوسطية، حسب المصطلحات الغربية، وقبل سنوات عديدة وتحديداً في عام 2003 من خطورة احتلال العراق، الذي سيكون مقدمة لتفتيت هذه المنطقة وتقسيمها، هذا المخطط الذي كان في طور المؤامرة وقتها حينما حذرنا منه، وفي كتابين كاملين أولهما ‘الحروب الأمريكية الجديدة’ الصادر في قاهرة المعز عام 2005، بعد احتلال العراق، والثاني ‘مؤامرة تقسيم السودان’ الصادر في بيروت عام 2010، قبل اجراء الاستفتاء الذي جرى في السودان عام 2011، والذي بموجبه تم تقسيم أكبر دولة عربية على الأطلاق لدولتين متناحرتين وهو ما حذرنا منه وقتها، وهو ما لم تلتفت إليه اغلبية النخب العربية، خصوصاً المصرية منها التي كانت تجأر من عمالة النظام المصري السابق، الذي بموجبه سوف تدفع مصر الكثير في مقبل الأيام من الأمن المائي لشعبها، بعدما أشهرت إثيوبيا سيف سد النهضة، ويكفي ما أوردته بعض الوسائل الإعلامية مؤخراً من عناوين يشيب لها رأس الوليد (مصر تواجه أصعب اختبارات السياسة الخارجية. اثيوبيا تحول مجرى النيل وتبدأ في بناء سد النهضة. خبراء: الرسالة بأن اللجنة الثلاثية لا قيمة لها)، و(تخوف سوداني من تحويل مجرى النيل الأزرق) و(خبير مائي مصري: امريكا وضعت الحلول المائية لاثيوبيا لعرقلة مصر اقتصاديا). ‘
من المضحكات المبكيات والشيء بالشيء يذكر، برنامج ملفات الذي عرضته الفضائية السودانية قبل أيام قليلة من لندن عاصمة المعلومات، ما استوقفني حقيقة عنوان الحلقة ـ الحقيقة المؤلمة انني زاهد تماماً في الإعلام السوداني برمته بعد هذا الدرك الذي وصل إليه، مع أننا عَلمنا من قبل أغلبية دول المحيط المجاور أبجديات هذا العمل، مع كل هذا هم الآن يسبقوننا بخطوات كثيرة لا تحصى ولا تعد، بعد أن احتل إعلامنا وبكل أسف الصفوف الأخيرة من مصفوفة الإعلام العربي ولمصفوفة الإعلام العربي هذه قد نعود في مقبل الأيام إن أذن الله ـ نعود لما استوقفني في تلك الحلقة التي كان ضيفها السفير الفرنسي الأسبق، عنوان الحلقة الذي ينم عن جهل مطبق بما يجري من حولنا ـ مخطط تقسيم السودان: حقيقة أم خيال ـ والله أنا محتار في كيفية توصيف واضع هذا العنوان، الذي تحمس لبثه ووقف من ورائه، ففرنسا أولاً ضالعة في تنفيذ هذا المخطط من رأسها حتى أخمص قدميها، وثانياً البلد يا جماعة الخير تم تقسيمها بالفعل لدولتين وأجزاء أخرى من البلاد معرضة لنفس المصير، وبعد ذلك نتحدث عن حقيقة أم خيال! ثم ان كلمة مخطط نفسها تجاوزها الزمن، فنحن دخلنا مرحلة التنفيذ الفعلي للتقسيم في كثير من دولنا العربية، مصر ـ السودان، العراق، سورية ولبنان.
نعود لموضــــوعنا الأساسي بعد هذا الاسترسال الذي يصب في مصلحة صلب هذا الموضوع (ماذا خســــر حزب الله بمواقفه الأخيرة؟) فحقيقة كــــثير من أوضاعنا العربية تفقع المرارة ولا حــول ولا قوة إلا بالله.
نحن نفهم تماماً المخطط الإستراتيجي للاستفراد بإيران الدولة الإسلامية وصاحبة البرنامج النووي الطموح، وقد كتبنا في ذلك كتابا صدر ببيروت (المواجهة النووية القادمة)، هذا المخطط الذي يهدف لفصلها عن دول ما بات يعرف بالهلال الشيعي ـ والمصطلح نفسه خبيث لأنه جاء مقابل الهلال السني، لنعرف فقط في أوقات متأخرة دائماً جداً كما حدث في غزو العراق، أن الغرب يجرنا لقتل بعضنا البعض خدمة لمصالحه الضيقة فقط ـ هذا المخطط الذي ينفذ الآن لإخراج سورية نهائياً من اللعبة، سورية حلقة الوصل المهمة بين إيران وحزب الله، عندما يتم تدمير سورية تقطع خطوط الإمداد عن حزب الله، حينها فقط يستدرج حزب الله لحرب مع إسرائيل تكتب فيها نهايته. بعد تدمير هاتين الحلقتين المهمتمين، تكون الثمرة الإيرانية قد حان قطافها على طريقة استنزاف العراق بفرق التفتيش الدولية عن أسلحة الدمار الشامل وغيرها، قبل أن تكتب لكل طموحاتها النووية وغيرها النهاية في شكل غزو ظاهر أو مستتر.
هذا ما نفهمه ونتفهم معه مواقف حزب الله الأخيرة، لكن ما لا يريد عقلنا أن يفهمه أو يتفهمه، لماذا يربط مصير دولة بأكملها، دولة بحجم سورية عاصمة الخلافة الأموية، ومصير البلاد كلها برجل واحد مهما كانت مواقفه في الممانعة أو غيرها. رجل ووالده منحا أكثر من أربعين عاما في حكم الفرد الواحد، فهل عقمت سورية عن انجاب رجال قادرين على تحمل المسؤولية من دون الارتماء في حضن الأعداء. هذا السؤال الذي أتمنى أن يجاوب عليه حزب الله بكل أمانة وقبل أن تضيع الفرصة عليه، كما ضاعت من قبل على العراق.
فإدارة حزب الله نفسها بشخص واحد مهما كانت مكانته (الشيخ حسن نصرالله)، فيها كثير من المخاطر، فناهيك عن الديكتاتورية والتسلط والاستفراد بالرأي من جراء وضع كهذا، فإن نهاية الحزب نفسها قد تكتب مع نهاية حياة ذلك الشخص. والانقسام الشيعي (تصريح أحد المراجع الشيعية، رفض فيه مواقف نصرالله الأخيرة وانها لا تمثل الطائفة الشيعية كلها) الذي نسجله اليوم بجانب قتل المزيد من جنود حزب الله في معركة في غير موقعها الصحيح، أبرز ملامح هذا الفشل الذي نرصده قبل استطلاع قناة الجزيرة أو غيرها.