الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا عن اتحاد للسوريين في أوروبا؟

ماذا عن اتحاد للسوريين في أوروبا؟

27.02.2019
وسام الناصر


سوريا تي في
الثلاثاء 26/2/2019
هل من الممكن للسوريين في أوروبا تجاوز الإخفاقات المتكررة في الحقل السياسيّ وتحقيق اختراق في المجالين الاجتماعيّ والثقافيّ؟ هل ممكن كسر السرديات الرائجة حول تشتّت وتبعّثر السوريين وعجزهم عن النهوض بأيّ عمل جماعيّ في السياسة كما في غيرها من المجالات؟
تَشغل هذه التساؤلات مجموعة من الشباب السوري في أوروبا، أطلقوا مؤخراً مبادرة للعمل الجماعيّ، أتيحت لكاتب هذه السطور الفرصة بأن يكون مراقباً وشاهداً على إرهاصاتها الأولى. بدأت الفكرة عبر نقاشات أوليّة عقدها عدد من الشباب تمحورت حول ضرورة بناء جسور تواصل بين السوريين، والعمل على كسر عزلتهم، ومحاولة النهوض بالإنسان السوري اجتماعيّاً وثقافياً. طُرحت أفكار عديدة للنقاش، بعضها مرتبط بقضايا الاندماج وصعوبات الحياة اليوميّة، وبعضها الآخر متعلّق بتجارب الجاليات في أوروبا، وعلى رأسها الجاليات العربيّة، بكل ما فيها من سلبيّات وايجابيّات.
توّسعت دائرة النقاشات سريعاً لتضم ما يقارب عشرين شاباً وشابة، كثفّوا لقاءاتهم عبر مواقع التواصل
تم طرح استفتاء حول الاسم الأنسب للتجمع، وكان الاختيار بين "اتحاد اللاجئين أو اتحاد المهاجرين السوريين" وبعد نقاشات لعدة أيام، حُسم الأمر باسم "اتحاد السوريين في أوربا"
الاجتماعيّ، ليعلنوا في بيانهم الأول بتاريخ 5 فبراير 2019، باللغتين العربيّة والإنكليزيّة، عن تشكيل "الهيئة التأسيسيّة لاتحاد السوريين في أوروبا" ومكتب تنفيذي يضم ثمانية أشخاص. وبعد أيام قليلة أعلن الاتحاد عن نظامه الداخلي والذي حدد فيه ملامحه وأهدافه العامة. أبدى الشباب انفتاحاً واضحاً على الجمهور من خلال تفاعلهم معه عبر صفحتهم على فيسبوك أو في صفحات عامة أو شخصيّة أخرى. فعلى سبيل المثال، تم طرح استفتاء حول الاسم الأنسب للتجمع، وكان الاختيار بين "اتحاد اللاجئين أو اتحاد المهاجرين السوريين" وبعد نقاشات لعدة أيام، حُسم الأمر باسم "اتحاد السوريين في أوربا" في محاولة لجعل أبوابه مفتوحةً أمام أوسع شريحة من السوريين.
من المبكر جداً الحكم على هذه المبادرة، فهي ما تزال في طور التأسيس والبناء، إلا أننا نستطيع ملاحظة عدة أمور يمكن اعتبارها مبدأيّا نقاط قوّة يمكن البناء عليها، وتمكينها لتصبح رافعة تضمن استمراريّة المشروع ونجاحه:
النقطة الأولى، هي الديناميّة والحيويّة التي يتمتع بها هؤلاء الشباب؛ فهم خَبروا وطنهم الأم وعايشوا خيباته ومآسيه، وعرفوا أيضاً الحياة في أوروبا ويسعون للاستفادة من مناخ الحريّة لتنظيم أنفسهم بشكل جماعيّ فعّال. انعكست هذه الحيويّة في مستوى عقلانيّة نقاشاتهم وانتقالهم من مستوى التنظير للمشروع إلى حيّز الفعل بسرعة قياسيّة، وكذلك من خلال استخدامهم للشبكات الاجتماعيّة في تذليل المسافات التي تفصل بينهم.
النقطة الثانية، هي تجنّب العمل السياسيّ والتركيز على المجالين الاجتماعيّ والثقافي، وهذا قد يشكّل عنصر جذب لأطياف واسعة من السوريين الذين كفروا بالسياسيين وأيقنوا مدى استهتارهم بمصائر ومستقبل شعوبهم. يُدرك هؤلاء الشباب باختبارهم هذا أولوية القيام بثورة فكريّة هدفها بناء الإنسان أولاً ليكون فاعلاً في بلاد المغترب، وليشكّل طاقة كامنة ممكن أن تشارك في بناء الوطن لاحقاً.
النقطة الثالثة، تتلخص بالنزوع نحو قدر جيد من الشفافيّة والمرونة، فالقائمون على المشروع دخلوه بأسمائهم الحقيقيّة، ويعلنون صراحة عن كل خطواتهم بشكل واضح لا لبْس فيه. فهم لا يبيعون الوهم، ولا يدّعون تمثيل كلّ السوريين؛ بل تركوا الباب مفتوحاً لمن آمن بأفكارهم المُعلن عنها، وشدّدوا على أنّ كل شيءٍ مفتوح للحوار والنقاش والتعديل
أما النقطة الرابعة والأخيرة، فهي متعلّقة بالاستقلال الماديّ الذي يصبو الاتحاد إلى تحقيقهِ، وذلك بالاعتماد على اشتراكات أعضائه كمصدر أول للتمويل، وفق ما حدده النظام الداخلي (10 يورو رسم اشتراك يُدفع لمرة واحدة، بالإضافة إلى اشتراك شهري 2 يورو)، إلى جانب المنح الحكومية وتبرعات الأفراد والمنظمات الدوليّة. سيعطي الاستقلال المادي هامش حركة واسع للاتحاد وسيحرره من الكثير من الالتزامات والتوجهات التي قد يفرضها الممولون، إلا أن تحقيق هذا الشرط ليس بالأمر الهيّن ويحتاج إلى توفير مصادر للدعم المستمر وغير المشروط؛ حيث إن اشتراكات الأعضاء في المراحل الأولى لن تغطي وحدها تكاليف ما يخطط له الاتحاد من نشاطات وفعاليات متنوّعة.
يؤكد الشباب في "اتحاد السوريين في أوروبا" على أنّ كل ما يقومون به
التحدي الأكبر أمام هذه المبادرة يكمن في نجاحها في استقطاب أكبر شريحة من السوريين وتحفيزهم على العمل الجماعيّ
اليوم يعتبر مرحلة تأسيسيّة وكل ما ورد من أفكارٍ ومبادئ ستكون قابلة للنقاش والتطوير عند انعقاد المؤتمر التأسيسي الأول. وتلقى فكرة الاتحاد استحسانَ وتشجيعَ عينات واسعة من السوريين في أوروبا وخارجها، ويزداد المنضمّون لصفحة الاتحاد على فيسبوك يوماً بعد يوم. إلا أن التحدي الأكبر أمام هذه المبادرة يكمن في نجاحها في استقطاب أكبر شريحة من السوريين وتحفيزهم على العمل الجماعيّ، في ظل حالة الركود واليأس من جهة، وانشغال الغالبيّة بالمشاكل اليوميّة في بلدان أوروبا، التي بقدر ما تبدو الحياةُ فيها سهلةً ويَسيرة، بقدر ما هي معقّدة وصعبة.