الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا لو انتصر الأسد؟

ماذا لو انتصر الأسد؟

10.10.2019
درويش خليفة



القدس العربي
الاربعاء 9/10/2019
في عام 2012 كتب الروائي السوري "مصطفى خليفة" مقالا بعنوان ماذا لو أنتصر الأسد، تناول من خلاله حقد النظام على مناهضيه وقسوته العقابية والانتقامية واستسهاله قتل معارضيه، وربط انتصار النظام بالعنف والطائفية.
ورأى أن مقولة النظام سيخرج ضعيفا حتى لو انتصر هي مقولة غير صحيحة لأن صراعه أساساً ليس مع أي قوة خارجية، وهو ليس بوارد مواجهة مع أي طرف إقليمي أو دولي، إنما مواجهته مع الشعب، الذي قد خرج منتصراً والمنتصر لن يكون ضعيفاً.
بعد سبعة أعوام من مقالته، أطرح اليوم العنوان ذاته، ماذا لو أنتصر الأسد؟ إذ يوجد إدراك لدى الكثير من الدول أن الأسد قد ينتصر، وهذا ما دفعهم إلى تغيير موقفهم منه، بعيداً عن الدعوات الغربية للإطاحة به، منذ بداية الاحتجاجات الشعبية عام 2011 وما تبعها من تصريحات للرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون ومطالبتهم للأسد بالرحيل.
 
الغوطة الشرقية
 
وتغاضيهم عن قصف الغوطة الشرقية في ضواحي دمشق بالسلاح الكيميائي في أغسطس/آب من عام 2013، والذي أودى بحياة ما يقارب الـ 1400 شخص جلهم من الأطفال والنساء.
واستمرار إجرامه طيلة ثماني سنوات بمشاركة إيرانية فاعلة، معتمدة على التغيير الديمغرافي كسلاح يُفقد السوري انتماءه الوطني والجغرافي.
حقيقة، القلق على حياة السوريين، وكرامتهم، وهويتهم الوطنية أو حتى التحول الديمقراطي، لا يأتي ضمن الأولويات لهذه الدول، وهذا طبيعي بعد صناعة تنظيم الدولة، الذي لا يحمل شهادة منشأ، والذي صوره الإعلام الغربي بأنه البعبع القادم من الشرق.
وهنا بدأ التركيز على مجريات الأحداث في سوريا عبر توجيه الإعلام، على محاربة التنظيم وتجاهل ما يقوم به النظام من قتل واعتقال وتدمير للبنى التحتية، والتي دُمرت بفعل البراميل المتفجرة والصواريخ الموجهة للقضاء على الشعب السوري المناهض للسلطة الفاجرة، ليُختزل حلم الشعب السوري في دولة ديمقراطية عصرية، في البحث عن مكان يؤويهم وأطفالهم ويجنبهم القصف والدمار بأعتى آلة عسكرية همجية لا تعرف أدنى اخلاقيات الحرب ولا تكترث لحقوق الأنسان وشرعته الدولية. .
 
الفيتو الروسي
 
اعتمد النظام على حلفائه الطائفيين المدعومين من إيران وذراعهم التنفيذي في المنطقة "حزب الله" والحشد الشعبي العراقي وكذلك استخدام الفلسطينيين السوريين الموالين له في كيان تحت مسمى لواء القدس ليكونوا في صفه برياً، وليترجم استراتيجيته الطائفية بكل حذافيرها في قتل معارضيه دون أي اعتبارٍ للقرارات الدولية والأممية التي صدرت بحقه، مستنداً على الفيتو الروسي وعدم اكتراث العالم لما يحصل في سوريا من مجازر شبه يومية.
وبقي المشهد العسكري السوري في حالة شدً وجذب حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2015 لحظة التدخل الروسي بشكل مباشر لترجيح كفة النظام على حساب سيطرة الثوار باعتمادهم سياسة الأرض المحروقة بقصفهم المدن والقرى السورية الخارجة عن سيطرة النظام بكافة أسلحتهم المتطورة وكفرصة لتجريبها بشكل فعلي لتسويقها فيما بعد، وكل ما حصل، كان على حساب تدفق شلال الدم السوري دون تحريك ساكنً ممن أدعوا نصرتهم وصداقتهم للشعب السوري المقهور.
أرادت روسيا فيما بعد أن تظهر للعالم أجمع أنها تدخلت لترعى الحل في سوريا بطرحها سيناريو أستانا الذي تخلله الهدن المناطقية والاتفاقيات المحدودة التي أدت لتهجير ابناء المناطق الثائرة نحو الشمال السوري وتحديداً إلى إدلب، التي اختارت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) سابقا، أن تكون فيها، لوسم المعارضة والفصائل العسكرية بالإرهاب من خلال تجميعهم في قطاع تحكمه نسبياً هيئة تحرير الشام.
ومع كتابة هذه السطور، مازال القتل والتدمير واستخدام الأسلحة الكيميائية مستمراً في مناطق إدلب، ومازال المعتقلون يصارعون الموت ليل نهار في سجون طاغية العصر بشار الأسد. ماذا لو أنتصر الأسد؟
محلياً: سينمو الانتماء الطائفي على حساب الانتماء الوطني وهذا ما سيجعل المنطقة في حالة غليان دائم لتحصيل مكاسب ما دون وطنية، وستكون المنافسة على إرضاء الغرب شديدة لنيل الدعم السياسي والعسكري لكل مكون.
 
عودة الهيمنة الأمنية
 
عودة الهيمنة الأمنية بأسلوب ناعم لحين تمكن النظام من فرض هيبته على المجتمع السوري.
محاربة نشوء احزاب قادرة على دخول المعترك الانتخابي ليبقى الحكم بيد حزب البعث، ومحاربة فرص ظهور منظمات مجتمع مدني مستقلة بعيدة عن هيمنة السلطة والأفرع الأمنية.
تفكيك بنية المجتمع وزرع الطبقية بين أفراد ومكونات الشعب السوري وتهميش المناطق التي ثارت على السلطة خدمياً وثقافيا وسياسياً.
إقليميا: ستفقد شعوب المنطقة الحماس في أي محاولة جديدة للمطالبة بحريتها وانعتاقها عن سلطات الاستبداد والتحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية.
سوف تخرج إيران للعالم وتقول إنها تحارب الإرهاب وعلى المجتمع الدولي أن يتعامل معها كشريك فعال في المنطقة، لحفظ مصالح الدول وقواعدها العسكرية المنتشرة في سوريا والتي يبلغ عددها حتى تاريخ كتابة هذا المقال 39 قاعدة موزعة بين الروس والأمريكان والأتراك بنسبة أقل، وبالتالي تبقى القواعد الإيرانية في الجنوب السوري دون مطالبتهم لها بالانسحاب.
بقاء الفجوة التي أحدثها نظام الأسد في محيطه ودول الجوار بسبب معاداته لجميع من طالبه بالكف عن إجرامه بحق السوريين، وبالتالي هذا ما سينعكس سلباً على علاقات الجوار وعلى المصالح الاقتصادية في الإقليم.
دولياً: ستعود روسيا سيرتها الأولى كما كانت قبل 1991 في عهد الاتحاد السوفياتي وتوزع نفوذها بالشراكة مع الأمريكان على المنطقة وليس على سوريا فقط.
إقناع الأسد من قبل الروس بتفعيل علمية السلام مع إسرائيل وبشروط الأخيرة.
فتح خط جديد بين الخليج والأسد برعاية روسية وموافقة أمريكية، وهذا ما يؤدي لبقاء معارضي النظام خارج البلد لفترة طويلة وخسارتهم لحليف قوي كدول مجلس التعاون الخليجي.
لو بقي الأسد، أمريكا لن تساعد في دفع أي مبلغ في إعادة الإعمار وهذا ما يجعل الفرص أقرب لحلفاء روسيا، وبالتالي سيتوزع النفوذ الروسي وحلفاؤه على سوريا لعشرات السنين.
سوف تفتح الصين خطاً لطريق الحرير مع سوريا بقيادة الأسد وهذا ما يعزز نفوذها على حساب النفوذ الأمريكي والأوروبي على وجه الخصوص.
أمام هذه الأحداث الكبيرة في سوريا لم يعد للسوريين دور في صناعة مستقبلهم الذين طالما حلموا به.