الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا لو بقيَ ((نظام الأسد))

ماذا لو بقيَ ((نظام الأسد))

04.07.2017
د. يحيى العريضي


كلنا شركاء
الاثنين 3/7/2017
ماذا لو بقي ((نظام الأسد)) ؟ ماذا سيحل بسوريا والشعب السوريِّ؟
سؤالان طرحْتُهما عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي. وجاءت الإجابات الكثيرة والمتباينة من أناس مشتتين مختلفين ومتباعدين، ليسوا باحثين أو متخصصين بالشأن السياسي. لكنَّهم أجابوا جميعاً كأم حزينة مكلومة القلب على ابنتها سورية.
لقد عرف جميع المجيبين الجلَّادَ، وخبروا طبائع الاستبداد، ومنهم من اكتوى بنار ظلمه أو اصطلى بقهر جلاديه وجلاوزته، وكلُّهم عاش – أو قرأ على الأقل – في ظلِّ نظام لم تشهد البشرية مثيلاً له في صلفه وجبروته وحقده، نظام مستعد لفعل أي شيء مهما كان إجرامياً أو فظيعاً كي يحافظ على وجوده.
إنَّه نظام مستبد لم يعرف في يوم من الأيام الصفح والتسامح، ولم ير في المواطنين سوى ((رعية ورعاع))، أو جراثيم، ولم يعتد منهم سوى الخضوع والخنوع والخوف والطاعة المطلقة؛ إنَّه نظام لا يحتمل أي خروج عليه، ولا يحتمل سماع كلمة ((لا)). وإن تجرأ أن يفعلها أحد ما فعليه أن يتوقع أقصى العقوبات؛ وقد يكون أهونها الموت. ومن هنا، كان لصرخات السوريين المنادية بالحرية والكرامة هذه التكلفة الباهظة.
فما المُتَوقَّع، إن بقي؟
 تحول “النظام” إلى ميليشيا انتقام
سيكون النظام أكثرجنوناً وعنفاً، وأشدَّ فتكاً وانتقاماً ممَّا هو عليه الآن، وسيصفي حساباته مع معارضيه؛ بذريعة محاربة جيوب الإرهاب، وسيتحول القتل والتصفية الجسدية إلى سياسة يوميَّة ممنهجة. أمَّا الفساد الإداريُّ والاجتماعيُّ الشامل فسيكون نمط حياة. وسيتلازم هذا الأمر مع انتشار عصابات القتل والتعفيش والتهجير باسم مكافحة الإرهاب. وسيزج النظام بمعارضيه الذين لم يصفِّهم جسدياً بالسجون، وسيفعِّل عمل المحاكم الميدانية إلى الحدِّ الأقصى؛ وستشهد البلاد مليون مفقود جديد سيكونون مجهولي المصير، ينوسون بين مقابر النظام وسجونه وأقبيته.
ستقوم أذرع النظام السرطانية بشنِّ حملات تصفية تطال كبار المنشقين والمعارضين، وستتفاقم أوضاع السوريين في الداخل وفي بلدان اللجوء، وستستمر معاناة المهجرين لسنوات قادمة، وسيبقون في أماكن لجوئهم خائفين من استمرار البقاء، مذعورين من العودة ومواجهة مصير الاعتقال أو القتل؛ وسيساهم ذلك كلُّه بإحداث التغيير الديموغرافي المنشود، عبر تهجير المواطنين وتوطين الميليشيات الأجنبية وسورنتها، وهنا تأتي القرارات الخبيثة التي لا تتفتق عنها أذهان الشياطين أنفسهم كقرار تغيير البطاقات الشخصيَّة (الهوية) الذي سيحرم السوريين الذي غادروا البلاد وتجرؤوا على قول ((لا)) للنظام من حقهم بالجنسية السورية.
 هزيمة الحرية والعدالة والمساواة
سيزداد الفقير فقراً والثري ثراءً، ويزداد الفساد الأخلاقي والخراب الاجتماعي. وسيتفشى الجهل وتنتشر الأميَّة بأنواعها كافَّة، وستتغير قناعات الناس ومعاييرهم الأخلاقية والقيميَّة، وستنهار الثوابت الأخلاقية والمجتمعية والمعايير الوطنية، وتتحوّل سوريا في نهاية المطاف إلى دولة فاشلة على جميع المستويات وبكل ما للكلمة من معنى.
إذا بقي ((النظام الأسدي)) فهذا يعني أنه انتصر على أعدائه من طالبي الحرية والعدالة والمساواة بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم. وسيزيده هذا الانتصار ثقةً بنفسه وبالمعادلات الإقليمية التي أثبت من خلالها أنه اللاعب الماهر والوحيد في سوريا؛ ولذلك سيمارس أشد انواع الدكتاتورية التي عرفتها البشرية على الإطلاق؛ وسوف يتحول الشعب السوري إلى قطيع تحكمه الأسرة الأسديَّة مئات السنيين دون أن تقوم له قائمة.
وهكذا ستكون الشعارات الإنسانية وحقوق الإنسان و المساواة والعدالة ومحاسبة مجرمي الحرب من قبل دول العالم الأول مجرد خزعبلات وظواهر صوتيَّة. وهنا سيعترف العالم أجمع بهذا النظام وتتصالح جميع الأنظمة العربية والإسلامية والعالمية معه مبررةً فعلتها بأنها تقوم بذلك من أجل مصلحة الشعب السوري الذي تركته يُقتل ويُهجر عدة سنوات.
لا يُستبعد أن يلجأ الكثير من أفراد الشعب السوري لتغيير مذهبهم والتحول نحو التشيّع أو التعلون لحماية مصالحهم وخوفاً على ذراريهم. بالمختصر سيكون هناك تأجيل لأي مشروع وطني سوري لأجيال قادمة ما يفضي إلى  قتل أي أمل  عربي بالحرية.
((نظام)) في ظل الاحتلالات
إذا كان بقاء النظام نتيجة انتصار عسكري ساحق مع حلفائه؛ فستكون النتيجة تغول الطغمه الحاكمة ومزيد من التشريد والقتل للحاضنة الاجتماعيه للثورة؛ أما اذا كان بقاؤه نتيجه تسوية بين الروس والأمريكان واللاعبين الإقليميين الآخرين، فعندها سيتم تقليم أظافره وأنيابه وتحويل منصب الرئيس إلى منصب فخري مجرد من الصلاحيه لمده معينه بانتظار إعداد البديل. وهكذا لن يكون له قرار أو رأي في مستقبل سوريا. وستكون القرارت بيد الجهات الخارجية التى حافظت على بقائه.
سيكون الاحتلال روسياً بالدرجة الأولى ويكون له اليد العليا عسكرياً وأمنياً؛ ويمكن أن يتمدد سياسياً أيضاً. أما الاحتلال الإيراني  فسيتمدد دعوياً لنشر التشييع، واقتصادياً بحكم استثماراته المزمنة، وستزداد سلطة عملاء إيران في سورية أمام ضعف سلطة الشبيحة الأسديين؛ وسيحدث كثير من التصفيات البينيَّة نظراً إلى اختلاف التوجهات والعقائد والمصالح. وستتحول سوريا ((الدولة)) بالمختصر إلى معسكر ومقر لمخابرات إيران وروسيا، يُنطلق منه لتقويض الاستقرار في المنطقة، ولا يُستبعد أن تتصارع هذه الضباع مع بعضها ومع ما تبقى من هياكل الدولة البائسة.
أما الأمريكيون  فسيسيطرون على الموارد النفطية، وخاصة في الشمال والشمال الشرقي.
بقاء النظام يعني بداية نجاح المشروع الفارسي في منطقة الشرق الأوسط مما سيفضي إلى سيطرة كاملة لإيران على العراق والبحرين وبداية اهتزاز الحكم في الأردن و السعودية؛ وبعد ذلك تقسيم السعودية واليمن وتحريك ورقة الأكراد في تركيا تمهيدا لحكم ذاتي لهم؛ وبعد ذلك يبدأ الصراع الإسرائيلي الفارسي على منطقة الشرق الأوسط؛ و يصبح العرب تابعين لإحدى الدولتين.
وفي أسوأ السيناريوهات التي يمتزج فيها الاحتلال مع التقسيم، ستتحوّل سوريا إلى كانتونات أو مناطق نفوذ وسيطرة طائفية وإثنية تابعة إقليمياً ودولياً ؛ وستزداد الحرائق في المنطقة و تتغير الحدود  والخرائط. وهذا يجر المجتمع الدولي إلى خيارين أحلاهما مر؛ إما إبقاء بشار إلى فترة أطول، أو تقسيم سوريا إلى كنتونات متصارعة. والأخطر في هذا الأمر على المستوى الوطني هو أن النظام سيسعى إلى التقارب ودون مواربة مع الكيان الصهيوني، ما يعني بقاء الجولان السوري المحتل بيد إسرائيل، هذا إن لم تتمدد إسرائيل خارج الجولان قبل ذلك.
  سيناريوهات متفائلة، وأخرى ((متشائلة))
يرى البعض أن بقاء ((النظام الأسدي)) مستحيل، حتى ولو حاربت إلى جانبه أميركا وإسرائيل علناً، لأنَّ بقاءه عكس تطور البشر وعكس منطق الثورات من بداية الخلق والطبيعة؛ فهو سقط مع أول قطرة دم سورية عام 2011؛ ومن هنا يصعُب تَخَيُّل بقائه حتى في الأحلام؛ وما من مصلحة لأحد – حتى داعميه – في بقائه؛ فما هو إلا جثة تتقاذفها شواطئ المصالح الدولية؛ حيث أضحى بقاؤه ورحيله سواء.
وباختصار؛ حتى إذا بقي النظام فلن يكون كما كان قبل الثورة، فقد كسر السوريون حاجز الخوف، وأصبحت أجهزة النظام مقلمة الأظافر مثلومة المخالب.
وترى فئة ثانية أن  الثورة ستعود إلى الانفجار بطريقة مغايرة لما حدث؛ وقد تكون ثورته أكثر حدة لعدم إمكانبة استمرار الوضع الذي ستحاول تكريسه الدول المحتلة. وقد تتحول الى مقاومة شعبية تستمر حتى إسقاطه بأشكال مختلفة. هكذا ثورة أو مقاومة شعبية ستكون شامله في كل ربوع سوريا بسبب الجوع والفقر والسرقه والفساد والقتل؛ وستبدأ هذه المرة من مناطق النظام بحيث تخرج المظاهرات، وتستمر، ولا تهدأ حتى سقوطه النهائي.
وترى فئة ثالثة أنَّ النظام في حال بقائه سيكون تحت إشراف دولي، وستُطرد إيران والميليشيات الشيعية من سوريا بأوامر دولية تحت اسم ((الإرهاب عابر الحدود)) وسيحاول ((الحُكم الدولي “الأممي”)) إقامة شكل ما من الديموقراطية كما كان الأمر زمان الحكم الفرنسي؛ وستترك له، كرئيس للميليشيا مهمة التخلص من العصابات عابرة الحدود؛ وستعيش سورية حياة بليدة خالية من الأمل والأفراح والانتصارات؛ وسيعيش الأسد ما تبقى له من سنوات حكمه تحت تهديد الإحالة الى المحكمة الجنائية الدولية.
وترى فئة رابعة أن النظام سيكون كذئب مفترس بجلد حمل، وسيحاول أن يغيّر سلوكه نظرياً فقط لاستمالة الفئة الصامته، وسيحاول أن يتقرب من الشعب، وسيسعى إلى نيل تأييد الأنظمة العربية. وسيتخلص في الوقت نفسه من كلِّ من يعتقد أنَّه عارضه أو سوف يعارضه؛ ولكن من غير المعقول أن من قتل الشعب ودمر البلد يستطيع أن يحكم البلد وهو يعلم علم اليقين أن الحجروالشجر والبشر ستنتقم ممن كان سبباً في دمار البلاد والعباد، ولن يستطيع النوم من الخوف.
وترى فئة خامسة أنَّ مصيره كمصير نظام ((مجيب الرحمن)) في أفغانستان زمن الاحتلال السوفييتي؛ فنظام الأسد سلّم أعز ما يملكه الإنسان ((وطنه)) إلى كل شذاذ الافاق والانتهازيين في العالم وعلى رأسهم الدب الروسي المريض سياسيا واستراتيجيا؛ والذي  يبحث عن مخرج من تخلفه الحضاري والإنساني من الباب الأوكراني ومن النافذه السوريه وباللعب على حبال المنطقه ومنها تركيا وإسرائيل منشئاً قواعد للاحتلال وليس آخرها القاعدة بالقرب من دمشق. ولكن هذا الدب الروسي سيخرج هو ونجيب الرحمن الجديد من سوريا، ولن يفعلوا شيئا الا كسب الوقت فقط؛ لأن النهايه لكل خائن معلومة. أما المستعمر الثاني الذي سينتهي من جذوره فهو إيران الفارسية الطائفية التي تقوم على حقد عنصري وفئوي ديني بغيض مرفوض من كل العالم فمشروعه الخبيث للتمدد – طبعا بمساعدة ومباركة إسرائيلية – بدأ بالانحسار. وأصبح النظام  أمام خيار صعب؛ ستنتهي سلطته البغيضة، ويقوم نظام علماني فدرالي – ومن بعده كذلك العراق – وسيكون الانفراج في هذين البلدين بداية ولادة شرق أوسط جديد.
أمَّا الفئة الأخيرة التي تنطلق من نظرة شديدة التشاؤم، فإنها ترى أنَّ سمات النظام الإجرامية وقسوته الممزوجة بنزعة انتقامية حاقدة أصبحت أمراً يعرفه القاصي والداني، وكذك الشأن بالنسبة إلى عنجهيته وصلفه واستعلائه واحتقاره للشعب، وعدم استعداده لأي تنازل مهما كان ضئيلا… بل إن الجميع يعرف أن هذا النظام  إذا ما اضطُر إلى تنازل ما، فإنَّه سيتحيّن الفرصة ليعود ويبطش من جديد بمن أجبره على  ذلك كاشفاً عن حقده الشديد وقسوته؛ وهو إن بقي سيعمل – على الصعيد الداخلي –  على تطويع الشعب وبناء جدار الخوف المهدوم، وسيسعى إلى إنقاص أعداد الأكثرية المذهبية تدريجياً، وسيضاعف الجهود المبذولة لنشر المذهب الشيعي في أوساط السنة. وسيحاول – على المستوى الإقليمي والدولي- أن يبني حلفاً استراتيجياً يضمُّ روسيا وإيران والعراق وسوريا ولبنان، وسيكون الهدف الأسمى لهذا الحلف زعزعة الاستقرار وإلحاق الأذية بدول مجلس التعاون الخليجي وتعريضها للاضطرابات العنيفة، وقد ينجح في ذلك، ومن المحتمل أن يتعرض بعض هذه الدول للتفكك، وسيصبح الأردن في هذه الحالة وكأنه ممسوك من رقبته. أما تركيا فسيسودها التوتر والقلاقل وتصبح قابلة للانفجار في أي وقت. وسيتم التنسيق مع إسرائيل برعاية العراب الروسي. وسيكتفي الأمريكان بإلقاء المواعظ والخطابات في المنابر الدولية، لكنَّهم سيحصلون على أموال طائلة لقاء ذلك، وستستمر لوبياتهم بإمساك خيوط اللعبة والتحكم بها  عن بعد.
المقال القادم يرصد المساهمات المتعلّقة بما يجب فعله للحؤول دون بقائه.