الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا لو توقّف القتال؟

ماذا لو توقّف القتال؟

04.05.2014
سمير العيطة


السفير
السبت 3/5/2014
لنفترض أنه تمّ التوصّل إلى إيقاف الحرب في سوريا، بأي صيغة كانت. الأمور لن تعود مع ذلك كما كانت من قبل، وخاصّة، في ما يخصّ علاقة المواطنين مع الدولة المركزيّة.
من ناحية، لن يستطيع الجيش النظاميّ ولا قوّات المعارضة العسكريّة فرض سيطرتهما بسرعة على كامل أراضي البلاد. ولن تستطيع أجهزة الأمن، حتّى لو لم تتمّ إعادة هيكلتها فرض سيطرتها بالطريقة التي كانت تقوم بها في السابق، فالسلاح أصبح بيد الكثيرين ولأمدٍ طويل. ولن يستطيع محافظ أو مسؤول إداريّ، مهما كان مستواه، فرض أوامره وقراراته، كما كان يفعل في السابق، لا في المناطق الخاضعة حالياً للسلطة القائمة ولا في المناطق التي خرجت عنها منذ زمن. ولن يكون باستطاعة أيّ حكومة مركزيّة أن تفرض نفسها على أدقّ تفاصيل كلّ أنحاء البلاد، حتّى لو كانت "جسم حكم انتقاليّ توافقيّ كامل الصلاحيات" كما نصّت عليه وثيقة "جنيف 1".
أهالي الأحياء والبلدات والقرى نظّموا أنفسهم منذ اندلاع الحرب وانحسار دور الدولة، وأضحى لديهم مجالس محليّة (بعضها منتخب بشكل حقيقيّ) تدير شؤونهم المعاشية اليوميّة والإغاثيّة وغير ذلك. بل إنّ أجهزة الدولة الخدميّة باتت تتعاون مع هذه المجالس، حتّى لو كانت خارجة عن سلطة الدولة المركزيّة. ثمّ إنّ الكثير من الجمعيّات المدنيّة بدأت تنشط في كلّ مكان لمساعدة المنكوبين.
ربّما يكمن هنا بالضبط نموذج سوريا المستقبل، بحيث يتطوّر مثل هذا الواقع كي يصبح نوعاً من اللامركزيّة الإداريّة، لا يدير فيه شؤون المنطقة محافظ تعيّنه الحكومة المركزيّة، بل ذاك المجلس المحلّي المنتخب، المستند إلى مجتمع مدنيّ نشط.
لكن فعاليّة اللامركزيّة مرهونة بتطوّرها على مستوى أوسع من الحيّ أو البلدة، لتمارس دورها على مستوى محافظة أو منطقة وتشكّل مركز ثقل وتفاوض في وجه المركز، إن كان هذا المركز دمشق أو حلب أو... عينتاب! وهذا يعني بشكلٍ ما أن يتمّ استبدال مجالس المحافظات الحالية، التي لم يكن لها سوى دور استشاريّ، بمجالس منتخبة تأخذ هي سلطة المحافظ التنفيذيّة، بما فيها شؤون إدارة جزء حقيقيّ من المالية... العامّة، وهي التي تشمل المساعدات الخارجيّة وإعانات المنظّمات الدوليّة التي تديرها اليوم جهات معارضة.
هكذا قد تكمن أسس المشروع الوطنيّ لما بعد الحرب في خلق نوع جديد من الدولة. دولة تقيم توازنات جديدة بين ما يجب أن يبقى مركزياً وبين ما يجب أن يتمّ إقراره شعبياً من قبل المواطنين وممثليهم في إدارة لا مركزيّة.
مثل هذه الصيغة لا تعني سياسياً فدراليّة بمعنى أن يكون لكلّ منطقة دستورها الخاصّ، إنما مجال أوسع من الحريّات وأطر الإدارة تنطلق من الواقع المحلّي، ضمن منظومة جامعة. حينها يكون دور الحكومة المركزيّة هو بالضبط خلق التوافق حول المنظومة الجامعة والأطر الوطنيّة وتحقيق العدالة في إعادة التوزيع.
ليس هذا الكلام سابقاً لأوانه. فالواقع الفعليّ يشهد أشياء من هذا التصوّر.
وإذا ما تواجدت هذه الرؤية الشاملة والواقعية، يُمكن طرح الأمور بشكلٍ مختلف عن كيفيّة وقف الحرب ودولة القانون، وإعادة الإعمار وعودة المهجّرين، وإطلاق عجلة الاقتصاد ...إلخ.
والخطوة الأولى تبقى امتلاك شجاعة وقف الحرب.