الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا لو خسرت إيران صفقة سوريا؟

ماذا لو خسرت إيران صفقة سوريا؟

17.08.2015
مهنا الحبيل



اليوم السعودية
الاحد 16/8/2015
دخل المشرق العربي أكثر مراحل مستقبله حساسية وتأثيراً لاستقراره والجغرافيا السياسية له، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وخرائط سايكس بيكو، وتَطوّر النفوذ الإيراني كثيرا وتدخله الطائفي السياسي والدموي الشرس حتى وصل الى مرحلة متقدمة.
وبحسب مراقبين إقليميين وغربيين فإن طهران تتوجه بالفعل كشريك إقليمي أول، بعد مجمل توافقاتها مع واشنطن والغرب وروسيا، الذي كان عنوانه الاتفاق النووي ولكن سبقته جسور على الأرض منذ عهد الجمهوريين في ملفات عديدة، لعبت فيها التقاطعات والمصالح المشتركة الدور الرئيسي في زواج المتعة السياسي بين القطبين.
وذروة هذا الدور مؤمل أن تقطفه طهران في موسمه الأكبر في صفقة سوريا، والمقصود هنا تطبيق هذه التوافقات بين القطبين، بحل نهائي بحسب مصالحهما التي ترتكز على أساسيات لها ما بعدها في المنطقة وهي:
1- استغلال حرب داعش الدولية لتثبيت نظام الحكم الطائفي في العراق، وتثبيت نظام الأسد بشخصه او أركان منظومته.
2- ضمان تصفية نفوذ داعش في مناطق نفوذها، ودحرجته الى مواقع أخرى، ستضر بدول عربية وبالقضية السورية
3- تراهن طهران على تحويل الغرب للشراكة الخليجية، في حرب داعش، لصالح حصادها السياسي المتفق عليه مع الروس ورؤية الغرب، والذي يضمن أمن إسرائيل القومي المضطربة من الثورة السورية، ومن عودة الحدود المفتوحة للمقاومة العربية في لبنان، بدلا من المقاومة المقنّنة مع حزب الله، والتي تخضع لتحجيم ومواسم تصعيد إعلامي لا يهدد وجودها.
وعليه فإن حرب داعش الدولية بهذا السيناريو، تخرج منه إيران قوية في منطقة المشرق العربي وتتقدم في الخليج وتتعزز عبر نظرية إدارة الأقليات، وتباشر مهمات الوكيل الإقليمي للعالم الدولي الجديد، في توقيت يتزامن مع تقدمها الاقتصادي برفع العقوبات، في حين تخنق أزمة النفط الجميع لكن طهران معتادة على مستوى الضغط الاقتصادي.
لكن إيران تواجه سيناريو مخيفا قد يقلب الأوضاع في توافقاتها الأخيرة ويضرب في عمقها وأذرعتها، ومؤخرا ألغى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف زيارته لأنقرا دون ان يحدد لها موعدا جديدا، وقد تُستأنف هذه الزيارة كطبيعة سياسة طهران الخارجية الحيوية، لكن هذا الموقف جاء إثر تأكد طهران بأن تركيا ستُنفّذ منطقة عازلة في سوريا وستحميها بسلاح الجو التركي.
وقد نفى الامريكيون موافقتهم على ذلك رسميا، وهو ما يبدو صحيحا كون أن مجمل الموقف يتجه لسيناريو طهران كما ذكرت، لكن أنقرا حين أعلنت القرار، كانت تهدف لتثبيت ما تعتبره اضطراراً أمريكيا مقابل شراكة أنقرا وتسهيلاتها لحرب داعش الكبرى، وهو المنطقة العازلة ودخول قوات تركية لسحق مواقع لحزب العمال وذراع طهران الكردي صالح مسلم.
وعليه فإن الحِسبة مختلفة كليا بين أنقرا وطهران وحتى الغرب، وهو ما سيحدده الميدان الصعب في سوريا، الذي بدا أن الثوار أدركوا مغزى اللعبة وضرورة العبور الصعب فيها عبر مصالح أهل سوريا، وبالفعل انسحبت جبهة النصرة من حدود تركيا وتسلمها الثوار.
ولا يمكن الجزم بمآلات هذه المعركة الدقيقة بين حلفاء مزعومين في حرب واحدة لكن خططهم على الأرض تختلف، ومصالح الخليج العربي قطعا كموقف برغماتي مصلحي صرف تتجه مع التوافق التركي وثوار سوريا، لا الطرف الآخر، وعنوانه الكبير الاحتواء المزدوج لإيران وتوافقات الغرب الأخيرة معها وداعش في زمن واحد.
وأمام تقدم المقاومة اليمنية والجيش الوطني، وتجاوز خطوط الجنوب الى مناطق شمالية استراتيجية والاقتراب من معركة صنعاء، والتي ساهم في تحقيقها بقوة، غطاء عاصفة الحزم، وهو ما دفع الحوثيين لتقديم مقترحات جديدة وطلب مبادرة مسقط 2 من سلطنة عمان، كدليل على حجم المأزق.
فإن خسارة صفقة سوريا، سترتد الى مواقع عديدة في جغرافيا الجمهورية الإيرانية، وفي مناطق هيمنة أذرعتها خاصة في العراق ولبنان، ورغم بقاء قوة الموقف الإيراني الموجه لفرقاء البيت السياسي الشيعي في بغداد.
وطبيعة السياسة الإيرانية التي تسعى لامتصاص الغضب الشيعي من تردي الأوضاع، ثم تعيد تنظيم ذراعها، بقوتها السياسية أو بفتاوى مرجعية، إلا ان ما يجري في بغداد في الوسط المدني التقدمي داخل الطائفة الشيعية، فضلا عن الصراع داخل البيت الشيعي، وبقاء قوة السيد الصرخي المعارض الشرس لإيران والذي له ثأر دموي حافل معها.
كل ذلك يعطي مؤشراً جديدا، يهدد بتطور نوعي حين تخسر إيران صفقة سوريا، فضلا عن حركات التمرد والاستقلال في بلوشستان وكردستان وإقليم الاحواز المحتل، وإذا أضفنا الى ذلك إنهاك حزب الله الأخير، وسحب عناصره من اليمن، والتركيز على حربي القلمون والزبداني العاجزتين الى اليوم عن تحقيق اختراق شامل فيهما، رغم كل الدفع الذي بذل، بل حتى لو تحقق شيء من الاختراق، فإن الخسارة المركزية في مناطق الحدود التركية لو نُفذت وسقط مشروع تصفية الثورة وتثبيت الأسد، فإن استنزاف الحزب وصل الى مستوى كبير من الإنهاك.
إن هذه الخسارة تؤثر تلقائياً في مشروع إيران الواسع في الخليج العربي واليمن، والذي يُعتبر بطاقات نفوذ عززت مواقع التفاوض لصالح طهران، لكن المؤشر سيتحول فجأة، حين تظهر سياقات هزيمة سيناريو طهران وترويكة الغرب وموسكو لتثبيت نظام الأسد بشخصه أو بديل من مجتمعه السياسي الطائفي، وتقدم الثوار بعد تأمين المدنيين الى حصون الأسد الداخلية، هنا المعركة سترتد على قلب نظام ولي الفقيه وربما في أرضه الأصلية.