الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا يبقى من المعارضة السورية؟

ماذا يبقى من المعارضة السورية؟

01.01.2020
بهاء العوام



العرب اللندنية
الثلاثاء 31/12/2019
أن تقوم المملكة العربية السعودية بعقد مؤتمر لمعارضين سوريين مستقلين بغرض ضمهم إلى هيئة التفاوض، فعل ينقصه المبرر القانوني على حد رأي رئيس الهيئة نصر الحريري. ولكن أن تستخدم تركيا فصائل سورية لتغزو مناطق الشمال، أو توفد فصائل سورية للقتال في ليبيا، فهذه أمور لا تستحق مسوغا قانونيا. ومن وجهة نظر الائتلاف السوري، الذي جاء منه الحريري، يحق لتركيا ما لا يحق لغيرها.
للرياض أسبابها في عقد ذلك المؤتمر، وللأمم المتحدة أن تقبل بنتائجه أو ترفض الأمر برمته وكأن شيئا لم يكن. لا ننسى أن السعودية هي من أسست هيئة التفاوض قبل سنوات، وللمستقلين في الهيئة ثمانية مقاعد لم تسجل بأسماء أشخاص إلى الأبد. في جميع الحالات ليست الخطوة السعودية محط تقييم أخلاقي، لأن الدول تتحرك وفقا لمصالحها وليس وفقا لأحلام السوريين.
مؤتمر الرياض أثار أسئلة من قبيل، هل تحتاج هيئة التفاوض إلى تغيير في بنيتها وتوجهاتها؟ هل الواقع الذي وصلت إليه المعارضة يتطلب إعادة التفكير في مؤسساتها وشرعيتها؟
تشخيص الداء هو الخطوة الأولى في تحديد الدواء. التكتل الأكبر في هيئة التفاوض الممثلة للمعارضة، وهو الائتلاف السوري، بات تكتلا تركيا يعمل على تنفيذ أجندة الرئيس رجب طيب أردوغان في شمال سوريا. كذلك حال الفصائل المسلحة. أما ممثلو هيئة التنسيق ومنصتي القاهرة وموسكو فهم دعاة سلام ينسجم مع المثل الفارسي القائل “في العفو لذة لا نجدها في الانتقام”.
دعم فصائل المعارضة المسلحة للعدوان التركي على مناطق شرق الفرات تسببت في شقاق داخل الهيئة والائتلاف، وربما يكون سببا في انهيارهما. المجلس الكردي لن يجامل جماعة الإخوان ومن يلف لفهم، على حساب حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب. وإن انفصل المجلس عن الائتلاف وعاد إلى مناطق شرق الفرات، فهذا يعني أن الإدارة الذاتية لمناطق شمال سوريا، ستصبح الممثل الوحيد للأكراد السوريين ولجميع سكان تلك المناطق.
يعرف الأكراد أنهم ليسوا مستقلين تماما في قراراتهم، ويعرفون أيضا أن مطالبهم من دمشق يجب أن تمر عبر مصفاة موسكو وأنقرة وطهران. وخاصة بعدما خذلهم الأميركيون وجعلوهم يقاتلون الاحتلال التركي وفصائل المعارضة المسلحة، جنبا إلى جنب مع الجيش السوري. لكن توحد الصوت الكردي السوري خارج هيئة التفاوض للمعارضة يضرب شرعيتها وبنيتها في مقتل.
بالنسبة للأفراد المعارضين من خارج هيئة التفاوض والذين ينتشرون في أرجاء العالم، فهم ينقمون على الهيئة عامة والائتلاف خاصة. فقد خذلهم الائتلاف مرات عدة، وقد سقطت عنه ورقة التوت الأخيرة في معارك إدلب التي تدور بتواطؤ تركيا الضامنة لاتفاق خفض التصعيد في المدينة.
موقع فيسبوك هو المنصة الرئيسية للمعارضين المستقلين من خارج الهيئة، وربما هو القاسم المشترك الوحيد بينهم. فهم لا يتحدثون خطابا واحدا، وينقسمون بين مؤيد ورافض وحيادي إزاء المصالحة مع النظام. ولأن ثقتهم في الهيئة انكسرت، أصبحنا نجد تكتلات صغيرة افتراضية المقر والإقامة، تعبّر عن مواقف قانونية أو سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو إعلامية من الأزمة.
مؤتمر المستقلين في السعودية جمع البعض من معارضي وسائل التواصل الاجتماعي، منبرا وليس تاريخا. هؤلاء يتفقون مع الرياض في ضرورة رفع الهيمنة التركية عن هيئة التفاوض المكونة من 36 عضوا. فإذا دعّم المستقلون الجدد هيئة التنسيق ومنصتي القاهرة وموسكو، صنعوا جبهة تضم 21 عضوا مقابل 15 من الائتلاف والفصائل التي تتبع تركيا.
ربما يكون هذا مبرر السعودية في عقد مؤتمر المستقلين، وقد يكون الأمر غير ذلك. في جميع الحالات يجب أن نعترف بأن المتغيرات الميدانية والسياسية التي طرأت على الأزمة خلال عامها الأخير تستوجب التغيير في هيئة التفاوض للمعارضة. لا نقصد هنا المتغيرات التي تتحدث عن الانتصارات الوهمية للنظام، وإنما تلك التي تفضح تباين رؤى وتوجهات مكونات الهيئة.
قد يكون الحل في تفكك الائتلاف السوري وإعادة تشكيل هيئة التفاوض بمكونات جديدة. أو ربما حان الوقت لتوسيع صفوف الهيئة لتشمل أحزابا وتكتلات جديدة مثل الإدارة الذاتية في الشمال. لعل الفصل بين المسارين السياسي والعسكري يكون خيارا أيضا، فتخرج الفصائل المسلحة من الهيئة وتبحث مصيرها مع دمشق والدول المعنية بشكل مستقل عن المرحلة الانتقالية السياسية.
كلها احتمالات يمكن أن تناقش، ولكن الأفضل منها جميعا هو تأسيس هيئة جديدة للمعارضة تنبثق عن مؤتمر عام يجمع أفرادا وليس تكتلات. وإن أرادت الأحزاب أو التجمعات المشاركة في هذه الهيئة، فعليها أن ترشح أشخاصا يمثلونها ويخوضون انتخابات تجرى بين أعضاء المؤتمر العام.
ليس هذا كل شيء حيث يجب أن تكون الهيئة الجديدة للمعارضة مستقلة في قرارها عن أي دولة أو تكتل سياسي. ومثل هذا الاستقلال يحتاج إلى دعم لا محدود وغير مشروط من الأمم المتحدة تحديدا. دعم يطال كل شيء، بدءا من المقر ورواتب أعضاء الهيئة، وصولا إلى محاور التفاوض مع دمشق.
ينطوي هذا التصور على لا واقعية كبيرة. التجربة تقول إن هيئة مستقلة للمعارضة بهذه المواصفات لن تجد من يدعمها ولا حتى في الأمم المتحدة. الدول المتحكمة بالقرار السوري اليوم لا ترغب بالعودة إلى ما قبل عام 2014. لا تهتم هذه الدول إن كان للمعارضة جسد قوي أم ضعيف، لأنها هي من تحدد مسارات الأزمة ونهاياتها. وما على الحكومة أو المعارضة إلا القول: سمعا وطاعة.
خلاصة العام 2019 في الأزمة السورية هي فتح باب التغيير في التعامل العربي مع المعارضة، وبالتالي التعامل مع الأزمة برمتها. قائمة أصدقاء المعارضة في المنطقة والعالم تتغير أو تتقلص بتعبير أدق. ربما يكون الأمر لصالح النظام، وربما لصالح السوريين، ولكن حتما لن يكون لصالح الاثنين معا.