الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا يريد الغرب؟

ماذا يريد الغرب؟

20.08.2013
سام منسى صحافي

النهار
الثلاثاء 20/8/2013
ماذا يريد الغرب؟ المؤسف المؤسف أنه لا يدرك ماذا يريد ولا يملك أي رؤية حول أي من القضايا الاقليمية والدولية ويعيش حالة من الهزال السياسي والفكري.
من المرجح أن يتجاوز لبنان ومعه "حزب الله" مفاعيل قرار الاتحاد الأوروبي بإضافة ما سماه "الجناح العسكري" للحزب الى قائمة الإرهاب سيما أن سببه المعلن هو عملية مطار بورغاس البلغاري التي استهدفت إسرائيليين وليس مثلا تدخل "حزب الله" في الحرب الدائرة في سوريا. ولعل لقاء ممثلة الاتحاد في لبنان أنجلينا إيخهورست مع عدد من قيادييه غداة صدور القرار، لهو أبلغ دليل إلى الحدود التي لم يشأ الأوروبيون تجاوزها في علاقتهم مع الداخل اللبناني.
قد يكون من الحكمة التريث في التعليق على هذا القرار لعل الوقت يظهر لنا جوانب منه كانت خفية علينا أو يكشف عن مسار جديد وجدي قرّر قادة الغرب اعتماده لمواجهة الأحداث التاريخية التي يشهدها عالمنا العربي. إلا أن جولة إيخهورست اللبنانية ومحاولتها الدؤوبة لمحاصرة أعراضه الجانبية، أكدت لنا أن القرار ليس إلا استمرارا لسياسة انعدام الرؤية التي ميزت موقف "العالم الأول" من حرب العراق مرورا بثورات الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر وصولا إلى الحرب التي يشنها النظام السوري على شعبه وتدخل "حزب الله" في مسارها. إضف إلى ذلك كله، المطبات التي وقعت وما زالت تقع فيها كبريات المؤسسات البحثية الغربية بعامة والأميركية بخاصة، لجهة تحليل وقراءة ما يجري اليوم في منطقة الشرق الأوسط.
أن يعمد القرار إلى تصوير "حزب الله" على إنه "قوة عظمى" صاحبة مشاريع كونية في معزل عن الجهة الحقيقية التي تقف وراءه وتحدد مساره والتي تحمل فعلا مشروعا سياسيا إقليميا ذا أبعاد دولية، ففي ذلك إما خبث من الغرب لغاية في نفس يعقوب وإما سذاجة تكشف مدى الفراغ الذي يعاني منه لجهة القيادة وهزالة طبقته السياسية وقلة حنكتها وحكمتها وهذا ما ننحو إليه. اما الاكثر اثارة فهي نكتة تفريع الحزب لجناح سياسي وآخر عسكري، ما جعل أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله يتهكم بنفسه على هذه الدعابة.
وهذا ما يدفعنا إلى رؤية القرار على إنه أولا محاولة أوروبية لإعادة تصدير مشاكلنا إلينا، ويعني ثانيا إنسحاب سياسة تدوير الزوايا التي يعتمدها الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة منذ مدة، والقاضية بتأجيل حسم الملفات وعدم مواجهة المشاكل المتناسلة في العالم العربي، على لبنان رغم العوامل الخطرة التي ينطوي عليها تورط الحزب في الحرب الدائرة في سوريا. ويعني ثالثا، أن "حزب الله"، ومن وراءه إيران، ارتقى من خطفه الطائفة الشيعية في الداخل اللبناني، إلى أخذه لبنان برمته كرهينة.
عندما قرر الاتحاد الأوروبي "معاقبة" "حزب الله"، كان يعلن في الوقت ذاته عدم استعداده لمعاقبة المرجعية الفعلية التي تقف خلفه، سواء عن دوره في سوريا أو في لبنان أو حتى عن "نشاطاته" التي وصفت بالإرهابية فوق أراضي الاتحاد الأوروبي نفسه.
يعلم الأوروبيون أن إيران هي التي تقف وراء نشاط الحزب في أي مكان. وجاء قرارهم تكرارا ممجوجا للسيناريو نفسه، حين كانت إسرائيل ترد على عمليات التحرش التي يقوم بها النظام السوري عبر أدواته الداخلية في حقبة التسعينات، وكان "حزب الله" من بينها، بقصف لبنان وتدميره.
وها هو الاتحاد الأوروبي يهدد بمعاقبة لبنان فيما الطرف المسؤول هو إيران، علما أنه لا ينبغي اعتبار لبنان واللبنانيين غير مسؤولين بالرغم من إنهم استساغوا الدلع باعتبارهم ضحايا دائمين.
لكن عندما يصدر الغرب هذا النوع من القرارات المجتزأة وغير الرئيسة، إنما ينقل مشكلته إلى الحلقة الأضعف في الخريطة الإقليمية التي يمثلها لبنان ويزيد الوضع تعقيدا، بدل اتباع مقاربة جريئة في مواجهة سياسة تمكين "حزب الله" وتمدده السياسي. وهي السياسة نفسها التي اتبعها منذ الثمانينات وحتى اليوم، بدت معها وكأنها سياسة مقصودة من أجل تضخيم دور الحزب في لبنان والمنطقة، وصولا إلى حرب العام 2006 وما نتج عنها خاصة على صعيد التوازن السياسي اللبناني الداخلي. وبات التذكير بالموقف الغربي الخجول والحذر من تدخل الحزب في سوريا مملا، فيما التضخيم والمبالغة بدور الحركات الجهادية المتشددة في سوريا يكاد يصم الآذان، وكأننا أمام تفضيل غربي للإسلام السياسي الشيعي على الإسلام السياسي السني اللذين قد لا يختلفان عقائديا! ونجد التناقض نفسه في سلوك الغرب مع نظام الاسد وممثليه في الخارج.
منذ اندلاع الأزمة السورية وتحولها حرباً أهلية طاحنة مع إصرار النظام على ارتكاب المجازر بحق السوريين منذ الأشهر الأولى ، لم تنفك الدول الأوروبية والغربية عامة عن القول أن هذا النظام فقد شرعيته.لكن المفارقة تكمن في أن أياً منها لم تقفل سفارتها في دمشق الا مكرهة، فيما ممثليات النظام وسفاراته وسفراؤه لا يزالون يعملون ويديرون شؤون السورييين أينما كانوا!
ردود فعل الغرب وخاصة الولايات المتحدة تجاه ما قام به النظام السوري في السابق وما يقوم به منذ نحو سنتين ونصف السنة يظهر أنهم لا يهتم سوى بخوض الحروب الهامشية، والتي من شأنها أن تدر له مكاسب محلية أمام رأيه العام، فيما الحروب الحقيقة ومواجهة الإرهاب الفعلي وتجفيف منابعه، إنما تبقى مهمات مؤجلة تواجه بالمسكنات الموضعية، والتي لا تلبث أن ترتد "آثارها الجانبية" علينا.
كيف لهذا الغرب أن يعتبر أن تدخل "حزب الله" والميليشات العراقية والحرس الثوري الإيراني في الحرب السورية، أمر يمكن التعايش معه، دون أن يستثير لديه حساسية من مستقبل هذا التدخل، ليس فقط على التوازن الميداني بين طرفي النزاع، بل أيضا على مستقبل الصراع في المنطقة وعلى طبيعة القوى "المنتصرة".
لا شك في أنه إذا انتصرت "جبهة النصرة" فستقيم دولتها الإسلامية الأصولية المتشددة، وهذا أمر غير مقبول. لكن إذا انتصر "حزب الله" والإيرانيون والميليشيات العراقية، فما هي الدولة الموعودة؟ ليبرالية؟ ديمقراطية تحترم التعددية والحريات المدنية وحقوق الإنسان؟؟؟
من المفارقات المضحكة المبكية أن حزب الله الذي يخوض معركته في سوريا تحت عنوان مكافحة الإرهاب التكفيري ومحاربة "القاعدة" وتفرعاتها، هو في الوقت نفسه يتهمهم بالتحالف مع الغرب والأميركيين والإسرائيليين لإسقاط قلعة الممانعة، سوريا الأسد! ومع عدم صدور أي تعليقات تدين على أقل تقدير تلك الادعاءات، بتنا لا نعلم مَن مع مَن ومَن ضد مَن، وأصبحنا كلنا كما قال زياد الرحباني في احدى مسرحياته، "الحاجة ام جهاد"!
وتكر سبحة تناقض السياسة الغربية! فهذا الغرب الذي وقف مهادنا للإخوان المسلمين بعدما أوصلتهم موجة الثورات الأولى إلى السلطة، ها هو اليوم ينفض يده منهم بخفر حين بدأت تلفظهم جماهير الموجة الثانية من تلك الثورات. الغرب نفسه يدعم اليوم نظام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي تديره إيران، ويضع شريكه السيد حسن نصرالله على لائحة الإرهاب؟
ماذا يريد الغرب؟ المؤسف المؤسف أنه لا يدرك ماذا يريد، ولا يملك أي رؤية حول أي من القضايا الإقليمية والدولية، ويعيش حالة من الهزال السياسي والفكري أفضت أخيرا إلى لجوء الساحر الأميركي إلى قبعته لسحب أرنب القضية الفلسطينية مجددا واللعب على أوتارها معتقدا أنه بذلك يكسب نقطة وهو في طريقه إلى خسارة حرب ثمنها ليست أرضا فقط إنما القيم الإنسانية التي لطالما تغنى بها.