الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا في وسع روسيا؟

ماذا في وسع روسيا؟

30.09.2015
عيسى الشعيبي



الغد الاردنية
الثلاثاء 29/9/2015
مع أن السؤال أعلاه ينطوي على شيء من التهوين، ويستبطن افتراضا منطقيا على قيود القوة لدولة كبرى مثل روسيا، بدأت مؤخرا تملأ الفراغ الناجم عن انكفاء الدولة العظمى من على خشبة المسرح الدولي، إلا أنه لا يصح بالمطلق الاستخفاف بقدرات هذه الدولة الوارثة لممتلكات الاتحاد السوفيتي، وتجاهل ما يستطيع فعله الابن البار لحقبة الحرب الباردة، خصوصا على التخوم الآسيوية والأوروبية للإمبراطورية العظمى السابقة، التي كانت تشغل خُمس رقعة اليابسة. ولعل أوكرانيا بالأمس، وجورجيا بالأول من أمس ، خير دليل على ذلك.
غير أنه عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، فإن السؤال يعاود طرح نفسه على نحو أضيق: ماذا بوسع روسيا القيام به، لتغيير التوازنات وكسر المعادلات، وإملاء قواعد جديدة للعبة الجارية شرق المتوسط، بين فواعل شبت على الطوق، وخرجت عن نطاق السيطرة، وأتقنت فن الحروب اللامتماثلة، وتمكنت من تقويض جيشين كبيرين، وأمسكت بأرض مترامية الأطراف، وحازت على موارد طبيعية وملايين السكان، وبات لديها مئات الفصائل وعشرات آلاف المقاتلين، لا عنوان سياسيا جامعا لهم؟
في واقع الأمر، تستطيع روسيا، رغم ذلك، أن تقدم لآخر دكتاتور عربي حليف لها، الدعم الجوي، والإمدادات العسكرية، والخدمات اللوجستية. إلا أن هذه العناصر على أهميتها، ليست هي جوهر ما يحتاجه النظام الذي بات يفتقر إلى العنصر البشري. وهو أمر أخفقت إيران والمليشيات الطائفية عن توفيره، وبما يجعل الدعم الروسي قاصراً عن سد نقطة الضعف البنيوية لدى جيش أنهكه القتال المتواصل، وضربته الخسائر المتراكمة في مقتل، ونعني بذلك خسارته لنحو مائة ألف مقاتل من النخبة الأقلوية التي تقود هذه الحرب ضد الأمة.
إذ يبدو أن الدعم الروسي لنظام الحكم المتهالك في دمشق، سيقتصرعلى الحرب من الجو، والإمدادات العسكرية على الأرض، الأمر الذي لن يؤتي نتائج أفضل مما حققته آلاف غارات التحالف الدولي المستمرة منذ نحو عام على تنظيم "داعش"، لاسيما وأن سرباً أو أكثر من الطائرات الحربية الروسية، وهي الأقل تقدماً تكنولوجياً من نظيرتها الأميركية، لن يؤدي إلى إحداث الفارق النوعي المطلوب، وتعديل ميزان القوة على الأرض، وهو ما يدعو موسكو لاحقا إلى تجاوز ذاكرة الحرب الأفغانية المؤلمة، ومن ثم الدفع بجنودها، ربما، إلى متاهة جغرافيا تقاتل دائماً مع أبنائها.
إزاء ذلك، فإنه يمكن القول من دون تحفظ: إن دخول روسيا على الخط لإسناد الأسد في ربع الساعة الأخير داخل معقله الأخير، قد تأخر كثيرا؛ وأن خطوتها الواسعة هذه سوف تظل ناقصة، إذا لم يتم إتباعها بإنزال بري باعث للذكريات المريرة، ومثير للتحسبات الدولية، وجالب لمخاطر التورط التدريجي في غابة من البنادق المتمرسة في حروب الجيل الخامس، تلك التي لم تربح الجيوش النظامية فيها أي معركة طويلة، فما بالك إذا ما وضعت روسيا كل الفصائل والجماعات المسلحة في سلة واحدة، واعتمدت تصنيف الأسد لمعارضيه على أنهم كتلة إرهابية واحدة؟
وعليه، فإنه يمكن النظر إلى تصعيد الحضور الروسي، على أنه خطوة سياسية مثيرة، أكثر من اعتباره خطوة عسكرية كاسرة للتوازنات، كون هذا الحضور، المحدود في العديد والرقعة والعدة، غير مؤهل لاستعادة 80 % من الجغرافيا الخارجة عن قبضة النظام، وإعادة الروح القتالية لجيش أدمن الفرار. غير أنه تصعيد يعد، في المقابل، محفزا على زيادة التطرف في أوساط المقاتلين المعتدلين، واستقطاب مزيد من الجهاديين، وتوفير هدية ثمينة لـ"داعش" كي يواصل تذرعه بمظلومية السُنّة. كما أن هذا التصعيد المفضي إلى زيادة حدة الاستقطاب الدولي، قد يشجع القوى الإقليمية على التدخل بصورة أقل حذرا من ذي قبل.
وفقاً لهذه المقاربة، التي لم تلق بالا لاستعراضات الأسلحة الروسية على الساحل السوري، ولم تعر اهتماما لمبالغات الديماغوجيا الإعلامية المتلفزة، المشابهة لتلك الدعاية التي رافقت انطلاق التحالف الدولي قبل عام، فإن من الواقعي تشخيص هذا التطور على أنه تطور قد يبطئ وتيرة الانهيار، إلا أنه لن يستطيع إيقاف دوران العجلة، ولا أن يعكس مسار الاتجاه، بعد نحو خمس سنوات على سقوط أسوار جمهورية الخوف والصمت، وانكشاف كل سوءات منظومة الفساد والاستبداد. وعليه، لن يتمكن العطار الروسي من إصلاح ما أفسده دهر النظام.