الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مفاوضات حقن الدم السوري الماراثونية!

مفاوضات حقن الدم السوري الماراثونية!

28.01.2016
داود البصري



الشرق القطرية
 الاربعاء  27/1/2016
سيسجل التاريخ الدموي لثورات الشعوب الحرة بأن الثورة السورية قد تجاوزت خسائرها المباشرة كل الأرقام والحسابات المنطقية، ودخلت في حسابات الكوارث الميتافيزيقية! فلأول مرة في تاريخ النزاعات المسلحة يراقب العالم المتحضر ويحصر عدد الجثث دون القدرة الفاعلة على التدخل لوقف آلة القتل السلطوية البشعة التي ظلت تمارس مهنة القتل الشامل طيلة خمسة أعوام من الثورة الشعبية المستمرة التي تحولت بفعل تخادمات النظام وعلاقاته الإقليمية والدولية لحرب كونية مصغرة أوقعت خرابا مذهلا في الوطن السوري، بعد أن تبين زيف كل الشعارات الدولية للمنظمات الحقوقية والسياسية الدولية عن حق الشعوب في تقرير مصائرها! لقد أثبت الهولكوست السوري المتوحش بأن ضمير الدول الكواسر والقادرة على الفعل والتأثير في إجازة فعلية! وبأن كل شلالات الدم المتدفق العبيط لم تقنع العالم إلى الآن بضرورة التحرك الدولي الشامل والكامل لحماية الشعب السوري من جلاديه الحاكمين الذين لهم تاريخ حافل وموثق بالإبادة الجماعية منذ أوائل أيام تسلطه على رؤوس السوريين عام 1963 ودخوله في حرب معلنة ومفتوحة ضد الشعب السوري بأسره، وهي حرب إبادة شاملة بلغت القمة في شتاء عام 1982 في مجزرة حماة الشهيرة التي يحتفل تاريخ القمع بذكراها الرابعة والثلاثين بعد أيام قليلة، وهي المجزرة التي سبقتها مجزرة سجن تدمر الشهيرة عام 1980، وحيث يواصل النظام السوري في تعبيد طريق الحرية السورية بجثث الآلاف من أبناء شعبه الذين انفرد بإبادتهم مستغلا ظروف الحرب الكونية الباردة والتحالف مع المعسكر الشيوعي المنقرض، ومن ثم صياغة أول خيوط التحالف الاستراتيجي مع النظام الإيراني حين أعلن رسميا عن خروجه عن عقيدة (البعث) القومية وهي الهوية المزيفة المعلنة للنظام، وارتمى في أحضان تحالفات طائفية استراتيجية يستفيد منها حاليا في إدامة حربه العدوانية والعبثية ضد الشعب السوري المسحوق.
ومفاوضات جنيف الحالية التي يقول المبعوث الدولي "دي ميستورا" إنها قد تمتد لستة أشهر! هي في الواقع تعبير عن العبث المطلق. وعن دخول القضية السورية في نفق مفاوضات ماراثونية هي بمثابة مضيعة للوقت في ظل الفشل الدولي في احتواء جرائم النظام وإيقاف آلته القمعية أو إجبار حلفائه على إيقاف ضرباتهم الانتقامية الحاقدة ضد الشعب السوري، أو إجبار النظام على إطلاق سراح آلاف المعتقلين الأبرياء أو رفع الحصار التجويعي الإرهابي عن المدن السورية التي تموت جوعا.
نعتقد بأن المماطلة والتسويف وإطالة أمد المفاوضات مع عدم تحديد سقف واضح لأهدافها النهائية لا يشكل إلا خدمة حقيقية لنظام إرهابي تأسس على الجريمة، وتأصل على ممارسة الإرهاب. ولا نتردد أبدا عن القول بأن النظام السوري رغم ملفات جرائمه الثقيلة قد نجح، بفضل حلفائه وتراخي المجتمع الدولي المفجع، في إظهار لسانه للعالم متحديا كل القوانين والأعراف الدولية وضاربا عرض الحائط بكل الشرائع والأسس الحقيقية لاحترام حرية الإنسان وحقوقه، ويبدو أن العالم وهو يفشل في حماية السوريين أراد للفشل أن يكون كارثيا في مبناه ومعناه مكرسا مبدأ المساواة بين الضحية والجلاد! فعلى ماذا سيتفاوض المتفاوضون طيلة الأشهر الستة المقررة؟ هل هي مفاوضات لتحديد ورسم مناطق النفوذ الدولي أم لتحرير الإنسان السوري من الخوف وتخليصه من عتمة الإرهاب والمباشرة في إعادة بناء الوطن السوري المدمر، وفي التخلص من أنقاض ومخلفات وبقايا الفاشية الإرهابية؟!
لقد شكل الصراع على سوريا جزءا مركزيا من حالة إدارة الصراع الدولي في الشرق في خمسينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت سلسلة من الانقلابات العسكرية، والتي كان من نتائجها قيام النظام المسخ المافيوزي العائلي الراهن المتمسك بأهداب السلطة حتى آخر سوري على ما يبدو، للأسف لم يكن المجتمع الدولي بمستوى الثقة والآمال ولا بمستوى الشعارات المطروحة. ومع عدم استئصال آلة الإرهاب والقمع السلطوية تبدو كل خطوات التحرك الدولي مجرد حوارا لـ"الطرشان" ومضيعة للوقت، في زمن ظل فيه النزيف الشعبي السوري يفضح كل روايات وأساطير التخاذل الدولي المعيب!.