الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مفاوضات موسكو و"بنادق" أميركا

مفاوضات موسكو و"بنادق" أميركا

19.01.2015
أيمن الصفدي



الغد الاردنية
الاحد 18-1-2015
بينما تعمل روسيا على جمع النظام والمعارضة السوريين حول طاولة تفاوض، تعلن أميركا تفعيل برنامجها تدريب المعارضة السورية "المعتدلة" لمواجهة التنظيمات الإرهابية.
التحركان الروسي والأميركي مؤشرا عجز على مواجهة الأزمة أكثر مما هما بوادر جهود قادرة على حلها.
الجهد السياسي الروسي يأتي منفصلا عن رؤية سياسية للحل. وقبلذاك فإنه ينطلق مسارا أحاديا من دولة هي طرف في الصراع تدعم النظام، ما يضعف صدقيتها عند المعارضة.
وكذلك يولد برنامج التدريب العسكري الأميركي خارج سياق نظرة شاملة لمعالجة الأزمة. ستنفق واشنطن 500 مليون دولار على تدريب خمسة آلاف معارض سوري "معتدل" لمحاربة القوى الإرهابية. ستكون قوة هؤلاء أقل من المطلوب لتحقيق النصر على داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة، أوعلى قوى النظام التي سترى إليهم عدوا وستضربهم في اللحظة التي تتوافق مع حساباتها.
لا التحرك السياسي الروسي يحظى بالدعم والتنسيق الإقليميين والدوليين اللازمين لمنحه الحد الأدنى من فرص النجاح، ولا شيء سيحققه برنامج التدريب العسكري الأميركي عدا إطالة الحرب وزيادة معاناة السوريين.
الكارثة السورية صارت ورقة أخرى تتلاعب بها القوى الدولية والإقليمية وفق مصالحها. لذلك تطلق روسيا مبادرتها على أسس تنحاز للنظام الذي يسير في فلكها. ولذلك تجعل أميركا محاربة إرهاب داعش والقاعدة هدفا حصريا لبرنامجها العسكري فلا تربطه باستراتيجية لإنقاذ الشعب السوري من فتك النظام وإرهابه.
أما الدول العربية فتقف عاجزة. فحل الأزمة أكبر من قدراتها الذاتية ويتطلب توافقا إقليميا ودوليا.  غياب رؤية مشتركة على متطلبات الحل بينها أفقدها المبادرة والقدرة على التأثير الفعلي بالموقف الدولي من الأزمة في واشنطن أو في موسكو. وبالطبع لا تملك المنظومة العربية قدرة كبح دور إيراني مخرب، أو التصدي لأجندة تركية تضحي بسورية من أجل إشباع الشهوة الأردوغانية للسطوة والزعامة الإقليمية.
وسط هذا المشهد القاتم تأتي المعارضة السياسية السورية لتزيد الطين بلة.
من فنادقهم في أنقرة والدوحة وباريس يرفض أعضاء الائتلاف الوطني السوري المشاركة في مؤتمر موسكو ويتمسكون بموقف الحد الأقصى.
كان يمكن تقبل مثاليتهم لو أطلقوها من خيم تهزها رياح العواصف القطبية في الأردن ولبنان. لكن إطلاقها من قاعات الفنادق، ومن دون امتلاك أي بديل ينهي معاناة مواطنيهم، يحاكي مزاودات أركان نظام الأسد من قصورهم المحصنة في دمشق.
ثمة واقع تفرض معاناة السوريين وحقهم في إنهائها التعامل معه.
المؤتمر الذي تدعو إليه روسيا قاصر. لكنه المبادرة السياسية الوحيدة المطروحة الآن حول أزمة بات واضحا بعد أربع سنوات من تفجرها أنها لن تنتهي إلا بحل سياسي.
بناء على ذلك على المعارضة تحسين شروط اجتماع موسكو بدلا من رفضه. ولأن الدول تبني سياساتها على مصالحها وليس على ولاءاتها لأنظمة أو لأشخاص، يمكن أن تغير موسكو موقفها من الأزمة إن تقدمت إليها المعارضة بطرح مدعوم عربيا يضمن لها هذه المصالح.
لم يفت الوقت على ذلك. الفرصة ما تزال متاحة لجعل مؤتمر موسكو خطوة أولى تجاه إنتاج حل سياسي للأزمة السورية. لكن ذلك يتطلب تحركا سوريا عربيا نحو موسكو يقنعها بتأجيل إطلاق اجتماعها، إلى حين بناء حد أدنى من التوافق حول كيفية المضي فيه نحو الحل الشامل.
مؤتمر موسكو المقترح، على علاته، ولغياب بديله، خطوة تستحق جهدا سوريا عربيا يسعى لتطويرها إلى مبادرة حل. وهو، بجميع الأحوال، يحمل آفاقا أكثر إيجابية من إلقاء المزيد من الشباب السوري إلى حرب لم يزودوا أدوات حسمها لصالح شعبهم، ما سيجعلهم جزءا من شروط توفير توازن يطيلها، على حساب حياته ومستقبله.