الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما الذي أخذه أردوغان في صفقة التطبيع مع روسيا وإسرائيل؟

ما الذي أخذه أردوغان في صفقة التطبيع مع روسيا وإسرائيل؟

16.07.2016
بكر صدقي


القدس العربي
الخميس 14/7/2016
قيل وكتب الكثير عن التحولات الجديدة في السياسة الخارجية التركية التي بدأت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل وروسيا، وتتكاثر المؤشرات إلى أنها لن تقف عند هذا الحد. لكن شطراً في المعادلة، ربما هو الأهم، ما زال طي الكتمان، وربما نبدأ بتلمس تفاصيله في الأيام والأسابيع المقبلة. أعني بذلك البحث عن جواب على السؤال: ما هي الحوافز التي ستحصل عليها أنقرة مقابل الانحناء أمام ضغوط مورست عليها من كل الجهات، طوال الفترة الماضية، وبخاصة منذ إسقاط طائرة السوخوي الروسية، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي؟
لا شك أن الخروج من العزلة المطبقة على أنقرة، يعدُّ، بحد ذاته، حافزاً كبيراً يحتاجه أردوغان بالذات -إضافة إلى الدولة التركية ككل- لتعزيز سلطته في الداخل، من خلال الحصول على غطاء خارجي لانتهاكاته السلطوية، بحق المناطق الكردية، أولاً، التي دمر كثيراً من مدنها وهجَّر مئات الآلاف من سكانها؛ وبحق جماعة فتح الله غولن الإسلامية المعتدلة، ثانياً، المتهمة بإنشاء "دولة موازية داخل الدولة"؛ وبحق المجتمع المدني، ثالثاً، إذا تذكرنا الحملة القضائية الظالمة التي ما زالت تطال طبقة الأكاديميين، بسبب بيان أصدروه، أوائل هذا العام، نددوا فيه بحصار المدن الكردية، يشبه، في مضمونه ومصير القائمين عليه، "بيان الحليب" الشهير الذي أصدره فنانون ومثقفون سوريون، في بدايات الثورة السورية، ربيع 2011، طالبوا فيه بفك الحصار عن مدينة درعا. من لم يطلهم القضاء، بعد، من أساتذة الجامعات التركية ممن وقعوا على "بيان الحليب التركي" هذا، بدأوا يهاجرون خارج تركيا هرباً من مصير زملائهم.
غير أن بؤرة السياسة الداخلية التركية، تبقى الحرب المفتوحة التي تشنها الحكومة على حزب العمال الكردستاني وأذرعه الخارجية في سوريا والعراق، وتشمل كذلك واجهته السياسية في البرلمان "حزب الشعوب الديمقراطي". هذه الحرب هي التي تحتل أعلى سلم الأولويات في صياغة السياسة الخارجية أيضاً، بما في ذلك تحولاتها الأخيرة.
منذ دخول روسيا الحرب في سوريا لمصلحة نظام الكيماوي والبراميل، دخلت تركيا في حالة من الارتباك الشديد، دفعتها إلى خطوة رعناء ستكلفها غالياً، كما بينت التطورات اللاحقة، هي إسقاط طائرة السوخوي الروسية. ليس أسوأ ما في عواقب ذلك الحدث أن ردة الفعل الروسية كانت تصعيداً مطرداً للتوتر، بل ترك الحليف الأمريكي، ومن ورائه حلف الناتو، لتركيا وحيدة في مواجهة موسكو التي عملت كل ما من شأنه إخراج تركيا من معادلات الصراع في سوريا، من غير أن تلقى أنقرة أي دعم مقابل من حلفائها الأطلسيين المنشغلين تماماً ب"الحرب على داعش".
هذه "الحرب على داعش" التي تلكأ أردوغان، طوال عامين، في الالتحاق بها، جعلت من الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني حليفاً ميدانياً موثوقاً لواشنطن، وهو الذي ترى فيه "تركيا العميقة" تهديداً وجودياً، خاصةً بعدما تحولت الكانتونات الكردية الثلاث إلى كيان فيدرالي راح يتمدد خارج الكانتونات في شمال الرقة وشمال حلب.
يمكن القول إن الواقعية التركية الجديدة بصدد سياسة أنقرة السورية تتمثل بالتخلي عن هدف إسقاط النظام، والتفرغ لمحاربة الكيان الكردي الممتد جنوب حدود تركيا مع سوريا. هذا الهدف الجديد هو ما تراهن أنقرة أن يشكل تقاطع مصالح بينها وبين والي دمشق الإيراني بشار الأسد، ومن ورائه ولي الفقيه نفسه الذي بدأ تمرد كردي جديد يواجهه داخل الأراضي الإيرانية. إن تصريحات رئيس الوزراء بن علي يلدرم الأخيرة التي تضمنت رسائل إيجابية تجاه دمشق وبغداد، يمكن قراءتها وفقاً لشيفرة المحور الكلاسيكي الذي طالما جمع أنقرة ودمشق وبغداد وطهران ضد أي نهوض كردي في هذا الإقليم.
أما فيما يتعلق بالهواجس التركية بشأن تجاوز القوات الكردية إلى غربي نهر الفرات، فيبدو أن الأتراك قد حصلوا على تطمينات كافية من الأمريكيين بشأن القوات التي ستسيطر على منبج بعد تحريرها المحتمل من داعش، بحيث تكون وحدات عربية، هي تلك المتحالفة مع الوحدات الكردية في إطار ما يسمى بقوات سورية الديموقراطية. وينطبق الأمر نفسه على جرابلس والرقة أيضاً.
ماذا بشأن حلب التي باتت محاصرة، بعد المعارك الأخيرة، ومنقطعة عن خط الإمداد الذي يصلها بالحدود التركية؟ بالنظر إلى المساهمة الروسية الفعالة في قصف حلب المحررة وريفها الشمالي  وذلك بخلاف امتناعها عن تقديم الدعم الجوي للقوات الإيرانية في جنوب المدينة  قد يمكن الاستنتاج بأن تركيا تخلت عن حلب للروسي، مقابل إطلاق يدها ضد الكيان الكردي في الشمال، بدلالة الدور المحتمل للاستخبارات التركية في اغتيال القيادي الكردي البارز باهوز إردال.
إذن تطمينات أمريكية بشأن عدم تمدد الكيان الكردي إلى غربي نهر الفرات، وسماح روسي بحرب استخبارية تركية ضد الفرع السوري للعمال الكردستاني، لا يستبعد أن تتطور إلى حرب أوسع، مقابل تخلي تركيا عن فصائل المعارضة الإسلامية الحليفة لتركيا، وضمناً القبول بحصار حلب.
سياسياً، بدت موسكو، في أعقاب حصولها على اعتذار أردوغان عن اسقاط الطائرة الروسية، أكثر حماسةً من أنقرة نفسها لإعادة "التعاون" بشأن الملف السوري بين الجانبين، على ما عبر سيرغي لافروف في أكثر من مناسبة. هذا يعني عودة تركيا إلى نادي الدول المخولة بتحديد مصير سوريا (مجموعة فيينا) مقابل تخلي روسيا عن حزب الاتحاد الديمقراطي. أن يكون لتركيا رأي في مصير سوريا، يعني شيئاً واحداً اليوم، وهو عدم السماح بقيام كيان كردي في شمال سوريا.
أما الحوافز الاقتصادية من الانعطافة التركية الجديدة، فهي أوضح من أن نسعى وراء "تحليلها": ستتحول تركيا، في السنوات القادمة، إلى ممر لنقل الغاز من كل مكان إلى أوروبا: من كردستان العراق وروسيا وإسرائيل، وربما من إيران أيضاً. هذا دون أن نذكر عودة السياح الروس والإسرائيليين إلى الشواطئ التركية الرخيصة والجذابة.
 
٭ كاتب سوري