الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما الذي تخشاه تركيا حقيقة؟

ما الذي تخشاه تركيا حقيقة؟

18.10.2015
د. محمد مصطفى علوش



الشرق القطرية
السبت 17/10/2015
إلقاء الطائرات الأمريكية أسلحة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري لمواجهة تنظيم داعش وفقا للتصريحات الأمريكية مثَّلَ صدمة واسعة للحكومة التركية التي بادرت فورا إلى استدعاء سفيري الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، محذرة من خطورة الدعم المقدم لهؤلاء على الأمن القومي التركي.
فمن يريد احتواء النار المشتعلة وليس توسيعها يفترض به تقديم هذا الدعم للجيش السوري الحر والألوية الكردية المنضوية تحته، وليس إلى فصيل كردي يسعى إلى الانفصال، وينتمي روحيا وتنظيميا إلى حزب العمال الكردستاني المصنف ضمن التنظيمات الإرهابية على قوائم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، كان لسان حال رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو.
وإذا كان مفهوماً استدعاء السفير الأمريكي على خلفية هذا الموضوع، فما هو المبرر لاستدعاء نطيره الروسي؟
أنقرة تعيش قلقا جدياً متصاعداً منذ الانتخابات البرلمانية السابقة. وقد تعزز هذا القلق مع الإخفاقات الأمنية والسياسية التي تمظهرت بتمكن الإرهاب من ضرب العاصمة أنقرة، حاصداً ما يقرب من مئة قتيل وذلك قبيل الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها مطلع الشهر المقبل.
لقد كان الأمر بمثابة صفعة موجعة للحكومة، ولأجهزتها الاستخباراتية، وكذلك لحزب العدالة والتنمية الذي يسعى لحصد أغلبية مريحة تسمح له بتشكيل الحكومة منفرداً وسط تباطؤ في النمو وتدفق مزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا.
الاتهامات التركية غير معهودة، إذ وجهت أصابعها إلى كلّ من الأسد وداعش وحزب العمال الكردستاني PKK، وهو أمر يحمل في طياته أبعاداً سياسية أكثر منها جنائية، إذ لم يثبت من قبل أن تعاوناً قام بين العمال الكردستاني وتنظيم داعش. فهما عدوان لدودان أيديولوجيا وسياسيا، ودعم الولايات المتحدة للاتحاد الديمقراطي السوري جاء على خلفية نجاحه في وقف تمدد داعش في عين العرب "كوباني" ومن ثم طرده من بلدات كردية وعربية أخرى.
لكن الاتهامات للاتحاد الديمقراطي بالتعاون والتنسيق مع النظام السوري وتهجير قسري لعوائل عربية من بلدات كردية أو مختلطة أثار الريبة حول النوايا الحقيقية للحزب، لاسيَّما أن منظمة العفو الدولية اتهمته في بيان بارتكاب جرائم حرب في سوريا، وهو أمر غضت واشنطن والاتحاد الأوروبي وروسيا النظر عنه.
أمّا استدعاء أنقرة للسفير الروسي، فهو يأتي على خلفية اللقاء الذي جمع المبعوث الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوجدانوف مع رئيس الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم في باريس.
وتنتاب أنقرة الشكوك من سعي روسي لتقديم الدعم العسكري أو إشراك الأكراد في غرفة التنسيق التي أنشأتها موسكو مع كل من طهران ودمشق وبغداد لمواجهة الإرهاب.
والمراهنة على الحزب الكردي في سوريا تؤتي أوكلها بشكل جيد، كون الحزب أظهر قدرة قتالية عالية واستقطب تعاطفا دوليا لصالح الأكراد عندما ظهرت قضيتهم على أنها استهداف عرقي لهم وليس مذهبيا، على اعتبار أن الأغلبية الساحقة من الأكراد في المنطقة يعتنقون المذهب السني.
روسيا تريد تحييد تركيا في معركتها المفتوحة في سوريا، كما تريد استثمار جميع أوراقها في سبيل هذا الهدف.
وليس أربح من الورقة الكردية لردع أنقرة من تسهيل مرور مقاتلين جدد إلى الفصائل الإسلامية المتشددة في سوريا أو تزويد فصائل الجيش السوري الحرّ بمضادات للطائرات ومضادات للدروع. وهو إن حصل فقد يفرّغ الجهد العسكري الروسي من مضمونه، ويدفع موسكو للغرق في المستنقع السوري بعد أفغنته. ومن هنا فإن التصلب السعودي إزاء سيناريو الحلّ الذي تروج له موسكو، ومن ثم تقاربها مع أنقرة وتطابقهما في الرؤية السورية يُشعر موسكو بحاجتها الشديدة لاستغلال الورقة الكردية في وجه الأتراك.
تجد أنقرة نفسها أمام ملفات مركبة ومتداخلة، والخيارات المتاحة أمامها قليلة، وتكاد أن تتساوى في حجم مخاطرها.