الرئيسة \  تقارير  \  ما الذي يحدث إذا قامت روسيا بغزو أوكرانيا؟

ما الذي يحدث إذا قامت روسيا بغزو أوكرانيا؟

19.02.2022
تشارلز ليبسون


تشارلز ليبسون* – (ذا سبكتيتور) 14/2/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الخميس 17/2/2022
لا يعتقد المحللون العسكريون أن الجيش الروسي سيحتاج وقتاً طويلاً لهزيمة قوة أوكرانية أصغر وأضعف بكثير. ولكن قبل أن يقف بوتين أمام يافطة كتُب عليها “المهمة أُنجِزت”، فإنه سيتذكر بالتأكيد الجروح المميتة التي عانى منها الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. كان السكان هناك مسلحين جيدًا ومنظمين وفي وضع جيد لإلحاق دفق مستمر من الخسائر بقوة احتلال.
* *
انتهت “نهاية التاريخ
سوف تدفع روسيا ثمناً باهظاً إذا قامت بغزو أوكرانيا، سواء كانت تغزو للاستيلاء على الدولة بأكملها أو المنطقة على الشرقية حول دونباس فحسب. وقد حشد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالفعل أكثر من 100.000 جندي بالقرب من حدود أوكرانيا، ونقل إليها الدبابات والمدفعية الثقيلة والطائرات، وجلب المسعفين وإمدادات الدم اللازمة للتعامل مع الإصابات. وقامت الحكومات الغربية بإجلاء جميع الموظفين الدبلوماسيين باستثناء الأساسيين وطلبت من مواطنيها المغادرة، الآن.
ومع ذلك، لا أحد يعرف ما الذي قرره بوتين، أو حتى ما إذا كان قد قرر من الأساس. وقد نجم عن زيارات كبار السياسيين الغربيين إلى موسكو القليل من المعلومات، وعدم وجود حل دبلوماسي. ويبدو أن الرسالة هي أن بوتين ما يزال غير مهتم بأي تسويات.
ولكن، بدلاً من محاولة تخمين ما سيفعله بوتين، دعونا نركز على التكاليف التي قد يتحملها والفوائد التي قد يجنيها إذا قام بغزو ذلك البلد.
عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا
بغض النظر عما إذا كان بوتين يفكر فيه عندما بدأ حشده العسكري، يجب عليه الآن أن يدرك أنه يواجه عقوبات اقتصادية مدمرة إذا قام بالغزو. إنه مستعد لها جزئيًا، ولكن جزئيًا فقط. فقد راكمت روسيا احتياطيات كبيرة للبنك المركزي (600 مليار دولار) وأقامت علاقات تجارية واستثمارية أقل مع الغرب منذ غزو القرم في العام 2014.
سوف تؤدي مجموعة جديدة من العقوبات الغربية على الطاقة، والمعاملات المصرفية الدولية، إلى قطع روسيا فعليًا عن الأسواق الغربية والاستثمارات الجديدة. قد يكون هذا خبراً سيئاً للبلد بأسره وخاصة بالنسبة للقلة الحاكمة حول بوتين. وبطبيعة الحال، ستعمل الضربة في كلا الاتجاهين: ستكون ألمانيا معرضة بشكل خاص إلى تباطؤ الصادرات.
أسعار طاقة أعلى بكثير
من الواضح أن هذه ستضر بالاقتصاد العالمي بأكمله، بما في ذلك الصين (كمستورد رئيسي للطاقة)، لكنها ستساعد روسيا كدولة منتجة للغاز. ومع ذلك، فإن الأسعار المرتفعة تعني أن بوتين سيضطر إلى بيع كل شيء تقريبًا لبكين، الأمر الذي من شأنه (أ) التفاوض بشدة بشأن الأسعار والإمدادات، و(ب) جعل روسيا شريكًا تابعاً، سياسيًا واقتصاديًا.
انجراف شولز وبايدن
تريد برلين بالتأكيد مواصلة مشروع “نورد ستريم 2، إذا كان بإمكانها ذلك. فقد أوقفت ميركل قوتها النووية بعد انصهار قلب مفاعل فوكوشيما في العام 2011 وجعلت ألمانيا عمدًا تعتمد على الطاقة الروسية. والآن يعود هذا الخيار لبعض الألمان. كان بايدن واضحًا جدًا: إنه يريد قتل مشروع “نورد ستريم 2” إذا قام الروس بالغزو.
ما مدى قلق برلين بشأن هذا الاحتمال؟ حسنًا، لن يقول مستشارهم الاشتراكي الديمقراطي الجديد، أولاف شولتز، اسم خط الأنابيب في الأماكن العامة. ولن تنضم حكومته إلى أعضاء الناتو الآخرين في تزويد أوكرانيا بالمساعدة المميتة التي تحتاجها لمحاربة (أو ردع) الروس. وفي لفتة محرجة، أرسلت برلين لهم بضعة آلاف من الخوذات العسكرية. على الأقل لم تكن من الخوذات البروسية القديمة، بتلك المسامير في الأعلى.
مهما يكن ما تعتقده ألمانيا، فإن الولايات المتحدة مستعدة، وراغبة، وقادرة على قطع العلاقات الغربية -بما في ذلك العلاقات الألمانية- مع روسيا إذا نفذ بوتين غزوه. ولكن، في حين أن بايدن مستعد لفرض تلك التكاليف على شركاء أميركا، فإنه لم يُظهر أي استعداد لاتخاذ خيارات محلية صعبة هو نفسه.
السؤال الحاسم هو ما إذا كان بايدن سيغير سياساته الخاصة بمكافحة الحفر، ومكافحة خطوط الأنابيب، ومكافحة النفط والغاز لمساعدة أوروبا وتعويض خسارة أميركا الخاصة لواردات الطاقة الروسية. حتى الآن، لم يُظهر بايدن أي علامة على استعداده للقيام بذلك. منذ اليوم الأول لإدارته، عندما أوقف خط أنابيب “كيستون إكس.إل”، اتبع أجندة التقدميين بخصوص الطاقة الخضراء. وعندما كان في حاجة إلى النفط، دعا منظمة “أوبك” إلى زيادة الإنتاج. وماذا كان ردهم؟ “افعل ذلك بنفسك”. بعيدًا عن الأنظار، لن ينفع التغافل بايدن إلى الأبد: فقد يدفع ثمنًا أعلى إذا حلقت أسعار الطاقة.
مقامرة سياسية ضخمة لبوتين في الداخل
إنه قرار غريب، لأنه يمتلك بالفعل قبضة قوية على السلطة وسيكون بصدد المخاطرة بها من دون حاجة إلى ذلك. بطبيعة الحال، سيحقق النجاح بعض المكاسب السياسية الكبيرة، بدءًا من استعادة مكانة روسيا كقوة عظمى. كما أنه سيوسع قبضة الكرملين على “الخارج القريب”، كما يشير القادة الروس إلى مجال النفوذ السوفياتي القديم. في الواقع، سيكون بصدد ترميم جزء من الإمبراطورية القيصرية وجزء من حلف وارسو، حيث كانت الدول “المستقلة” تابعة حقًا لموسكو ومعتمدة على دعمها العسكري.
ربما يقوي بوتين الناتو بدلاً من تقسيمه
سوف يغضب السكان الغربيون وحكوماتهم من غزو واسع النطاق، والذي يكون من شأنه أن يقتل الأوكرانيين الأبرياء ويظهر أن روسيا ليس لديها نية لترك تسوية ما بعد الحرب الباردة قائمة.
إذا كان بوتين يعتقد أن عرضاً للقوة العسكرية -واستعداده لاستخدام القوة المميتة داخل أوروبا- يمكن أن يخيفا الناتو، فإنه قد أخطأ التقدير. وقد كشفت المراحل الأولى من حشده العسكري عن وجود اختلافات كبيرة داخل التحالف، لكن هذه الاختلافات ستتضاءل إذا قام بالفعل بغزو أوكرانيا. ومن شأن هذا الإجراء أن يعيد إحياء التحالف ويعطيه مهمة واضحة: منع المزيد من العدوان الروسي، خاصة ضد بولندا ودول البلطيق.
يحتمل كثيراً أن تسعى فنلندا والسويد إلى الحصول على عضوية الناتو، الأمر الذي قد يثير أسئلة إستراتيجية خطيرة للغاية للتحالف نفسه، لأن فنلندا تشارك فعليًا الرمز البريدي الخاص بسانت بطرسبرغ. وسوف تثير عضوية فنلندا، على وجه الخصوص، غضب أي حكومة روسية وتؤدي إلى رد فعل قوي إذا فكر فيها الناتو.
مخاطر داخلية تنتظر بوتين إذا تكبد جيشه خسائر فادحة
قد يأتي بعض هذه المخاطر أثناء الغزو نفسه، لكن احتلالاً طويل الأمد لأراضي معادية يشكل خطراً أكبر. ولا يعتقد المحللون العسكريون أن الجيش الروسي سيحتاج وقتاً طويلاً لهزيمة قوة أوكرانية أصغر وأضعف بكثير. ولكن قبل أن يقف بوتين أمام يافطة كتُب عليها “المهمة أُنجِزت”، فإنه سيتذكر بالتأكيد الجروح المميتة التي عانى منها الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. كان السكان هناك مسلحين جيدًا ومنظمين وفي ووضع جيد لإلحاق دفق مستمر من الخسائر بقوة احتلال. وينطبق الشيء نفسه على أوكرانيا. وإذا كان بوتين قد شك في ذلك، فقد كانت لديه أسابيع ليشاهد السكان وهم يتدربون على حرب المدن، وسنوات لمشاهدة الخسائر في شرق أوكرانيا، حيث تتعرض القوات المدعومة من روسيا وروسيا إلى هجوم مستمر. وهو يعلم أن المنطقة موالية لروسيا أكثر بكثير من بقية البلاد.
لا يستطيع نظام تابع في كييف تعويض قوة احتلال روسية
لن يتمكن بوتين من تجنب هذه المخاطر من خلال زرع نظام دمية تابع في أوكرانيا. إن مثل هذا النظام لا يستطيع، ببساطة، القيام بالمهمة. وكان على بوتين أن يعرف ذلك من خلال التجربة الملموسة. فقد تم طرد آخر نظام صديق في كييف من البلاد عندما أجبره بوتين على التخلي عن خطط لإقامة علاقات اقتصادية أقوى مع أوروبا الغربية وإقامتها مع روسيا بدلاً من ذلك. وقد عرف السكان المحليون ما يعنيه ذلك اقتصاديًا وسياسيًا، وانتفضوا وطردوا النظام في العام 2014.
إذا كان التاريخ يمكن أن يكون دليلاً، فسيتعين على روسيا أن تترك قوات الاحتلال في مكانها في جميع أنحاء أوكرانيا، حيث تتسبب قوات حرب العصابات المحلية في سفك دمائها كل يوم. وهذا يعني عودة أكياس الجثث إلى العائلات المكلومة في الوطن. وهو ما يعني أن الروس الذي يعانون سيسألون: “لماذا كان كل هذا؟”.
محدوديات غزو جزئي
سوف يكون من شأن غزو محدود لشرق أوكرانيا فقط تأمين جسر بري إلى شبه جزيرة القرم والحد من الخسائر الروسية، لكنه سيجعل روسيا تتكبد معظم التكاليف الأخرى التي يهدد الغرب بفرضها. وقد يفكر بوتين بأن تكاليف غزو لكامل البلد لن تكون أعلى من ذلك بكثير. لكن هذا الحساب يغفل التكاليف الأكبر بكثير التي يُرتبها وجود احتلال طويل الأمد في منطقة معادية.
الصين تراقب
تمامًا كما أثيرت شهية روسيا تجاه أوكرانيا من خلال انسحاب بايدن الأخرق من أفغانستان، فإن الصين ستكون متخمة إذا لم تدفع روسيا ثمناً باهظاً للغزو. ثمة اختلافات جوهرية، بطبيعة الحال، بين التطلعات العسكرية للصين وتطلعات روسيا. فالغزو البرمائي أصعب بكثير من الغزو البري. وتمتلك الصين القوات اللازمة لتنفيذ احتلال واسع النطاق، إذا لزم الأمر. لكن لدى الصين نقطة ضعف أكبر بكثير أيضًا. إن اقتصادها يعتمد أكثر بكثير من اقتصاد روسيا على التجارة والاستثمار مع الغرب. وإذا رأت بكين أن روسيا أصبحت معزولة تمامًا عن تلك الأسواق الرئيسية، فسيتعين عليها أن تأخذ هذا التهديد الاقتصادي بجدية أكبر.
أول حرب إلكترونية واسعة النطاق
ستكون هذه أول حرب سيبرانية كبيرة. وروسيا مجهزة تجهيزًا جيدًا لشنها -ليس في أوكرانيا وحدها، ولكن في غرب ووسط أوروبا والولايات المتحدة نفسها. لا أحد لديه أي خبرة في كيفية تصعيد مثل هذا الصراع أو حجم الخسائر المدنية التي يمكن أن يتسبب فيها. قال بايدن، مثل جميع شركائه الأوروبيين، إن قوات الناتو لن تتورط في أوكرانيا. لكن بوتين يستطيع أن يمد يده ويشن هجمات إلكترونية على أهداف غربية رئيسية: على كل شيء، من الأنظمة المصرفية، إلى الشبكات الكهربائية إلى المستشفيات. ونحن نمتلك بعض الخبرة في التعامل مع مثل هذه الهجمات، ولكن لا شيء لردعها.
لا تخطئن التقدير. سوف يفرض غزو رئيسي كبير تكاليف باهظة، ليس على المقاتلين والأنظمة السياسية في روسيا وأوكرانيا فحسب، وإنما على العالم بأسره. ومن المرجح أن يعيدنا ذلك إلى تكرار آخر للحرب الباردة، مع تحالف روسيا مع كل من الصين وإيران وكوريا الشمالية.
الاحتمالات مخيفة، ويد بوتين موضوعة على منظم الحرارة.
*أستاذ “بيتر ب. ريتزما” الفخري للعلوم السياسية بجامعة شيكاغو، حيث أسس برنامج السياسة الدولية والاقتصاد والأمن.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: What really happens if Russia invades Ukraine?