الرئيسة \  تقارير  \  ما برامج السياسة الخارجية للأحزاب الألمانية المتنافسة اليوم؟

ما برامج السياسة الخارجية للأحزاب الألمانية المتنافسة اليوم؟

28.09.2021
النهار


النهار
الاحد 27/9/2021
لخّصت المحللة البارزة في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" أولريكي فرانكي أبرز النقاط في البرامج الانتخابية للأحزاب الألمانية المتنافسة في الانتخابات التشريعية. وأشارت بداية إلى أن السياسات الدفاعية والخارجية نادراً ما تحدد نتيجة الانتخابات في #ألمانيا. مع ذلك، بإمكان السياسة الخارجية أن تلعب دوراً أكبر من المتوقع في مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي.
وأضافت أن العالم يدخل مرحلة من التنافس الاستراتيجي ولهذا السبب يتوقع كثر من ألمانيا أن تلعب دوراً أكبر. وفي الولاية التشريعية المقبلة، سيكون على الحكومة إصدار قرار جوهري واحد على الأقل في ما خص السياسة الألمانية الدفاعية: احتمال استبدال أسطول "تورنايدو" الجوي المتقادم وهو أسطول ذو قدرات نووية. ولهذا الأمر انعكاساته على إمكانية مشاركة ألمانيا في برنامج التشارك النووي لحلف شمال الأطلسي (ناتو).
خصصت الأحزاب الستة في البرلمان الألماني بين 10 إلى 20 صفحة من برامجها الانتخابية للسياسات الخارجية والدفاعية بينما غطى بعضها السياسة الأوروبية في أقسام منفصلة ضمن وثائقها.
الصورة الكبرى
عموماً، يبدو أن الأحزاب تتفق في ما بينها على تقييمها للتحديات العالمية. الحزبان المسيحيان المتحالفان (#الاتحاد الديموقراطي المسيحي/#الاتحاد الاجتماعي المسيحي) يلاحظان "أننا في خضم تغيير عالمي وعصري" وأن الديموقراطيات والأوتوقراطيات "يصارع بعضها بعضاً لرسم المستقبل في القرن الواحد والعشرين". كذلك، يتحدث "#الحزب الديموقراطي الاجتماعي" عن "تنافس عالمي".
يشير "البديل لأجل لألمانيا" إلى تحول العلاقات الدولية باتجاه نظام دولي متعدد الأقطاب. ويريد "الحزب #الديموقراطي الحر" "مواجهة السعي الاستبدادي إلى السلطة" وهو ما يمكن إيجاده بالحرفية نفسها تقريباً في برنامج "#الخضر".
يرى حزب "#دي لينكي" (اليسار) وجود خصومات جيوسياسية لكنه يجد أن جميع الأطراف متساوية الذنب وينتقد الولايات المتحدة بسبب تبنيها "مساراً صدامياً للحفاظ على هيمنتها الخاصة".
بحسب فرانكي، توافق جميع الأحزاب على الوضع العام لكنها تختلف في كيفية معالجة هذه التحديات. يريد "دي لينكي" تحولاً نوعياً في السياسة الخارجية: حل الناتو واستبداله بـ"نظام أمني جماعي بمشاركة روسية". ويعارض أي "اتحاد عسكري" أوروبي كما يهدف إلى إغلاق جميع القواعد العسكرية الأجنبية على الأراضي الألمانية ويروج لإنهاء جميع عمليات الانتشار العسكري الألماني في الخارج بما فيها عمليات التدريب والدعم للحلفاء الأطلسيين في منطقة البلطيق. لذلك، من المستبعد أن يدخل "دي لينكي" (حوالي 7% في استطلاعات الرأي) أي ائتلاف حكومي.
ويشير بيان الحزب إلى "أننا لن نشارك في حكومة تشن الحروب وتسمح للقوى المسلحة بالمشاركة في العمليات الخارجية – تروج لمراكمة الأسلحة والعسكرة". وهذا البيان يستبعد المشاركة في تحالف مع أي حزب آخر في البرلمان.
 الأدوار السياسية لألمانيا وأوروبا
تريد الأحزاب الأخرى بمعظمها من ألمانيا والاتحاد الأوروبي الانخراط في دور أقوى على هذا الصعيد. لكن "البديل" يريد الحدّ من تأثير الاتحاد في هذا المجال. تضيف فرانكي أن الحزبين المسيحيين يتصوران الدور الأقوى لألمانيا التي يريان فيها "مرساة للاستقرار في عالم دولي". ويقولان: "يجب أن نكون أكثر استعداداً مما كنا عليه في الماضي لاستخدام كل أدوات السياسة التنموية والدفاعية والخارجية – بما فيها تلك العسكرية إذا دعت الحاجة – مع حلفائنا وشركائنا، مع احترام القانون الدولي ومتطلباتنا الدستورية".
يرغب الحزبان أن تصبح أوروبا شريكاً مساوياً للولايات المتحدة حيث يمكنهما الدفاع عن الحرية والسلام والديموقراطية في العالم.
من جهتهم، يركز الديموقراطيون الأحرار أكثر على أوروبا التي يريدون لها أن تصبح "لاعباً دولياً حقيقياً". ويدافعون عن "السيادة الاستراتيجية المفتوحة" أي القدرة على التحرك باستقلالية. ويتوق هؤلاء إلى تحول الاتحاد الأوروبي لدولة فيديرالية في نهاية المطاف ويدعمون تأسيس اتحاد أوروبي دفاعي كخطوة نحو إنشاء جيش أوروبي.
يذكر الديموقراطيون الاجتماعيون ضرورة تأسيس جيش أوروبي أيضاً "من ضمن قوة سلام أوروبية". يشدد الحزب على أهمية الناتو لكنه يريد بالتوازي اتحاداً أوروبياً أكثر قوة.
يدعم الخضر اتحاداً أوروبياً أمنياً "مع رقابة برلمانية قوية وضوابط تقييدية مشتركة على صادرات الأسلحة". يريدون أيضاً تعاوناً عسكرياً على المستوى الأوروبي علماً أن حافزهم هو بناء قدرات أوروبية "عوضاً عن إنفاق المزيد من الأموال بشكل لانهائي على هيكليات عسكرية وطنية موازية". لكنهم يعارضون جهود تأسيس "صندوق أوروبي دفاعي".
أكثر ما ينفرد فيه الخضر في برنامجهم الانتخابي هو تبنيهم سياسة خارجية نسوية "ما بعد استعمارية" و"مناهِضة للعنصرية" حيث يكمن الهدف في "نظام دولي تُحل فيه النزاعات لا عبر شريعة الأقوى لكن عبر طاولة التفاوض". في هذا السياق، يريد الخضر تحليلات جنسانية منتظمة لسياقات الدولة الفردية" و"توجيهات ملزمة لسياسة خارجية نسوية للحكومة الفيديرالية".
تتشابه سياسة "البديل" مع "اليسار" من حيث استثنائيتها بالنسبة إلى القاعدة العامة. لا يرفض "البديل" الاتحاد الأوروبي بشكل كامل لكنه يريد "أوروبا موطن الآباء"، مجتمَعاً من الدول السيدة ويرى في المزيد من الاندماج الأوروبي مصدراً للنتائج العسكية. هو يعارض سياسة أمنية ودفاعية مشتركة لبروكسل و"دائرة العمل الخارجي الأوروبي".
الأكثر لفتاً للأنظار بحسب فرانكي هو إصرار "البديل" على "الامتثال الصارم لمتطلب عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بما في ذلك الجهات الفاعلة غير الحكومية". يشير الحزب علناً إلى حق الشعوب في تقرير المصير الذي "يجب ألا يتقوض" على يد المنظمات غير الحكومية أو الشركات الكبرى. ويتحدث أيضاً عن أن دولاً مثل روسيا تتمتع بـ"فضاءات مصالح" في جوارها المباشر حيث على القوى الأخرى الامتناع عن البناء العسكري. يدافع "البديل" و"اليسار" بالشكل الأقوى عن علاقة جديدة مع روسيا. يريد "البديل" إنهاء العقوبات الأوروبية على روسيا ودمجها في هيكلية أمنية شاملة ويؤكد أن استكمال مشروع "نورد ستريم 2" هو هدف لا غنى عنه.
 الجيش والدفاع
تشتهر هذه القضية بصعوبة مقاربتها في ألمانيا. توافق الأحزاب الأساسية، باستثناء "اليسار"، على أن الجيش (بوندسْوِهر) بحاجة للمزيد من التمويل. يرى الخضر أنه يجب تجهيز الجيش على مستوى العديد والعتاد بطريقة متناسقة مع تفويضه ومهامه كما يتوجب تنظيمه بأفضل طريقة ممكنة. ويعد الديموقراطيون الاجتماعيون الجنود بأنه "يمكنهم الاعتماد علينا".
ويصف الحزبان المسيحيان المتحالفان نفسيهما بأنهما "حزبا الجيش" ويريدان تجهيزه بالكامل وزيادة عديده الفاعل من 185 ألفاً إلى 203 آلاف. ويريد "البديل" إعادة التجنيد الإجباري الذي علقته الحكومة سنة 2011.
بصرف النظر عن البيانات، يدعم الحزبان المسيحيان علناً، والديموقراطيون الأحرار ضمناً، هدف إنفاق 2% من الناتج القومي على الدفاع وهو هدف لا تزال المانيا بعيدة جداً عنه. ينتقد الخضر أسلوب احتساب هذا الهدف ويرفضونه.
 التحالفات والتشارك النووي
ثمة خلافات جوهرية بين "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" و"الحزب الديموقراطي الاجتماعي" في ما خص مقاربتيهما للجيش. يتضمن برنامج الحزبين المسيحيين جملة لافتة: "يجب أن نكون أكثر استعداداً مما كنا عليه في الماضي لاستخدام كل أدوات السياسة التنموية والدفاعية والخارجية – بما فيها تلك العسكرية إذا دعت الحاجة – مع حلفائنا وشركائنا، مع احترام القانون الدولي ومتطلباتنا الدستورية". واللافت بحسب الأكاديمية نفسها هو عبارة "تلك العسكرية، إذا دعت الحاجة".
ليس من المعتاد في النقاشات الألمانية استعمال اسم الجيش كأداة في السياسة الخارجية بهذا الشكل العلني. لحزب الخضر الذي يجد جذوراً في التيار المسالم وجهة نظر مختلفة. هو لم يعد يرفض التدخلات العسكرية بالكامل لكنّ بيانه يشدد على أن القوة العسكرية هي الملاذ الأخير بعد استنفاد جميع الخيارات الأخرى مثل العقوبات والمقاطعة. ويقترح بيان الخضر أنه يمكن أن تطرأ حاجة لاستخدام الجيش "لتفادي الإبادة الجماعية".
عادة، ما من حاجة ضرورية لذكر هكذا مقاربات جوهرية في اتفاق حول تشكيل حكومة ائتلافية، لكن هذه المقاربات تشير إلى فهم مختلف للسياسات الخارجية والدفاعية، وهو صدع قد يكون رأبه صعباً.
بالمقابل، تمت مناقشة استخدام الطائرات المسلحة بدون طيار (درونز) طوال أكثر من عشرة أعوام في ألمانيا. لكن قراراً بهذا الشأن يمكن أن يتم تأجيله لأجل غير مسمى، بالرغم من أن فرانكي لا تنصح بهذا المسار. على العكس من ذلك، سيتطلب برنامج الناتو للتشارك النووي قراراً أكثر أهمية وتوجيهاً وفورية لصناع القرار الألمان.
اختارت حكومات عدة تفادي نقاش متى وما إذا كان يجب استبدال أسطول "تورنايدو" من الطائرات القادرة على حمل قنابل نووية أميركية. لكن من المقرر أن يحال الأسطول إلى التقاعد في 2024 وهذا الأمر يترك وقتاً ضئيلاً لإيجاد بديل. هنالك خطر حقيقي في إمكانية ابتعاد ألمانيا عن التشارك النووي. والمثير للاهتمام بحسب فرانكي أن كل الأحزاب تكتم أفكارها وتتفادى كتابة بيانات محددة جداً على الرغم من أنها تضم خبراء مدركين جداً للأمر. وتتوافق الأحزاب حول فكرة أنه على المدى البعيد يجب أن يتم التخلي عن جميع الأسلحة النووية.
لكن "اليسار" يريد التخلص منها فوراً وإنهاء وجود الأسلحة النووية الأميركية في ألمانيا. وحدهما الحزبان المسيحيان يدعمان علناً التشارك النووي مشيرين إلى أن الأمن الأورو-أطلسي "مضمون من خلال التشارك النووي". ويدعو الديموقراطيون الاجتماعيون إلى "مناقشة واعية وموضوعية ودقيقة لتقنية التشارك النووي" قبل أن تصدر الحكومة قرارها بشأن نظام يخلف التورنايدو.
ويلمّح الخضر إلى معارضتهم للتشارك النووي ويتحدثون عن "عقائد ردع من الحرب الباردة عفا عنها الزمن" لكنهم يتركون باب النقاش مفتوحاً حول القضية. بذلك، تبقى البرامج صامتة إلى حد ما بشأن واحدة من أبرز القضايا الخارجية والدفاعية التي تواجهها ألمانيا.