الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد الاتفاق النووي: انطلاقات إيران وطلقات سوريا

ما بعد الاتفاق النووي: انطلاقات إيران وطلقات سوريا

27.11.2013
دريد درغام


السفير
الثلاثاء 26-11-2013
برغم العقوبات الدولية في السنوات الأخيرة، تمكنت إيران في السنوات الأخيرة من رفع ناتجها المحلي الإجمالي ليصل إلى حوالي 600 مليار دولار (مقارنة مع 400 مليار دولار العام 2010، و100 مليار دولار قبل 10 سنوات). وهذا البلد الذي يقارب عدد سكانه 75 مليوناً تمكنت فيه الحكومة من تخفيض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي إلى حوالي 10 في المئة بالمقارنة مع 25 في المئة عام 2004.
لقد استطاعت إيران رغم انخفاض قيمة عملتها في السنوات الأخيرة تحقيق منجزات مميزة على مختلف الصعد. ورغم احتلالها مراتب متقدمة بين الدول من حيث احتياطي النفط والغاز، لم تعتمد كثيراً على مبيعات الثروات الباطنية الخام كما في العديد من دول الشرق الأوسط. ورغم العقوبات تمكنت من تغيير تركيبة مساهمة القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي حيث انخفضت حصة الخدمات من أكثر من 50 في المئة عام 1990 إلى حوالي 40 في المئة مؤخراً وزادت حصة الصناعة لذات الفترة من 28 في المئة إلى 45 في المئة. ونظراً لاستهلاكها الكبير في مختلف أنواع الوقود (يستهلك المواطن الإيراني أضعاف معدلات استهلاك الطاقة لدى المواطن في الغرب)، اهتمت الحكومة الإيرانية بإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية لتوفير التكاليف الضخمة المخصصة لدعم الوقود والغاز والكهرباء (عشرات مليارات الدولارات سنوياً) وتصدير فوائض إضافية من الوقود والكهرباء.
تستطيع إيران حالياً إنتاج حوالي 70 ألف ميغا واط من الكهرباء (في المرتبة 14 عالمياً والأولى شرق أوسطياً). وقد صدّرت عام 2012 حوالي مليار دولار من الكهرباء إلى دول منها العراق وأفغانستان وتركيا وباكستان. ويتم حالياً مد كابلات تحت البحر للتصدير إلى الإمارات العربية المتحدة، كما يتحضر التشبيك مع روسيا. وتحضر إيران ذاتها لبناء عقدة من شبكات الكهرباء باتجاه أوروبا ودول الجوار المباشرة (باكستان وأفغانستان وتركمانستان وأذربيجان وأرمينيا وتركيا والعراق)، وغير المباشرة عبر البحار القريبة مثل قزوين والخليج (روسيا وكازاخستان ودول الخليج..).
ضمنت إيران بالاتفاق الأخير مع الغرب حقها بالتخصيب وإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية، وبذلك تكون قد حققت العديد من المكاسب بما فيها تخفيض تكاليف دعم الطاقة وتحقيق المزيد من الصادرات وزيادة القيمة المضافة للصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق قفزة اقتصادية غير مسبوقة عبر رفع تدريجي للعقوبات عن اقتصادها وأرصدتها المجمدة (بعضها يعود لأيام الثورة الإيرانية) تمهيداً لتحقيق قفزات تنموية غير مسبوقة لشعب أتقن لعبة الانتظار مع التفاني في العمل والإيمان بروح الجماعة وتراكم المعارف.
إذا كان لدى إيران أوراق اقتصادية وسياسية كثيرة وعلمت كيف يتم التفاوض عليها، ما الذي سيحققه الاتفاق لباقي دول المنطقة بما فيها سوريا؟
نعتقد بأن دول الخليج عموماً، وحسب ظروف كل منها ستتعاون مع إيران عاجلا أو آجلا، وستكتشف أن مكاسبها، بالتوقف عن تحريض البعيد القوي على إضعاف الجار القوي. أما بالنسبة لسوريا فنعتقد أن دول المنطقة المعنية بأطراف الأزمة لن تتخلى عما تفترض أنها ثوابتها، لا بل قد نشهد بعد اتفاق إيران مع الغرب و«حرد» الخليج منه، مزيداً من تصفية الحسابات في الميدان السوري.
وإذا كانت براغماتية الإيرانيين معروفة في المفاوضات التي لا يتخلون فيها بسهولة عن أوراق يملكونها، نأمل أن يكون لدى سوريا أوراق كافية تضمن لها في جميع الميادين عدم إيجاد تسويات قد تستنزفها بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد نضطر للانتظار ردحاً من الزمن قبل استعادة سوريا قدرتها السابقة على تصدير سلع صناعية كثيرة بما فيها الادوية والكهرباء والنسيج وغيرها. وإذا كانت الأزمة السورية قديمة لجهة غياب الرؤية الاقتصادية، وتقلص الطبقة المتوسطة، فإنها تفاقمت كثيراً في السنوات الأخيرة عبر تدمير البنية التحتية وسياسة تأجيل الحلول الجذرية. وإذا كانت الصراعات العسكرية الميدانية لا تسمح بحوار العقل، فإن معاناة وتهجير الملايين ستحرف تفكير معظم السوريين عن الهواجس التنموية الحقيقية (تمييز الأولويات بين الثوابت). وأمام مشكلة ندرة موارد الطبيعة وكثرة الرغبات والاحتياجات البشرية يفترض برجالات الاقتصاد السياسي والإدارة إيجاد الحلول.
للأسف ما زال معظم مسؤولينا مقتنعين بأن علاج مؤسساتنا المريضة يكون بشراء أحدث البنى والأنظمة والتقنيات والبرامج. لذا سيستمر هدر الموارد المادية والبشرية ما دمنا نصر على شراء طيارة لتشغيلها كسيارة، والضرر أكبر إذا لم تكن طرق السير قد حضرت مسبقاً لتسير عليها أو تكون محضرة على عجل ولا تفي بالغرض.
بين انطلاقات إيرانية نحو آفاق أرحب وطلقات سورية على مستقبل غامض، نتساءل عن مفاجآت الزمن القادم ونترقب إعادة إحياء برامج ومقترحات قدمت سابقاً إلى أولي أمورٍ قاموا (كالعادة بعد طقوس الإعلام والرقص المقدس في حفلة التهليل لها) بتحنيطها على الرفوف ليضمنوا لها «دفء» غبار قرون الزمان.