الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد التسوية مع إيران

ما بعد التسوية مع إيران

10.12.2013
محمد السماك


المستقبل
الاثنين 9/2/2013
رسم التفاهم الأميركي - الإيراني لوحة جديدة من الكلمات المتقاطعة في الشرق الأوسط.
عمودياً كانت اسرائيل تريد تسوية للملف النووي الإيراني على غرار التسوية التي جرت في ليبيا معمر القذافي قبل إسقاطه. فقد بادر القذافي الى تسليم كل ما كانت تملكه ليبيا من اليورانيوم المخصب، ومن ماء ثقيل، الى الادارة الأميركية التي قامت بعد ذلك بتفكيك المفاعل النووي الصغير ونقله الى الولايات المتحدة. وبذلك اشترى القذافي استمراره في السلطة الى ان انفجر الشعب الليبي في وجهه وأسقطه بالقوة.
هذه التسوية لم تحدث مع ايران. الذي حدث هو ان إيران بموجب اتفاق فيينا سوف تحتفظ بما تملكه من يورانيوم مخصب (أو مشبع) (20 بالمائة) ولكنها في المقابل تتعهد بأمرين: الأمر الأول هو التوقف عن انتاج المزيد من اليورانيوم المخصب ومن الماء الثقيل، من دون اتلاف ما تملكه أو تسليمه الى الولايات المتحدة. اضافة الى ذلك التزمت ايران بالتعاون أكثر مع بعثات المراقبة الدولية لمنشآتها النووية.
وهذا يعني أن ايران التي تملك المعرفة لانتاج سلاح نووي لن تبادر الى انتاجه في الوقت الحاضر. وهو ما تعهدت به علناً بموجب عقد التفاهم الجديد مع الولايات المتحدة.
أفقياً تشير لوحة الكلمات المتقاطعة الجديدة الى انه بعد 34 عاماً من المقاطعة الأميركية لإيران، فان صفحة جديدة من التعاون المتبادل قد فتحت. أو على الأقل تقرر فتحها. فالولايات المتحدة لم تعد الشيطان الأكبر بالنسبة لإيران. وايران لم تعد تشكل خطراً على السلام الاقليمي والدولي بالنسبة للولايات المتحدة. بل على العكس فان ادارة الرئيس أوباما تنظر الى ايران على انها قوة مساعدة لتسوية في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية منها في العام المقبل 2014. وقد تسفر التسوية المنتظرة عن النتائج ذاتها التي أسفرت عنها تسوية الانسحاب الأميركي من العراق. اذ تحول العراق الى شوكة مذهبية في خاصرة محيطه العربي. ويمكن أن تتحول أفغانستان الى شوكة أخرى في خاصرة الباكستان التي تتمرد على الهيمنة الأميركية.
أما نقطة التقاء التحول العمودي بالتحول الأفقي في شبكة الكلمات المتقاطعة الجديدة فهي أزمة الشرق الأوسط، وأساسها القضية الفلسطينية.
ان استرضاء ايران ومبادلتها الهيمنة السياسية شرقاً وغرباً مقابل تجميد التخلي عن السلاح النووي يثير قلق الدول العربية. ومن السذاجة الاعتقاد بأن الرئيس أوباما (وادارته) سوف يكون قلقاً من رد الفعل العربي المترتب على هذا القلق. بل ربما يكون من المبالغة في التفاؤل الاعتقاد بأن الرئيس الأميركي سوف يبادر الى استرضاء هذه الدول العربية من خلال مبادرة جديدة لحل القضية الفلسطينية. ذلك ان أي مبادرة من هذا النوع تضمن ولو الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، سوف تلقى معارضة اسرائيلية. والرئيس أوباما الذي يفتش عن وسيلة لاسترضاء اسرائيل بعد الاتفاق مع ايران، لا يتحمل إغضابها مرة جديدة. فاسرائيل تعتبر الاتفاق مع ايران صفعة على خدها الأيمن. ومن الطبيعي أن ترى في أي مبادرة أميركية منصفة للفلسطينيين واسترضائية للعرب، صفعة على خدها الأيسر. من هنا فان الخطر كل الخطر هو أن يطرح الرئيس أوباما مبادرة أميركية جديدة لحل القضية الفلسطينية على قاعدة استرضاء اسرائيل. فتكون النتيجة احتواء ايران بالمحافظة على قدرتها النووية من دون العسكرية، واحتواء اسرائيل بالمحافظة على سياستها التوسعية في الضفة الغربية والقدس. وفي هذا الحال ماذا يكون رد الفعل العربي؟
لقد رفعت اسرائيل صوتها عالياً ضد الاتفاق الأميركي مع ايران، ووصفته بأنه خطأ تاريخي. وتتجه اسرائيل الى المزيد من التصعيد ضد ادارة الرئيس اوباما داخل الكونغرس الأميركي، ليس لاسقاط الاتفاق مع ايران، ولكن لتسديد ثمن هذا الاتفاق الى اسرائيل. والثمن المطلوب هو اطلاق يدها في الاراضي الفلسطينية المحتلة من خلال تهويد القدس والاعتراف بها عاصمة موحدة لاسرائيل، وبناء المستوطنات اليهودية في الأرض الفلسطينية المحتلة.
لا يستطيع الرئيس أوباما أن يقف في وجه التصعيد الاسرائيلي الذي يستهدفه، لا سيما ان المشاكل الداخلية التي تعاني منها ادارته تفرض عليه استرضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري (المعارض له) والديمقراطي (الذي ينتمي اليه). يبقى العالم العربي الذي يشكل بحكم أوضاعه الراهنة المترنحة هدفاً في متناول اليد لتحميله الثمن، مرة الى ايران... ومرة ثانية الى اسرائيل.
تكمن عقدة أوباما مع اسرائيل في النتائج المترتبة عن الموقف الذي سوف يتخذه الكونغرس. فإذا أقر الكونغرس التسوية الأميركية الإيرانية رغم اعتراض اسرائيل ورغم الحملة التي يشنها اللوبي الصهيوني (منظمة ايباك) على هذه التسوية، فان معنى ذلك انكسار شوكة اللوبي الصهيوني بحيث انه سوف يكون عاجزاً في المستقبل عن اداء الادوار الهممة التي كان يقوم بها. أما اذا رفض الكونغرس التسوية، ونجحت اسرائيل في لي ذراع أوباما، فان النتيجة ستكون فرض مزيد من العقوبات الأميركية والدولية على ايران... ومن ثم استدراج الولايات المتحدة الى حرب على ايران كما نجحت في ايام جورج بوش الابن في استدراجها الى حرب على العراق. وسيترتب على ذلك تحميل اسرائيل مسؤولية حرب أميركية جديدة لا تريدها الأكثرية الساحقة من الرأي العام الأميركي.
والسؤال هو أين تقف الدول العربية من كل هذه الاحتمالات؟
كانت الدول العربية تمني النفس بأن يمارس الرئيس أوباما ضغوطاً سياسية واقتصادية وحتى عسكرية على النظام في سورية، ولكن خلافاً لذلك فان الولايات المتحدة تتوجه الان الى ايران حليفة النظام السوري سياسياً وعسكرياً - لوقف الحرب الداخلية من دون شرط اسقاط النظام.
وكانت الدول العربية تمني النفس ايضاً بأن يمارس الرئيس أوباما ضغطاً معنوياً على الرئيس العراق نوري المالكي خلال زيارته الأخيرة لواشنطن لإخراج العراق من تحت الهيمنة الايرانية، واعادة ترميم الوحدة الوطنية العراقية بمكوناتها المذهبية والعنصرية المتعددة. ولكن النتيجة جاءت عكس ذلك تماماً على النحو الذي عكسته سياسة الرئيس المالكي الذي يتطلع الى دورة رئاسية مطلقة ثالثة!!
وهكذا في الوقت الذي كانت الدول العربية تمني النفس بأن تؤدي معالجة الملف النووي الايراني الى ليّ ذراع طموحات الهيمنة الايرانية في المنطقة، اذ بالاتفاق يطلق يدها شرقاً وغرباً.
فالولايات المتحدة منهمكة الان ليس بالبحث عن وسيلة لاسترضاء العالم العربي، بل لاسترضاء اسرائيل اولاً وفي الدرجة الأولى. ذلك ان استرضاء اسرائيل يشكل اساساً من أسس السياسة الداخلية الأميركية. فاسرائيل التي تبدي قلقاً من المعرفة الايرانية بصناعة سلاح نووي، وبامتلاكها المواد المصنعة لهذا السلاح، تحتاج الى ترضية... قد يدفع ثمنها العرب وخاصة الفلسطينيين.
انها لعبة الامم، حيث تكون الغلبة لحق القوة على قوة الحق... وحيث يحمل الضعيف أو المستضعف على تسديد ثمن التسويات السياسية.