الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد بعد... القصير

ما بعد بعد... القصير

08.06.2013
وليد شقير


الحياة
الجمعة 7/6/2013
تتدفق التوقعات عن مرحلة ما بعد سيطرة الجيش النظامي السوري و "حزب الله" على القصير، وعن مرحلة ما بعد ما بعد ما بعد القصير.
فتمكن النظام السوري والحزب من استعادة المدينة الصغيرة الواقعة عند عقدة طرق بين دمشق وريفها وحمص، وبين البقاع اللبناني الشرقي وبين حمص وريفها وهي طريق إمداد لجيش النظام مثلما هي طريق إمداد لـ "الجيش السوري الحر" والثوار ولجرحاهم الذين ينقلون من الأراضي السورية الى الأراضي اللبنانية، هو مجرد محطة في الصراع الدائر.
وإذا كان للعسكريين في الجانبين أن يتحدثوا عن المرحلة اللاحقة، فإن أصدقاء النظام في دمشق لا يتوقفون عن نقل السيناريوات العسكرية المقبلة. وكذلك وسائل الإعلام التابعة لـ "حزب الله"، وكلها سيناريوات لا تفيد إلا بأن الحرب مستمرة على الأرض السورية بمشاركة أكثر كثافة وتورطاً للحزب في أتون الأزمة السورية المديدة.
وإذا كانت المعارضة السورية التي رفعت الصوت عالياً مستنجدة بلا جدوى بالمجتمع الدولي ساهمت في جعل المعركة على المدينة مصيرية، فإن تعويل النظام و "حزب الله" على أهمية استرجاع القصير من الثوار والتعبئة العامة التي سبقت المعركة هذه جعلاها أشبه بمعركة "ستالينغراد". وهو تشبيه سرعان ما سيتلاشى حالما تبدأ المعارك التالية التي سينتقل إليها النظام مدعوماً من إيران و "حزب الله". فما يتوقعه التحالف الثلاثي المدعوم من روسيا هو أن يستفيد من السيطرة على القصير من أجل الإطباق على ما تبقى من قرى محيطة بالمدينة، ثم بدء معركة استعادة حلب التي يبشر إعلام الحزب بأنها ستحسم قريباً، على رغم أن القصير استغرق التغلب على مقاتلي المعارضة فيها أكثر من 3 أسابيع.
وإذ توحي الحلقة الضيقة المحيطة برأس النظام في دمشق بأن ما بعد القصير لن ينحصر بالسعي الى السيطرة على حلب، بل ستسبقه أو توازيه حملة عسكرية ضخمة لاستعادة كامل منطقة درعا الجنوبية، بعد إسقاط ما تبقى من ريف دمشق، لينطلق الهجوم على درعا من كل الجهات، بما فيها من محافظة السويداء، فإن كل ذلك لا يعني سوى أن القصير حلقة من حلقات المرحلة الجديدة في الحرب السورية التي ستتواصل بلا هوادة بعد تشكيل الجيش الشعبي الموالي للنظام (67 ألف رجل) دربتهم طهران قبل 3 أشهر على حرب المدن والشوارع، يضاف إليهم مقاتلو "حزب الله"، بعد اكتشافها عقم التكتيكات العسكرية للجيش السوري على مدى عامين من الأزمة.
لا يعقل والحال هذه، أن ينحصر هدف تغليب صوت المدافع والمجازر واحتلالات المناطق واستخدام غاز السارين... بتوظيف نتائج "الإنجازات" العسكرية في المفاوضات على عقد مؤتمر جنيف – 2 من أجل الحل السياسي والذي أطلق مشروعه الجانبان الروسي والأميركي قبل نيّفٍ وشهر. ولعل فشل المفاوضات التمهيدية على تمثيل الفرقاء السوريين والإقليميين في جنيف – 2 خير دليل على أن الهدف ليس الوصول الى "جهاز انتقالي تنفيذي يتمتع بصلاحيات كاملة"، كما نصّ عليه قرار جنيف الأول. فالعبارة التي بقي الاتفاق على تفسيرها وعلى ما إذا كانت تعني رحيل الأسد قبل بدء العملية السياسية أم في نهايتها متعذراً باتت تخضع لتفسير روسي وإيراني يقضي، بقوة التحولات العسكرية، بالاعتراف ببقاء الأسد في السلطة، وهو ما يجعل التوافق على جنيف – 2 مجرد مناورة روسية من جهة وتمرير أميركي للوقت لا أكثر، من جهة ثانية من دون إنهاء الأزمة، بل إبقائها تحت السيطرة قدر الإمكان كي لا تتسع إقليمياً...
وحتى لو عُقد جنيف – 2 فإنه سيكون استمراراً لمسرحية تغطي سعي موسكو وطهران ومن معهما الى استسلام المعارضة، وهو أمر يستحيل الحصول على توقيعها عليه، ويستظل بها السعي الأميركي إلى استمرار حرب الاستنزاف بين الجهات المحلية والإقليمية المتناحرة على أرض سورية، شرط ألا يمس ذلك أمن إسرائيل، وألا يطاول أمن المصالح الأميركية في المنطقة.
ما بعد القصير بعيد الأفق بقدر ابتعاد أي من فريقي الأزمة السورية عن حسم المعركة لمصلحته. حده الأدنى وقف اندفاعة المعارضة التي كانت تتطلع الى خوض معركة دمشق، بحيث يجري تقليص مناطق سيطرتها لإقامة طوق حماية على النظام، مع توزع مناطق النفوذ على المتصارعين وقيام خطوط تماس شبيهة بتلك التي شهدتها الحرب اللبنانية، طالما أنه يستحيل الحصول على الحد الأقصى أي استسلام المعارضة، أو سحقها بالكامل.
ومثلما سيستحيل على المعارضة السورية التنازل، سيكون ضربة مميتة لـ "حزب الله" أن يوقف اندفاعته العسكرية في سورية بعد التضحيات التي بذلها وعدد القتلى الذين سقطوا له وسيسقطون، لمصلحة تسوية مع المحور الأميركي – الإسرائيلي – التكفيري كما يسميه. فالحزب لم يعد قادراً على التراجع عن التعبئة التي قام بها لخوض الحرب، بل هو قد يضطر للاستدارة نحو الداخل اللبناني في هذه الحرب إذا شعر بأن هناك تسوية يمكن أن تحصل أو أن خصومه يستفيدون من تبدد قوته خارج لبنان.