الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد جنيف 2

ما بعد جنيف 2

22.02.2014
د. محمد عاكف جمال


البيان
الجمعة 21/2/2014   
على مدى السنوات الثلاث المنصرمة، شكلت الأزمة السورية أكبر معضلة في منطقة الشرق الأوسط، وتسببت في استقطاب إقليمي ودولي لم يسبق له مثيل منذ سنوات طويلة. مبعث ذلك ليس فقط استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة، التي باتت الأزمة السورية صاعق تفجير لقضايا خطيرة أخرى فيها سهلة الانتشار كاللهيب..
وإنما لأنها إحدى أبرز القضايا في الصراع الدولي بين الولايات المتحدة والغرب في جانب، وروسيا والصين وحلفاء آخرين أقل شأناً في جانب آخر. وقد تعلقت الأنظار ببوابات جنيف-2 التي فتحت ليلتقي وفدا الحكومة السورية والمعارضة لأول مرة وجهاً لوجه.
"إنه أمل ضعيف ولكنه حقيقي"، عبارة بليغة وواقعية وردت في الكلمة التي ألقاها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في الحادي والعشرين من يناير المنصرم عند افتتاحه مؤتمر جنيف-2. أعقب حفل الافتتاح أسبوع مجدب من المحادثات بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة، ليعلن الأخضر الإبراهيمي المندوب الأممي المكلف بمتابعة الأزمة السورية والمشرف المباشر على المحادثات، خلاصة تقييمه لها بالقول "نتائج المحادثات لا ترقى إلى مستوى الأزمة".
وتلت الجولة الأولى هذه جولة محادثات ثانية، ابتدأت في العاشر من فبراير الجاري، ليعلن الأخضر الإبراهيمي مجدداً في نهايتها عن فشل الطرفين في تحقيق ما يستحق ذكره، إلا أنه أعلن أن هناك جولة محادثات ثالثة لم يحدد موعدها.
الجولة الثانية من جنيف-2 بدأت متعثرة أكثر من سابقتها، ولم يكن من العسير التنبؤ بمسارها مع بقاء التوازنات الدولية على حالها. كان لدى الوفد الحكومي السوري متسع للمناورات أكثر مما توافر لدى الطرف الآخر، في محورين؛ الأول هو التشكيك في شرعية تمثيل الائتلاف الوطني للمعارضة، وطلب إشراك معارضة الداخل في المحادثات، وهو طلب أيدته روسيا لاحقاً.
والثاني هو الإصرار على مناقشة ما ورد في بيان جنيف-1 حسب تسلسل المواد التي وردت فيه، وهو ما يتيح لوفد النظام الابتعاد عن الجوهر الأساسي الذي عقد جنيف-1 من أجل تحقيقه، وهو نقل السلطة إلى حكومة انتقالية.
جنيف-2 عكس واقعية في المقاربة، فلم تكن هناك توقعات بحدوث اختراق يخفف من حدة الأزمة التي عمقتها التدخلات الإقليمية والدولية، فالشقة بين الجانبين كبيرة جداً، إلا أن الأمل الضعيف لم يتوار كلياً، بل بقي على بصيصه مع بقاء سقف التوقعات واطئاً.
لم تعد الأزمة السورية محلية أو إقليمية، فحجم الدور الدولي فيها كبير جداً، فطرفا المحادثات لم يكونا أصلاً راغبين في التفاوض مع بعضهما، إلا بعد أن أصبح موقفهما ضعيفاً ولم يعودا صاحبي القرار في تقريره. فما كان لجنيف-1 أو جنيف-2 أن ينعقدا، لولا الضغوط التي سلطت من قبل كل من الولايات المتحدة وروسيا..
كما أن عدم انهيار المحادثات في الجولتين الأولى والثانية، رغم أن الطرفين لم يكن لديهما ما يقدمانه، مؤشر هو الآخر على ما لدور هاتين الدولتين من أهمية في صياغة مستقبل سوريا. ويأتي الإعلان عن جولة محادثات ثالثة دون تعيين موعد لها، كآخر دلالة على أهمية هذا الدور.
والحقيقة أن الحديث عن دور دولي في الأزمة السورية يفتقر إلى بعض الدقة، فالمندوب الأممي الأخضر الإبراهيمي يقارب الأزمة بالتركيز فقط على دور كل من الولايات المتحدة وروسيا، متجاهلاً دور الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التي بدأت تشعر بالإحباط، خاصة فرنسا
لم يحدث تقدم في المحادثات التي جرت في الجولتين، ولم يكن من المتوقع أن يحدث ذلك، ولكن كان مقرراً ألا تنهار عملية التفاوض، وذلك لأن الولايات المتحدة وروسيا لم تتوصلا بعد إلى صيغة نهائية لتقرير مستقبل سوريا. لكن، من جانب آخر لا بد أن تكون هناك نهاية لهذه المحادثات، فاستمرارها ليس هدفاً بذاته، خاصة أن الوضع الإنساني داخل سوريا وفي مخيمات اللاجئين السوريين خارجها، يبعث على الأسى.
فالمأزق الذي دخلت فيه القضية السورية يتطلب من الدولتين الرئيسيتين صاحبتي النفوذ الكبير على طرفي النزاع، أن تقدما ما هو جديد نيابة عن طرفي النزاع الحقيقيين اللذين تراجع دورهما في الحسم، وأصبحا بحاجة للرعاية الدولية أكثر من أي وقت مضى.
في هذا السياق صرح الرئيس الأميركي مؤخرا، في لقائه الرئيس الفرنسي في الحادي عشر من فبراير الجاري أثناء زيارة الأخير لواشنطن، بأنه لا حل عسكرياً في سوريا، وقد سبق له التأكيد مراراً على أن الولايات المتحدة لن تغامر بعمل عسكري جديد في الشرق الأوسط.
كما أعلن عند لقائه العاهل الأردني في الرابع عشر من فبراير الجاري في كاليفورنيا، وهو أطول لقاء يعقد مع زعيم عربي في السنوات الأخيرة لم تكن القضية السورية غائبة عنه، أن بلاده تدرس بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها للضغط على نظام الرئيس السوري. هذا في الوقت الذي لم تتمكن الولايات المتحدة من صياغة حل سياسي له بعض الحظ في النجاح..
وتركت حتى الآن معظم الأوراق في يد روسيا وحلفائها، ليعمدوا إلى تبني سيناريو إطالة الوقت والسماح لقوات النظام السوري بالحصول على وضع قتالي وتعبوي أفضل على الأرض، إلى جانب حرصهم على تحصين النظام سياسياً ودبلوماسياً ضد أي قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي قد يفضي إلى تدخل عسكري.
ليس من المتوقع أن تعقد الجولة الثالثة من المحادثات قريباً، فهناك رغبة في العودة إلى مجلس الأمن الدولي لمقاربة الموضوع بمدخل جديد، عن طريق استصدار قرار بتأمين حصول السوريين في الداخل، وخاصة في المناطق المحاصرة، على المساعدات الإنسانية، وهو ما سيتسبب في مزيد من الاحتكاك بين الموقفين الأميركي والروسي.
ولكن ذلك ليس كل ما هو متوقع أن نشهده في القادم من الأيام، فالولايات المتحدة ترى أن الأزمة السورية ليست بمعزل عن خطة جون كيري وزير الخارجية الأميركية للسلام في الشرق الأوسط، التي تمسك الولايات المتحدة بمعظم خيوطها. فهل سنشهد نهاية لجنيف-2 كي نشهد ما بعده؟