الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد حمص: مخاطر الحل الجغرافي

ما بعد حمص: مخاطر الحل الجغرافي

11.05.2014
رفيق خوري


الانوار اللبنانية
السبت 10/5/2014
ليس لما ترمز اليه استعادة حمص بعد واحد في الصراع الجيوسياسي الدائر على المسرح السوري بعوامله المحلية والاقليمية والدولية. لا في حسابات النظام الذي استعادها. ولا في حسابات المعارضين الذين سموها عاصمة الثورة والمسلحين الذين خرجوا منها. ولا في حسابات اللاعبين الكبار المشاركين مباشرة أو بالواسطة في حرب دخلت عامها الرابع. النظام استعاد أجزاء منها بالقتال قبل عامين، بحيث قيل ان دخول بابا عمرو والخالدية هو بداية النهاية للحرب. واستعاد حمص القديمة بعد حصار طويل، ضمن صفقة برعاية ايران وروسيا والأمم المتحدة. لكن الصورة صادمة: مدينة مدمرة نزح أهلها الى مناطق أخرى ودول الجوار.
والسؤال، بعد التوقف أمام الرمز، هو: هل يعود الأهل الى حمص. كيف يعاد الاعمار بعد الخراب الكبير في العمران والنسيج الاجتماعي، وسط استمرار الحرب؟ وماذا بعد حمص؟ خطوط تماس واقعية أم تجاوز كل الخطوط للحفاظ على وحدة سوريا أرضاً وشعباً؟ الجواب النظري واضح في خطاب النظام والمعارضين والقوى الاقليمية والدولية، وهو الحرص على وحدة سوريا. لكن الجواب الواقعي غامض ومقلق، وسط كثير من السيناريوهات الشائعة.
ذلك أن المسألة ليست فقط ان حرب سوريا مستمرة بل أيضاً انها لم تعد حرب السوريين وحدهم. ولا فقط ان التسوية متعثرة وصعبة، والبعض يقول متعذرة، بل أيضا انها لم تعد تسوية بين السوريين وحدهم. فالحرب بالجملة والتسويات بالتقسيط. وما يحدث هو العمل على سلسلة من المصالحات الموضعية. وهي مصالحات يقول الرئيس بشار الأسد انها البديل من الحل العسكري، حيث يمكن، ويعرف انها في ظلّ الحل العسكري ومعه. ويرى المعارضون انها البديل من التسوية في حسابات النظام.
لكن أخطر ما حدث هو ان سوريا لم تعد سوريا التي عرفناها. والوقائع على الأرض واللعبة في الكواليس، تضع أمام الجميع معادلات قاسية: ليس هناك حلّ عسكري يعيد سوريا الى ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات، وعلى مدى نصف قرن، سواء بالنسبة الى سيطرة النظام المطلقة في الداخل ودور سوريا كلاعب اقليمي في المنطقة. وليس هناك حلّ سياسي يأخذ سوريا الى ما يجب ان تصير اليه في خطاب الثورة، وهو النظام الديمقراطي البرلماني التعددي التداولي. فهل يفرض نفسه على الجميع الحل الجغرافي؟
الجواب مخيف. فأي حلّ جغرافي في سوريا يقود الى حلول جغرافية في لبنان ودول الجوار. والمفارقة مذهلة في كون سوريا حكماً وشعباً وعلى مدى قرن كامل أكثر البلدان العربية رفضاً لحدود سايكس - بيكو، وكون أحداثها تقود الى الخروج من تلك الحدود نحو التصغير بدل التكبير.
وما بعد حمص هو الامتحان.