الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد "داعش"

ما بعد "داعش"

13.06.2016
أيمن الحماد


الرياض
الاحد 12-6-2016
انهيارات متسارعة في صفوف تنظيم "داعش" في العراق حيث يتم التضييق عليه في الفلوجة التي سقطت في يد التنظيم منذ عام 2014، وفي سورية حيث تمت السيطرة على 25% من مساحة الرقة معقل تنظيم "داعش"، وبات وضع التنظيم صعباً بعد الإطباق على "منبج" في ريف حلب وهي إحدى نقاط الإمداد الرئيسية لمعقل التنظيم الإرهابي، وهذه أخبار جيدة وتبعث برسائل بأن نهاية هذا التنظيم باتت وشيكة، لكن في مقابل هذا الانحسار ل"داعش" في مركزه في الرقة التي تحتل موقع القلب والرمزية بالنسبة للتنظيم، من سيدير المناطق الأخرى الشاسعة بعد تحريرها من التنظيم في جنوب سورية في دير الزور وشمال العراق حيث الموصل ثاني أكبر المدن العراقية.
في مرحلة ما كانت هزيمة التنظيم أهم من بحث مسببات نشوئه، لكن تلك المسببات من الأهمية اليوم أن تبحث في ظل الانتصارات التي تحدث هذه اللحظة، ونعني أنه ولكي نضمن ألا يعاد إنتاج "داعش" تحت مسميات أخرى، يجدر بنا أن نتجنب الأسباب التي أوجدته، وبغض النظر عن فرضية اعتباره صنيعة مخابراتية خرجت عن السيطرة، إلا أنه وجد مناصرين وملتحقين بصفوفه، من هنا يجب أن تتم محاصرته كفكر وإلغاء مبررات انبعاثه.
في العراق أدت طائفية نظام نوري المالكي وإضعافه للدولة والمجتمع من خلال تلك الممارسات واستشراء الفساد لسقوط الموصل، وبالتالي فإن ما يحصل اليوم في الفلوجة التي سقطت بعد الموصل تحت غطاء محاربة "داعش" من ممارسات طائفية مقيتة بحق السنة من قبل ميليشيات "الحشد الشعبي" والتي يراد لها أن تكون شكلاً آخر من "الباسيج" الإيراني هو في واقع الأمر إعادة لإنتاج الكراهية ومبرراً لمعادة الحكومة وإيجاد بيئة مستدامة للتطرف، ليس فقط في الفلوجة، بل في باقي المناطق السنية الشاسعة بدءاً من ديالى شرقاً مروراً بصلاح الدين وحتى الأنبار غرباً والموصل شمالاً حيث معركة أخرى يتم الاستعداد لها.
إن حجم التأثير الاجتماعي على المناطق التي حكمتها "داعش" في العراق، هو جزء من التحديات التي لن تستطيع حكومة بغداد التي ترزح تحت ضغوطات شعبية كبيرة قد تؤدي إلى إسقطاها أن تحتويها، وإن كان رئيس الوزراء العبادي يرى في دحر التنظيم من الفلوجة فرصة لتعزيز مواقفه؛ فإن المرحلة التي تلي التخلص من التنظيم لا تقل أهمية وصعوبة من مهمة التخلص منه، فالتحديات الاجتماعية والأمنية التي خلفها "داعش" و"الحشد الشعبي" أفقدت سكان هذه المناطق الثقة في حكومتهم، وبالتالي فإن البحث عن صيغة توافقية مع سكان تلك المناطق ووجهائها للإمساك بالأرض والحفاظ عليها قد يكون حلاً مرحلياً ملائماً يفضي إلى الاستقرار ويشجع على عودة السكان، أما في الحالة السورية فالوضع أكثر تعقيداً مع دخول الأكراد كمتغير رئيسي في الحرب على "داعش"، لاسيما إذا ما عرفنا أن المناطق التي يتم تحريرها ليست في النطاق الكردي، وإنما فيما يعرف ببادية الشام، وهذا ما دفع صالح مسلم القيادي الكردي في "قوات سورية الديموقراطية" إلى القول بأن "أهل الرقة سيختارون من يحكمهم" بعد أن فقدت دمشق السيطرة على حكم البلاد، ويدرك مسلم حجم التحدي الاجتماعي والثقافي الذي سيواجهه في تلك المناطق المحررة وهو ما دفع واشنطن لإشراك قوة عربية رمزية ضمن "قوات سورية الديموقراطية"، بالرغم من الانتقادات التي تطال قلة عددها، إذن إرساء حوكمة لممارسة السياسة والادارة لهذه المناطق أهم التحديات التي تواجه الفاعلين في الملف السوري لمرحلة ما بعد "داعش"، فالمساحة شاسعة إذا ما تحدثنا فقط عن الرقة ودير الزور التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، وهو يستوجب إطاراً توافقياً بإرادة محلية سورية بعيداً عن النظام الذي فقد شرعيته ولياقته وأسهم في إيجاد "داعش".